لم يفق المصريون من صدمة الألف مصنع، والتي كان من المخطط افتتاحها نهاية الشهر الجاري واكتشف الجميع أنها خدعة كبيرة، حتى دخلوا في خدع جديدة تؤكد أن الحكومة الحالية على موعد مع إطلاق أكبر التصريحات الخادعة الأقرب للنكات "البايخة"، خاصة من قبل وزرائها ومسؤوليها الاقتصاديين الذين من المفترض انضباط تصريحاتهم ودقتها.
مثلاً، ضع أمامك أربعة تصريحات رسمية صدرت أمس الأحد عن مسؤولين مصريين وأجانب لتدرك حجم الخدعة الكبرى التي تعيشها البلاد، وأننا أمام حكومة تمارس سياسة الخداع ليل نهار ولا تخجل من ذلك، وأنها غير جادة في التعامل مع أي ملف حتى ولو كان بالغ الأهمية ويتعلق باسترداد الأموال المنهوبة في الخارج، خاصة المودعة لدى البنوك السويسرية، أو الاعتراف بالواقع الذي يقول إن مشاكل مصر أكبر من قدرات الحكومة الحالية، حتى ولو صورت نفسها على أنها خارقة لكل المعجزات والنواميس الكونية.
التصريحات الأربعة التي أقصدها تتعلق بملفات جماهيرية تشغل بال عموم المصريين وليس فئة فقط وتتعلق بأموال مصر المنهوبة، وأزمة السكن ومشروع المليون وحدة سكنية، ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وتوسع الحكومة في الاقتراض من الخارج وبأي تكلفة، ومصير الألف مصنع التي قيل إنه سيتم افتتاحها يوم 30 يونيو/ حزيران وتحولت فجأة إلى 50 مصنعاً بلا أسوار أو بنية تحتية وطرق.
ولنرصد التصريحات الأربعة التي جاءت علي لسان المسئولين على النحو التالي:
* التصريح الأول: كان من نصيب مساعد وزير الإسكان المصري، خالد عباس، والذي قال فيه أمس إنّ الوزارة انتهت من إنشاء 250 ألف وحدة سكنية من مشروع المليون وحدة سكنية حتى الآن، وإن المشروع سيتم الانتهاء منه خلال الخمسة أعوام المقبلة.
اقرأ أيضاً: سويسرا: مصر لم تتقدم بطلب لاسترداد أموالها المنهوبة
السؤال المطروح هنا، والذي يتبادر لذهن أي عاقل: أين ربع المليون وحدة التي يتحدث عنها
الرجل في الوقت الذي يعترف فيه وزير الإسكان نفسه وأعضاء بحكومة إبراهيم محلب أن مشروع المليون وحدة يواجه مشاكل معقدة قد تحول دون تنفيذه أو أن يرى النور، وأن شركة أرابتك الإماراتية صاحبة المشروع لم تضع بعد طوبة واحدة في المشروع المتعثر لأسباب عدة سردناها في مقالات عدة من أبرزها الوضع المالي الصعب للشركة والذي يحول دون تنفيذها مشروعاً بكلفة 40 مليار دولار.
* التصريح الثاني: كان من نصيب مساعد وزير الإسكان، خالد عباس، نفسه، حيث قال أمس أيضاً إن الدولة ستتولى تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، إذا لم تنجح المفاوضات مع المستثمر الإماراتي محمد العبار.
والسؤال المطروح هنا هو: من أين ستأتي الحكومة بـ 90 مليار دولار، أي 686.7 مليار جنيه، هي تكلفة المشروع، في الوقت الذي تواجه فيه عجزاً في الموازنة العامة للدولة من المقدر أن يبلغ 270 مليار جنيه نهاية الشهر، وأن هذا العجز يتم تغطيته عن طريق القروض من الداخل والخارج؟
وإذا كانت الحكومة تلجأ للاقتراض من البنوك لسداد العجز المزمن في الموازنة العامة ودفع رواتب الموظفين، فهل ستقترض لتمويل العاصمة الإدارية الجديدة التي لا تشكل أولوية في اهتمامات المواطن المصري؟ وفي حال رغبتها في ذلك، أين ستجد كل هذه الأموال، وبأي تكلفة، وما هي مصادر السداد؟
* التصريح الثالث: كان بطله هاني قدري، وزير المالية المصري، والذي أعلن نجاح مصر في إصدار سندات دولارية، بقيمه 1.5 مليار دولار لمدة 10 سنوات، وأنه سيتم استخدام الحصيلة لتمويل عجز الموازنة.
حسناً، الوزير يقول ببساطة إن مصر حصلت على قروض جديدة من الخارج تضاف للدين الخارجي للبلاد الذي يقترب من 40 مليار دولار، قروض ليس بهدف تمويل مشروعات استثمارية جديدة من المفروض إقامتها لتوفير فرص عمل لملايين الشباب، ولكن لتغطية عجز الموازنة العامة.
دعنا من هذه النقطة ولننتقل لنقطة أخري، وهي أن الوزير لم يحدد لنا حجم التكلفة العالية التي ستدفعها مصر للحصول على القرض الجديد، أو يقول لنا إن الحكومة اقترضت 1.5 مليار دولار بسعر فائدة 6.25% سنوياً في الوقت الذي يبلغ فيه عائد الدولار ربعاً في المائة للودائع و2 إلى 3 في المائة للقروض، وهناك دول تقترض بأقل من هذه النسبة بسبب قوة مركزها المالي.
* التصريح الرابع: أخيراً بماذا تفسر الحكومة المصرية تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية السويسري، إيف روسيي، أمس، التي قال فيها إن بلاده تريد من مصر التحرك واتخاذ إجراءات قضائية صحيحة لاسترداد أموال مبارك، وإن سويسرا تريد من المصريين إقامة دعوى قضائية للحصول على هذه الأموال.
أكثر من أربع سنوات مضت ولم تتحرك الحكومة المصرية لاسترداد هذه الأموال المنهوبة رغم أن هناك وفوداً مصرية رسمية تذهب وأخرى تأتي.. فمتى تتحرك الحكومة إذاً؟
اقرأ أيضاً: مصر: توقف 2500 مصنع في 5 سنوات