خيارات صعبة لموازنة الجزائر: موارد شحيحة لا تمحو مخلفات أزمتي كورونا والنفط

29 نوفمبر 2020
جائحة كورونا عمقت الصعوبات الاقتصادية (Getty)
+ الخط -

تدخل الجزائر عام 2021، وهي مثقلة بمخلفات أزمتي كورونا وتراجع عائدات النفط، التي عطلت الاقتصاد وأدت إلى تراجع النشاط الاقتصادي بنحو 8%، وفق البيانات الرسمية، جراء الغلق الذي أقرته الحكومة منذ مارس/آذار الماضي، ومس بالأخص قطاعات الأشغال العمومية والبناء والنقل والتجارة.

وبجانب تراجع عائدات النفط، يواجه الاقتصاد تبعات انخفاض قيمة الدينار وارتفاع التضخم وتوقف الشركات عن العمل، حيث أعلن الديوان الوطني للإحصاء عن "أرقام مقلقة" ومؤشرات حمراء، منها اقتراب نسبة البطالة من 20% بعدما ثبتت عند 11.4% في نهاية عام 2019.

ومع إجراءات الحجر، منيت الشركات المملوكة للدولة بخسائر تبلغ نحو 4.5 مليارات دولار، من جراء الأزمة الصحية، حسب تقديرات وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن. بينما لم يتم تقييم خسائر القطاع الخاص بعد، لكن العديد من المتاجر المغلقة، بما في ذلك المطاعم والمقاهي ووكالات السفر، تواجه خطر الإفلاس.

واعترف رئيس الوزراء عبد العزيز جراد بأن "الجزائر تعيش وضعا اقتصادياً صعباً غير مسبوق ناتجا عن أزمة هيكلية للحكومات السابقة، إضافة إلى انهيار أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا".

وحذر خبراء الاقتصاد من أنه إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء لمواجهة الوضع على نطاق واسع، فإن اللجوء إلى الاستدانة الخارجية سيصبح أمراً لا مفر منه.

وقال الخبير الاقتصادي جمال نور الدين لـ"العربي الجديد" إن "المرحلة تتطلب التطبيق وليس التنظير فقط، فالاقتصاد على أعتاب دخول مرحلة انكماش غير مسبوقة، وقد تفوق أزمة 1986 التي عاشتها الجزائر جراء تهاوي عائدات النفط". وأضاف نور الدين أن "الأزمة المالية الحالية زادتها حدةً أزمة كورونا، ستفتح أبواب ظلت مغلقة لسنوات بسب الإنفاق "السخي" للحكومات في الماضي".

وكانت الحكومة قد أقرت في أغسطس/ آب الماضي، خطة إنعاشية من 3 محاور كبرى و20 بنداً إصلاحياً، صادق عليها الرئيس عبد المجيد تبون بـ 26 مليار دولار، وتضمن المحور الأول الإصلاح المالي من مراجعة النظام الجبائي، واعتماد قواعد جديدة لحوكمة الموازنة، وتحديث النظام المصرفي، أما محور التجديد الاقتصادي فورد فيه 12 بندا، وركز على تحسين فعلي لمناخ الأعمال، وتبسيط قوانين الاستثمار وإزالة العراقيل البيروقراطية التي تكبح المستثمرين، والمحور الأخير يتعلق بمكافحة البطالة وخلق الوظائف، فتضمن تكييف مناهج التكوين (التدريب) مع حاجيات سوق العمل، وتشغيل حاملي الشهادات المهنية.

كما خصصت الحكومة 1882 مليار دينار (ما يعادل 14.5 مليار دولار) من ميزانية 2021، لإعادة تقييم المشاريع الحكومية المجمدة بفعل أزمة كورونا في مجال السكن والصحة والري، بالإضافة إلى الأشغال العامة.

وحسب تبريرات الحكومة، فإن المشاريع المجمدة تحتاج لإعادة دراسة بسبب تجاوز الأشغال التواريخ الزمنية المحددة، بالإضافة إلى تراجع قيمة العملة الوطنية، وهو ما دفع بكلفة بعض المشاريع الضخمة لتتضاعف بنسبة 50%، رغم أن قانون الصفقات العمومية يحدد أعلى نسبة للمراجعة بـ 20% في الظروف القاهرة، إلا أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها الجزائر أباحت للحكومة تجاوز هذه القوانين، من أجل تحريك مياه المشاريع المجمدة، والتي بدورها ستسمح لآلاف من المقاولات (الشركات) بالعودة إلى العمل.

ويرى الخبير المالي نبيل جمعة لـ"العربي الجديد" أن "الخطط الإنعاشية التي وضعتها الحكومة من الجانب النظري تبقى مفيدة، بالرغم من وجود نقاط الضعف فيها وبعض السلبيات، إلا أن الإشكال يكمن في التطبيق".

وأضاف جمعة أن "مخطط الإنعاش الاقتصادي لا يزال حبيس الأوراق بعد قرابة 4 أشهر من المصادقة عليه، وحتى التعويضات للشركات والإعفاءات الضريبية التي تعتبر قرارات إدارية لا تزال عالقة، وبالتالي الإشكال يكمن في البيروقراطية أو ما يعرف بالفساد الإداري الذي جمد كل شيء في الجزائر".

لكن هناك من يؤكد أن الموارد المالية المتراجعة تقف حجر عثرة أمام محاولات إنعاش الاقتصاد المتعثر بسبب ثنائية جائحة فيروس كورونا وهبوط أسعار النفط، الأمر الذي يضع الحكومة في مأزق حقيقي في تجسيد الخطط التي جاءت في موازنة العام المقبل 2021.

فخبراء الاقتصاد يرون أن أكبر عقبة تواجه مساعي الحكومة لبعث الاقتصاد خلال العام الجديد، هي نقص الموارد المالية، فعادة ما تلجأ إلى عائدات النفط واحتياطي النقد الأجنبي لتغطية الخطط الحكومية، إلا أن المعطيات هذه المرة تغيرت، فعائدات النفط لا تزال متهاوية، واحتياطي النقد الأجنبي يتآكل بشكل متسارع ولم تعد الجزائر قادرة على مساره الهبوطي، لارتفاع الإنفاق خاصة على الاستيراد.

ويقول الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لدى الحكومة عبد الرحمان مبتول لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة بحاجة إلى تمويلات استثنائية لرفد موازنة 2021، التي تقدر الحكومة العجز فيها بنحو 22 مليار دولار"، مشيرا إلى أن هذا العجز يعد مبدئيا في ظل الإنفاق الحكومي المقدر بحوالي 8112 مليار دينار (64 مليار دولار) مقابل إيرادات متوقعة بحوالي 5328 مليار دينار (ما يعادل 42 مليار دولار).

وأضاف مبتول أن "الحكومة أمامها خيارات قليلة، منها الاقتراض من البنك المركزي الذي يحوز سيولة تعادل 50 مليار دولار حسب آخر تقرير للبنك، كما يمكن للحكومة أن تتجه نحو طباعة الأموال، وهي العملية المجمدة سياسيا، لكن يمكن اللجوء إليها ما دام قانون القرض والنقد يمسح بها إلى غاية 2022، أو أن تتجه نحو الاستدانة الخارجية وهي أسوأ الحلول".

وتراجع احتياطي النقد الأجنبي بنحو 15.6 مليار دولار في أقل من سنة ونصف السنة، حيث استقر بحلول أغسطس/آب الماضي عند 57 مليار دولار، بينما بلغ بنهاية إبريل/نيسان 2019 حوالي 72.6 مليار دولار، في حين سجل نهاية 2018 نحو 79.88 مليارا. وتتوقع الحكومة تراجع الاحتياطي إلى 51.6 مليار دولار بنهاية العام الجاري، وإلى ما دون 40 مليار دولار بنهاية 2021.

ورغم هذه الأرقام "الحمراء"، تحرص الحكومة في كل مرة على إطالة عمر "التفاؤل"، حيث تتوقع أن يرفع احتياطي العملة بعد سنة 2022 بعد ارتفاع أسعار النفط مجدداً، والتي تشكل عائداته 96% من مداخيل البلاد والمصدر الأساسي لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، وفق البيانات الرسمية.

المساهمون