استمع إلى الملخص
- برزت جهود فردية لتقديم المساعدات، لكن الاحتكار وارتفاع الأسعار شكلا عائقًا، مع ظهور أزمة في توفير مياه الشرب، بينما رفض بعض التجار الانخراط في الاحتكار.
- غياب الرقابة الرسمية أدى إلى تفاقم الاحتكارات، مما أتاح لتجار الأزمات استغلال الوضع، وأكدت جمعية حماية المستهلك على ضرورة تقديم شكاوى ضد الاحتكار.
يواجه النازحون من المناطق اللبنانية المعرضة للعدوان الإسرائيلي، ظروفاً قاسية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، مع انتشار السوق السوداء للمواد الأساسية التي يحتاجونها في مراكز الإيواء وفي الشقق السكنية الفارغة التي يستأجرونها، خصوصا الفرش والمخدات والأغطية والمواد الغذائية الأساسية.
وأدت هذه الظاهرة إلى تصاعد الأسعار إلى مستويات قياسية، بحيث لم تعد مسألة تأمين الاحتياجات اليومية أمراً ممكنًا للعديد من هؤلاء، إذ إن الاستغلال والاحتكار، اللذين يسيطران على الأسواق، يزيدان من معاناة النازحين، الذين باتوا فريسة سهلة للغلاء الفاحش وانعدام الرقابة. وحالياً، يواجه السوق اللبناني أزمة حادة في توفير الفُرُش والأغطية للنازحين، حيث يعاني من نقص واضح في هذه المواد اللوجستية. ومن تمكن من الحصول عليها يضطر لدفع أسعار مرتفعة.
أحد أصحاب المصانع في منطقة عرمون، القريبة من بيروت، أوضح أن الطلب المتزايد على الفُرُش الإسفنجية دفعهم إلى رفع الأسعار نظراً لصعوبة استيرادها وارتفاع تكلفة الشحن، حيث ارتفع سعر الفراش الإسفنجي الواحد من 10 دولارات إلى أكثر من 40 دولاراً. كما زادت أسعار الأغطية من أربعة وستة دولارات إلى 15 دولاراً، بينما ارتفعت أسعار الوسادات من أربعة دولارات إلى 14 دولاراً، ومن المتوقع استمرار الارتفاع مع زيادة عدد النازحين في لبنان الذين تجاوزوا المليون شخص، مما يزيد الضغط على هذه المواد.
السوق السوداء في الحرب
وأوضح الصحافي خلدون جابر الذي ينشط في توفير المواد الأساسية للنازحين في مراكز الإيواء، لـ "العربي الجديد" أنه مع بداية مرحلة النزوح تمكن مع أصدقائه وزملائه من توفير المساعدات الغذائية، لكن واجهتهم صعوبات في تأمين الفُرُش الإسفنجية. حيث تم تأمين حوالي 1000 فرُشة بتمويل ذاتي، إلى أن ظهرت أزمة الفُرُش واحتكارها من قبل بعض المصانع ورفع أسعارها في بعض المناطق.
وبالرغم من وجود تجار يعرضون أسعاراً لا تتجاوز 12 دولاراً في منطقتي راشيا الوادي وطرابلس، إلا أن الأسعار في بيروت وصلت إلى أكثر من 40 دولاراً. وأشار إلى أنه بعد أزمة الفُرُش الإسفنجية ظهرت أزمة مياه الشرب اليومية، مما أجبر الأهالي على الشراء بسبب توقف شركات المياه عن تسليم عبوات المياه أو رفع أسعارها.
من جهتها، أكدت ناشطة اجتماعية فضلت عدم ذكر اسمها، أنها واجهت صعوبة، مع عدد من الناشطين، في تأمين الفُرُش والأغطية وحتى المواد الغذائية نتيجة لارتفاع الطلب المفاجئ عليها. وأشارت إلى وجود تلاعب في الأسعار من قبل بعض التجار، حيث إن البعض قدم المساعدة وباع الفُرُش بأسعار لا تتجاوز 10 دولارات، بينما طلب البعض الآخر 40 دولاراً. كما ارتفعت أسعار الوسادات من أربعة دولارات إلى أكثر من 11 دولاراً.
تقصير الدولة
من جهة أخرى، قرر صاحب سوبرماركت "هاني" في حاصبيا جنوب لبنان عدم رفع الأسعار رغم صعوبة نقل البضائع من بيروت، مبرراً ذلك بأن الناس فقدت وظائفها، وما زال بإمكانه تلبية احتياجاتهم. وأكد أنه في حال فرض حصار أو زيادة في التكاليف، سيضطر إلى زيادة الأسعار، لكنه رفض الانخراط في الاحتكار.
ولفت رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية، إيلي رزق، في حديث خاص لـ “العربي الجديد" إلى أن هناك تأثيراً سلبياً كبيراً على الاقتصاد نتيجة عدم تحضير الشعب اللبناني لاحتمالية نشوب حرب، وأوضح أنه عندما لا تقوم القيادات السياسية بتهيئة شعبها للحرب، لا يتم تخزين المواد الأساسية، الغذائية والإنسانية التي يحتاجها الناس، وخاصة في ظل وجود نازحين والحاجة إلى تجهيز مراكز إيواء.
وأضاف رزق أن الحرب فُرضت على الشعب، مما أدى إلى نقص كبير في المواد الأساسية بسبب الطلب المفاجئ وغير المتوقع عليها، مثل الفُرُش والأغطية، حيث لم يكن السوق المحلي يمتلك مخزوناً كافياً أو صناعات قادرة على تلبية احتياجات أكثر من مليون نازح، هذا الوضع خلق سوقاً موازية، وأدى إلى انقطاع بعض السلع، مما دفع الدولة إلى طلب استيرادها، ولكن تبين أن شحن هذه المواد مكلف جداً.
وأشار رزق إلى أن لجنة الطوارئ التي أنشأتها الهيئات الاقتصادية لمواكبة انعكاسات الحرب، اكتشفت أن شحن ألف فُرُشة، على سبيل المثال، يتطلب ست بواخر، أما بالنسبة لتخزين المازوت والبنزين، فالشركات كانت تمتلك مخزوناً طبيعياً في الأيام العادية، ولكن اليوم نحن مضطرون إلى استيراد كميات أكبر، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء وزيادة الطلب على المازوت، مشيرًا إلى أن إسرائيل قامت بتجهيز شعبها منذ بداية الحرب على غزة، في حين لم يحدث ذلك في لبنان.
وأكد رزق على ضرورة إيجاد حلول سريعة لوقف الحرب، مشددًا على أن استمرارها سيؤثر على الاستقرار المالي والنقدي، وسيؤدي إلى انهيار العديد من القطاعات، خاصة القطاع الخاص الذي يعاني من أعباء مالية ضخمة لتأمين الرواتب، في ظل تراجع بنسبة 90% من الأعمال التجارية.
غياب الرقابة
بدورها صرّحت ندى نعمة، نائب رئيس جمعية حماية المستهلك لـ "العربي الجديد"، بأن غياب الرقابة الرسمية في هذه الأزمة أدى إلى تفاقم الاحتكارات وانتشار السوق الموازية، مما يتيح المجال لما يعرف بـ “تجار الأزمات" للاستفادة من الأوضاع. وأوضحت أن هؤلاء التجار يستغلون الأزمة من خلال إخفاء البضائع ومنع عرضها، مستغلين حاجة الناس الملحّة لشراء حاجياتهم، حتى لو بأسعار مرتفعة، دون تقديم أي شكوى.
وأضافت نعمة أنه مع بداية الأزمة، عندما كان النازحون يبحثون عن أماكن أو مراكز للإيواء، شهدت الأسواق ارتفاعاً كبيراً في الطلب على الفُرُش الإسفنجية، الوسادات، والأغطية. وحاليًا، هناك ارتفاع ملحوظ في الطلب على المواد الغذائية والمياه والحبوب.
وأكدت أن الجمعية قامت بجولات ميدانية، وتبين أن هذه المواد لا تزال متوفرة في الأسواق ولم تنقطع، ولكن ينبغي على المستهلكين عدم الرضوخ للأسعار المرتفعة، بل البحث عن أماكن أخرى لشراء حاجياتهم وتقديم شكاوى عند اكتشاف حالات احتكار.
وأكدت نعمة أن السوق الموازية تتيح تحقيق أرباح غير شرعية لبعض الأفراد على حساب جيوب الناس، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تلحق أضرارًا جسيمة بالاقتصاد، خاصة في ظل الأزمة التي تمر بها البلاد منذ عام 2019 وعدم اتخاذ أي حلول فعالة، كما أوضحت أن غياب فرص العمل والاستثمارات يزيد من تعقيد الوضع.
وأشارت إلى ضرورة أن يتصرف التجار بمسؤولية وألا يستغلوا معاناة الناس، فهناك العديد من الأشخاص الذين فقدوا ممتلكاتهم أو اضطروا لمغادرة منازلهم ولا يملكوا سوى قوتهم اليومي. لذلك، من المهم أن يلتزم التجار بالربح المعقول والمشروع، وعدم استغلال الأوضاع لتحقيق مكاسب غير أخلاقية. وأكدت أن الاقتصاد يعتمد على مبدأ العرض والطلب، ولكن في لبنان، سواء قبل الحرب أو بعدها، يتسم النظام الاقتصادي بالاحتكار دون وجود منافسة حقيقية.
ويشرح الخبير الاقتصادي، أنطوان فرح، لـ"العربي الجديد" أن الأزمات والحروب تفتح الباب أمام ممارسات غير شرعية، وأحياناً غير أخلاقية، حيث يجري استغلال مآسي الناس لجني الثروات.
وأشار إلى أن الأزمة بدأت في لبنان مع الطلب الكبير على الفُرُش الإسفنجية والأغطية والوسادات، فأعداد النازحين كانت ضخمة، وكانوا بحاجة ماسة إلى هذه المواد في مراكز الإيواء، ولكن الكميات المتاحة في السوق كانت محدودة وموجودة لدى تجار محددين، مما أدى إلى استغلال الوضع ورفع الأسعار بشكل مبالغ فيه.
وأشار فرح إلى أن الزيادة المنطقية في أسعار بعض السلع خلال أوقات الحرب قد تكون مبررة، نظراً لارتفاع تكاليف الاستيراد والتأمين على الشحن وغيرها. ومع ذلك، أكد أن هذا لا يمنع من وجود بعض الأفراد الذين يستغلون هذه الظروف، وهنا تأتي مسؤولية وزارة الاقتصاد في الرقابة والتدخل عند الضرورة، دون المساس بمبدأ الاقتصاد الحر الذي يقوم عليه النظام الاقتصادي اللبناني. وأوضح أن المنافسة كانت العامل الأساسي في خفض الأسعار سابقاً، ولكن اليوم، مع تفاقم الاحتكار، أصبح من الصعب الاعتماد على المنافسة وحدها.