خذوا العبرة من أوغندا

03 يناير 2022
الصين تضع يدها على مطار عنتيبي "فرانس برس"
+ الخط -

تتوسع الحكومات العربية في الاقتراض الخارجي فتقع في مصيدة القروض القاتلة، وتغترف تلك الحكومات مليارات الدولارات من الخارج وبأسعار فائدة عالية ومبالغ فيها في بعض الأوقات، فيكون مصير دولها الطبيعي هو الوقوع في دائرة الديون السامة، وتكرار سيناريو لبنان والسودان واليونان وقبرص والمكسيك والأرجنتين وفنزويلا والبرازيل والإكوادور وغيرها من الدول المفلسة.
وتواصل الحكومات الاقتراض بغزارة رغم التحذيرات المتلاحقة لها وضعف الإيرادات الدولارية والقدرة المستقبلية على السداد، فتدخل الدول المقترضة بعد ذلك في مرحلة أخطر وهي الانهيار الاقتصادي الكامل، ورهن قرارها السياسي والاقتصادي والمالي لأطراف خارجية يكون لها القول الفصل في تحديد أولويات الدولة، وأوجه إنفاق الإيرادات العامة، وتوزيع مخصصات الموازنة العامة، بل وربما يصل الأمر إلى وضع الدائنين أيديهم على أصول الدولة ومنها المطارات الرئيسية، كما حدث في أوغندا قبل أيام.

لبنان تتحول إلى دولة فاشلة ماليا ومنهارة اقتصاديا وعاجزة سياسيا بسبب توقفها عن سداد أعباء ديونها الخارجية

لبنان مثلا استسهل الاقتراض الخارجي على مدى سنوات طويلة، والنتيجة التحول إلى دولة فاشلة ماليا ومنهارة اقتصاديا وعاجزة سياسيا بعد أن عجزت عن سداد الديون الخارجية المستحقة عليها، وورطت قطاعها المصرفي والمالي وهددت أموال المودعين، وأفقدت المستثمرين الأجانب وبنوك الاستثمار العالمية الثقة في الاقتصاد اللبناني كاملا.
سبقت لبنان في ذلك دول عربية كثيرة، منها السودان، الذي تحولت إلى دولة فاشلة بامتياز، يعاني مواطنيها شظف العيش وغلاء للسلع غير مسبوق، وتدهور البنية التحتية والخدمات العامة من كهرباء ومياه وطرق، وابتزاز من صندوق النقد والدول المانحة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ولولا مشاركة مصر في حرب الخليج الأولى وإسقاط 50% من ديونها الخارجية مقابل تلك المشاركة، لدخل الاقتصاد المصري في دوامة لا يعلم سوى الله مداها وخطورتها، خاصة وأن مصر كانت تعاني في ذلك الوقت من تراجع في الإيرادات الدولارية وحوادث الإرهاب وغيرها.
ورغم خروج مصر من مأزق الدين الخارجي، واسقاط نحو 43 مليار دولار من ديونها الخارجية في بداية التسعينيات من القرن الماضي، فإن الحكومة الحالية عادت لمستنقع القروض مرة أخرى، بل وتصر على التورط في مصيدة الدين الخارجي مع اقتراض نحو من 100 مليار دولار في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز ثماني سنوات.

رهن أصول الدولة، وقبلها رهن سيادة الدولة وقرارها أبرز نتائج التوسع في الاقتراض الخارجي

هناك نماذج عربية أخرى دخلت في دوامة الاقتراض الخارجي، وليست لدى حكوماتها خطة محددة للخروج من هذا المأزق، بل والإصرار على السير فيه حتى النهاية رغم مخاطره الشديدة، وذلك تحت مزاعم عدة منها الحصول على قروض لتمويل مشروعات قد لا تمثل أولوية للاقتصاد الوطني، أو سيولة لتمويل عجز الموازنة العامة، وربما سداد رواتب العاملين في الجهاز الإداري للدولة.
مخاطر التوسع في الاقتراض لا تقتصر فقط على الخضوع لابتزازات وشروط وإملاءات الدائنين الدوليين، وأبرزهم صندوق النقد والبنك الدوليين، ولا على تدهور الوضع المعيشي للمواطن، وحدوث قفزات في معدلات البطالة والتضخم والفقر، وتهاوي في قيمة العملة بشكل يهدّد الأمن الاجتماعي والسياسي للدولة ومواطنيها، أو إحداث حالة من الفوضى الشديدة داخل المجتمع، واهتزاز ثقة المستثمرين المحللين والأجانب على حد سواء في اقتصاد الدولة المفلسة، بل قد يتخطاها لما هو أخطر من ذلك، وهو رهن أصول الدولة، وقبلها رهن سيادة الدولة وقرارها.

موقف
التحديثات الحية

أحدث مثال على ذلك ما حدث قبل أيام، حينما تم الكشف عن أن الصين وضعت يدها على مطار عنتيبي الدولي في أوغندا، بعد أن تخلّفت الحكومة الأوغندية عن سداد ديون حصلت عليها من بكين لتمويل مشروع توسعة المطار.
ورغم نفي المتحدث باسم السفارة الصينية في أوغندا، يوم الأحد 28 نوفمبر/تشرين الثاني، نيّة الصين وضع يدها على المطار، فإن حكومة أوغندا اعترفت بهذا الأمر، بل وتسعى لتعديل اتفاقية قرض وقعتها مع الصين في عام 2015 لضمان عدم فقدان الحكومة السيطرة على المطار الدولي الوحيد في البلاد، حسب ما نقلته وسائل إعلام عالمية، منها بلومبيرغ ومونيتور ووكالة الأنباء الألمانية، عن مصادر مطلعة.
ما حدث في أوغندا يبعث برسالة للحكومات العربية، خاصة تلك التي ترهن أصول الدولة مقابل الحصول على قروض خارجية ضخمة.

الصين تضع يدها على مطار عنتيبي الدولي في أوغندا، عقب تخلّف الحكومة عن سداد ديون حصلت عليها من بكين لتمويل توسعة المطار

الرسالة تقول إن التوسع في الاقتراض الخارجي خطر شديد، خاصة وأن حصيلة القروض لا توجه لتمويل مشروعات تدر عائد دولاري يوجه لسداد أعباء الديون، وأن هذا الخطر لا يقتصر فقط على اقتصاد الدولة ومواردها بل وعلى أصولها.

وأن المقرضين الدوليين لا يمنحون تلك القروض في شكل هبات ومنح وصدقات، بل وسيستردونها حتى ولو وصل الأمر إلى حد وضع يدهم على أصول الدولة في الداخل والخارج، وعلى احتياطيات الدول المقترضة الأجنبية المودعة في بنوك خارجية، بل والحجز على مقار السفارات والبنوك والمؤسسات الاقتصادية الحساسة.

المساهمون