سيطرت حالة من "عدم اليقين" على أسواق المال وبورصات دول الخليج جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والمتواصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، واستقرت معظم مؤشرات أسواق المال الخليجية في المنطقة الحمراء. وفي رصد لمؤشر بورصة قطر، خلال فترة العدوان، نجد أن مؤشر التداولات اليومي حقق ارتفاعات أكثر من التراجعات.
وأنهى مؤشر بورصة قطر يوم الأحد، 8 أكتوبر/ تشرين الأول، وهو أول يوم للعمل بعد العدوان الإسرائيلي، تعاملاته على تراجع بنسبة 0.61%، ليزداد التراجع في اليوم التالي، الاثنين، وبنسبة 1.65%. أما في اليوم الثالث (10 أكتوبر)، فقد صعد المؤشر 0.16%، وواصل الصعود بنهاية تعاملات 11 أكتوبر، محققا نسبة 1.74%. وفي اليوم الذي يليه سجل ارتفاعا بنسبة 0.97%، ليصل إلى مستوى 10120.10 نقطة.
واستهلت بورصة قطر الأسبوع الثاني من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يوم 15 أكتوبر، بارتفاع المؤشر بنسبة 0.06% بواقع 6.36 نقاط، ليتراجع المؤشر في اليوم التالي، 16 أكتوبر، بنسبة 0.80%، بواقع 80.86 نقطة، ليصل إلى مستوى 10045.6 نقطة.
تداعيات الأوضاع الجيوسياسية
وقال خبراء اقتصاديون إن الأوضاع الجيوسياسية تؤثر على أسواق المال والمعطيات الاقتصادية عموما، وأكدوا لـ"العربي الجديد"، أنه "لا تأثير مباشرا للحرب التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزة على أداء وأعمال الشركات في بورصة قطر حتى الآن"، ولفتوا إلى وجود نوع من "التحوط" خوفا من توسع رقعة الحرب وامتدادها إلى دول الإقليم.
يقول المحلل المالي أحمد عقل، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "رأس المال يتحرك دائما في ظروف سياسية مستقرة، ليس في دولة معينة، بل في المنطقة التي يعمل بها، والأسواق الناشئة عموما، ومنها سوق قطر للأوراق المالية، هي أسواق سريعة التأثر بالأحداث الخارجية، حتى وإن كانت بعيدة جغرافيا".
وأشار عقل إلى "انعكاس تأثر أسعار النفط الناجم عن الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة على معظم أعمال الشركات الصناعية المدرجة"، لافتاً إلى عامل مهم خفف من تأثر بورصة قطر، وهو أن الشركات المدرجة بدأت بإعلان أرباحها ونتائجها المالية للربع الثالث من العام الجاري.
ويرى الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة قطر جلال قناص أن تأثير الحرب الإسرائيلية على غزة "كان هو الأقل على بورصة قطر قياسا بالبورصات الخليجية، بسبب وجود أداء نشيط لصانع السوق للحد من انخفاض المؤشر".
وأشار قناص، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن المستثمرين، في أوقات الحروب والأزمات، يبحثون عن الملاذ الآمن لاستثماراتهم، إما على شكل نقدي بالعملات الصعبة، وخصوصا الدولار، أو يتجهون إلى الذهب، وذلك بسبب زيادة المخاطر الاستثمارية، وخصوصا المتعلقة بالمخاطر الجيوسياسية التي أصبحت من المخاطر المهمة التي يأخذها المستثمرون بعين الاعتبار، وخصوصا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا. وأضاف: "ولهذا السبب، سجلت معظم أسواق الأسهم في منطقة الخليج تراجعا منذ بداية العدوان الإسرائيلي، حتى الآن، وسط مخاوف من التصاعد واتساع رقعة العدوان".
وعلى مدى الأسبوع الماضي، ظهر تأثير المخاوف على أسعار الأصول، ما ساهم في تراجع الأسهم يوم 15 أكتوبر وتراجع المؤشر "ستاندرد أند بورز" الأميركي 0.5 %، أما أصول الملاذ الآمن فقد شهدت موجات شراء، فصعد الذهب أكثر من 5%، ولامس الدولار أعلى مستوى في أسبوع، وارتفاع برميل نفط خام برنت نحو 8% بسبب الخوف من التأثير على الإمدادات النفطية.
ارتفاع أسعار النفط
وحسب قناص، أدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى زيادة حالة التعقيد وعدم اليقين، وهو ما يزيد حالة تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي واستمرار سياسة التشديد النقدي من البنوك المركزية، والذي له تداعيات مباشرة على اقتصادات الدول الخليجية وعلى الاقتصاد العالمي، لأن المنطقة تُعتبر مورداً حيوياً للنفط والغاز وتمثل ممر شحن رئيسياً أيضاً.
وأشار إلى أن ارتفاع أسعار النفط يمكن أن يزيد إيرادات الدول الخليجية من النفط والغاز، ولكنه سيؤثر أيضا بشكل سلبي على الطلب العالمي على الطاقة، وهو ما سينعكس سلبيا على المنطقة.
وأفاد المحلل الاقتصادي محمد حمدان بأن بورصة قطر تأثرت بالعامل الخارجي، وهو الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، بشكل غير مباشر، كما تأثرت بأسعار النفط.
فرص السوق القطري
في المقابل، يلفت حمدان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى وجود فرص جيدة في السوق القطري، وهي فرص لبناء مراكز مالية في مستويات سعرية جيدة، في مكررات ربحية ممتازة بالنسبة لعمليات الشراء، خاصة مع بدء الشركات المدرجة إعلان وتوزيع الأرباح عن الربع الثالث من العام.
واستهل ذلك بنك قطر الوطني، الذي قفزت أرباحه بنسبة 8% في الأشهر التسعة الأولى، لتبلغ 11.9 مليار ريال ( 3.26 مليارات دولار)، وبلغ العائد على السهم 1.19 ريال.
وأكد حمدان أن الأوضاع الاقتصادية في قطر جيدة، وتوجد فرص مشجعة للغاية في السوق المحلي، فضلا عن أن الدولة تتوسع في إنتاج وتسويق الغاز الطبيعي المسال، إذ تهدف للوصول إلى مستوى إنتاج 126 مليون طن من الغاز سنويا، جراء توسعة حقل الشمال، كما تتوسع أيضا على مستوى الاستثمارات الخارجية لصندوق الثروة السيادي.
واستنادا إلى ذلك، يرى حمدان أن تراجع مؤشر سوق الأسهم في قطر والخليج عموما ليس مرده إلى ضعف الاقتصاديات أو عدم جاذبية الأسواق أو غياب الفرص، وإنما يعود إلى الأوضاع الجيوسياسية وحالة عدم اليقين هي التي دفعت المستثمرين إلى التركيز على المعدن الأصفر، والذي ارتفع خلال الأيام الأولى للعدوان بنسبة 3.8% أي نحو 71 دولارا للأونصة، ما يؤكد توجه غالبية المستثمرين إلى شراء المعدن الأصفر.
يشار إلى أن أرباح الشركات المدرجة في بورصة قطر، خلال النصف الأول من العام الجاري، تراجعت 11.22% إلى 24.55 مليار ريال (6.74 مليارات دولار)، مقابل 27.66 مليار ريال للفترة ذاتها من العام الماضي.
وجاء انخفاض الأرباح بضغط هبوط نتائج 3 قطاعات، هي الصناعة، و"الخدمات والسلع الاستهلاكية"، والعقارات، وتتوزع الشركات المدرجة ببورصة قطر على 7 قطاعات رئيسية، هي البنوك والخدمات المالية، والصناعة، والعقارات، والنقل، والاتصالات، والبضائع والخدمات الاستهلاكية، والتأمين.
وكانت أرباح الشركات القطرية قد ارتفعت 10.3% إلى 13.6 مليار دولار في 2022، بدعم تحسن الاقتصاد المحلي وارتفاع أسعار الغاز عالميا، إلى جانب المكاسب المصاحبة لتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم.