حيتان الدواجن في تونس: إقصاء صغار المربين ورفع قياسي للأسعار

23 سبتمبر 2023
الاحتكار يسيطر أيضاً على بيع الأعلاف (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يحمّل صغار منتجي الدواجن في تونس "حيتان" الشركات الكبرى الناشطة في القطاع مسؤولية زيادة أسعار الدجاج والبيض بمستويات قياسية وصلت إلى 30 في المائة خلال عام واحد، وذلك بسبب إحكامها السيطرة على كامل منظومة الإنتاج وتوجيهها الأسعار وفقاً لمصالحها، ما تسبب في إفلاس مئات صغار المربين.

ويؤكد الناشط في قطاع إنتاج البيض حسين غرمول أنه اضطر إلى إغلاق مداجنه والانسحاب من المهنة بعد أكثر من 20 عاما من النشاط بسبب عدم القدرة على الاستمرار، مع تعاظم نفوذ المجموعات الكبرى، التي تعمل في قطاع الدواجن وإحكام سيطرتها على السوق ما تسبب في إقصاء أكثر من 700 مرب صغير من دائرة الإنتاج .

وقال غرمول في تصريح لـ"العربي الجديد" إن صغار المربين ومنتجي اللحوم والدواجن يساهمون في تعديل العرض في الأسواق وتحديد الأسعار، غير أن دورهم تراجع بشكل لافت نتيجة عدم قدرتهم على الصمود أمام كبار المجموعات التي تعمل ضمن حلقة مغلقة تتمتع بموجبها باحتكار إنتاج الدواجن والأعلاف.

أكد المتحدث أن غلاء أسعار الأعلاف المتكونة أساسا من حبوب الذرة والصويا من أبرز أسباب إفلاس صغار مربي الدواجن، مشيرا إلى أن الشركات الكبرى المنتجة للدواجن تهيمن بدروها على مختلف مسالك استيراد الأعلاف وإنتاجها وبيعها، منذ دخولها لتونس في حالتها الأولية حتى مراحل الطحن والتوزيع.

وتابع "نتيجة لوضعها الاحتكاري تتلاعب الشركات الكبرى بأسعار الأعلاف ونوعيتها، كما تشارك في قرارات تحديد الأسعار التي لا تخدم مصالح صغار المربين، ما يتسبب في إفلاسهم لعدم التوازن ما بين كلفة الإنتاج وسعر البيع للعموم".

وقال "نعيش يوميا إقصاء ممنهجا لصغار المنتجين والمربين تحت أنظار السلطة التي تعجز عن كف نفوذ حيتان القطاع". واعتبر غرمول أن ثلاث مجموعات كبرى تنشط في قطاع الدواجن نجحت في تحقيق اندماج عمودي بفضل الامتيازات التي يتمتع بها منتج الأعلاف من جهة ومنتج الدواجن من جانب آخر، الأمر الذي تسبب في إقفال السوق لتصبح تحت السيطرة الكاملة.

يساهم قطاع الدواجن بنسبة 12 في المائة في الإنتاج الفلاحي و32 في المائة في الإنتاج الحيواني، إضافة إلى مساهمته في تغطية الحاجيات الاستهلاكية من اللحوم بنسبة تتراوح بين 50 و53 في المائة وتوفيره لما لا يقل عن 15 ألف موطن عمل بحسب بيانات رسمية للمجمع المهني المشترك لمنتوجات الدواجن والأرانب.

يقول رئيس منظمة آلارت التي تنتقد الأنشطة الريعية لؤي الشابي، إن قطاع إنتاج البيض واللحوم البيضاء تسيطر عليه مجموعات كبرى وهي ذاتها المزود الوحيد للمربين بالمواد الأولية الأساسية من الذرة والصويا.

وأكد الشابي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الوضع الاحتكاري لهذه المجموعات يسمح لها بالتحكم في الأسعار، وهو ما يجعلها مستفيدة في كل الأحوال سواء خلال إنتاج الأعلاف وبيعها أو عند إنتاج اللحوم والدواجن، دون مراعاة لمصالح الحلقات الأضعف في القطاع، وهم أساسا صغار المنتجين والمواطنين الذين يعولون على الدواجن ومشتقاتها في توفير حاجاتهم الغذائية. واعتبر المتحدث أن الاتفاقات التي تشكلها المجموعات الكبرى على الأسعار والإنتاج تعرقل الأداء التنافسي للسوق، حيث لا يمكن للأغلبية الساحقة من أصحاب المهنة التمتع بالأسعار التي تستفيد منها المجموعات الرئيسية الناشطة في قطاع الدواجن.

ورأت أن القوانين الحالية تساهم في زيادة احتكار الشركات الكبرى إنتاج الدواجن بفضل المزايا التفاضلية التي تمنحها السلطة لهؤلاء المتعاملين الاقتصاديين، ومن بينها المزايا الضريبية والمالية على توريد الأعلاف إضافة إلى الاستفادة من حوافز النهوض بالقطاع الفلاحي في صناعات التحويل الأولية، وهي مزايا لا تسند صغار المنتجين.

وتابع "عندما يوضع صغار المنتجين وجها لوجه مع مجموعات كبرى تتمتع بامتيازات ضريبية ومنظومة قانونية على المقاس ومواد أولية بأسعار بخسة، لا يمكن لهم البقاء في حلقة الإنتاج في سوق تزداد انغلاقا". وبحسب منظمة آلارت فقدت السوق التونسية خلال السنوات الماضية نحو 600 منتج للديك الرومي بسبب عدم قدرة المنتجين على مقاومة النشاط الاحتكاري للشركات الكبرى.

وبالإضافة إلى الدور التشغيلي لصغار المربين، تقول منظمة آلارت إن هذا القطاع يساهم في تحقيق السلم الاجتماعي وحماية الأمن الغذائي لشرائح واسعة للمواطنين. وتسعى المنظمة إلى حث السلطات على اتخاذ جملة من الإجراءات لتفكيك ما تصفه بالوفاق الريعي للشركات المنتجة للدواجن، وذلك عبر تطبيق القانون على المحتكرين ومعاقبة الشركات التي تتحكم بأسعار المواد الأولية واستغلال وضعية الهيمنة على السوق.

كما تطالب المنظمة بإعداد استراتيجية وطنية لتشجيع زراعة الأعلاف محليا و تقليص الارتباط بالسوق العالمية المتقلبة واستنزاف العملة الصعبة، إلى جانب تحقيق مبدأ المساواة في الحقوق الاقتصادية بتعميم جميع الامتيازات الممنوحة للمجمعات الكبرى للأعلاف على جميع المستثمرين في المجال أو إلغائها لدى الجميع.

المساهمون