حافظت حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة على المكاسب الاقتصادية للمؤسسة الدينية الرسمية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي يطلق عليها اسم "الحاخامية الكبرى".
فقد ألزمت الاتفاقات الائتلافية التي وقعها حزب الليكود بقيادة نتنياهو، والأحزاب الدينية المشاركة في ائتلاف الحكومة الجديدة، بالتراجع عن "الإصلاحات" التي أدخلتها الحكومة السابقة على استيراد اللحوم والمواد الغذائية، والتي قلصت من نفوذ الحاخامية الكبرى ومست بشكل كبير بعوائدها المالية.
فمنذ الإعلان عن إنشاء إسرائيل في 1948 احتكرت الحاخامية الكبرى مهمة الإشراف على استيراد اللحوم والمواد الغذائية للتأكد من أنها قد "ذبحت" أو أعدت وفق تعاليم الشريعة اليهودية، حيث تمنح الحاخامية شركات الاستيراد المختلفة شهادات تسمح بجلب البضائع إلى إسرائيل مقابل رسوم كبيرة.
وقد أعدت الحكومة السابقة مشروعاً لتقليص دور الحاخامية الكبرى في عملية الاستيراد مع الحفاظ على الشروط التي تضمن أن ما يتم استيراده قد أعد حسب الشريعة اليهودية.
وقد أقدمت الحكومة السابقة على محاولة تقليص دور الحاخامية الكبرى في عملية الاستيراد على اعتبار أنّ الرسوم الكبيرة التي تفرضها على شركات التصدير تساهم في ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلك.
وتحوز الحاخامية الكبرى التي تعمل بشكل مستقل عن الحكومة، على موارد اقتصادية هائلة، حيث إنه لا يمكن للمرافق التي تعمل في مجال صناعة وتقديم الطعام أن تمارس نشاطها في إسرائيل بدون الحصول على ترخيص من الحاخامية الكبرى يجدد سنوياً.
فمصانع المواد الغذائية والفنادق والمطاعم وكل المؤسسات التي تقدم الطعام ملزمة بالحصول عل تراخيص من الحاخامية الكبرى مقابل مبالغ كبيرة.
وتشغل الحاخامية آلاف المفتشين، جميعهم من أتباع التيار الديني، الذين يشنون حملات تفتيش مفاجئة على الفنادق والمطاعم للتأكد من أنّ الطعام الذي تقدمه أعد حسب الشريعة اليهودية. ويمكن للحاخامية أن تسحب تراخيص المرافق التي لا تراعي إعداد الطعام حسب الشريعة اليهودية.
وحسب تقرير أعده الصحافي أودي أوزلاي، ونشرته صحيفة "غلوبس"، اليوم الأربعاء، فإنّ العوائد المالية التي تجنيها الحاخامية الكبرى من احتكار منح التراخيص للمؤسسات التي تقدم الأكل "الحلال" تراوح بين 3 و4 مليارات شيكل (900 مليون -1.1 مليار دولار) سنوياً.
ونشرت الصحيفة قائمة بحجم الرسوم السنوية التي تفرضها الحاخامية على المرافق التي تقدم الطعام. فالرسوم على بسطة فلافل تبلغ 7717 شيكلاً (2270 دولاراً)، مقهى: 19356 شيكلاً (5700 دولار)، فندق يحوي حتى 70 غرفة: 87261 شيكلاً (25700 دولار)، فندق يحوي حتى 250 غرفة: 295252 شيكلاً (74200 دولار)، صالة احتفالات تتسع حتى لـ450 شخصاً 744122 شيكلاً (36100 دولار)، مصنع كبير يشرف عليه مفتش واحد من الحاخامية: 152692 شيكلاً (44900 دولار)، مصنع كبير يشرف عليه مفتشان: 692296 شيكلاً (26287 دولاراً).
ويحصل الحاخامات العاملون في الحاخامية الكبرى على رواتب شهرية كبيرة مقارنة بنظام الرواتب في القطاع العام، حيث يفوق راتب الحاخامين الأكبرين الشرقي والغربي اللذين يقفان على رأس الحاخامية راتب رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس وأعضاء المحكمة العليا. وبحسب قناة التلفزة "14"، فإنّ الحاخام الأكبر يحصل شهرياً على 90 ألف شيكل (26470 دولاراً).
ووفق موقع "كيباه" التابع للتيار الديني، فإنّ متوسط الراتب الشهري الذي يحصل عليه حاخامات المدن يراوح بين 42 ألف شيكل (12352 دولاراً)، و34 ألف شيكل (10 آلاف دولار)، حيث يتم تحديد راتب الحاخام حسب عدد سكان المدينة التي يعمل فيها.
وفي الوقت الذي يثير فيه رفع رواتب كبار الموظفين في الحكومة والقطاع العام أحياناً ضجة إعلامية، فإنّ الامتيازات التي يحوز عليها كبار الحاخامات لا تحرك ساكناً.
وتلزم الحاخامية الكبرى مصانع الدجاج واللحوم بتشغيل المئات من منتسبي التيار الديني الذين يتم إعدادهم كجزارين يتولون ذبح الطيور والحيوانات وفق تعاليم الشريعة.
وحسب ما نقلته صحيفة "غلوبس" في عددها الصادر بتاريخ 9 يونيو/ حزيران 2022 عن النائبة يوليا ميلنوفيسكي، التي شغلت منصب رئيسة لجنة الخدمات الدينية في الكنيست السابق، فإنّ الراتب الذي يتقاضاه جزار تابع للحاخامية الكبرى يساوي تقريباً 3 أضعاف راتب طبيب جراح.
وبحسب ميلنوفيسكي، فإنّ الجزار يتقاضى راتباً شهرياً قدره 100 ألف شيكل (29400 دولار)، في حين يتقاضى الطبيب الجراح 34 ألف شيكل.
وتوظف المرجعيات الدينية اليهودية غير المنضوية في إطار الحاخامية الكبرى أيضاً مواقعها في مراكمة المزيد من المزايا الاقتصادية.
فقد حظرت القيادات الروحية للتيار الديني الحريدي على أتباعها اقتناء الهواتف الذكية، حيث منعت الشركات التي تبيع هذه الهواتف من فتح متاجر في المدن التي يقطنها أتباع هذا التيار.
وبررت المرجعيات الدينية رفضها السماح ببيع الهواتف الذكية في المناطق الحريدية بالقول إنّ هذا سيمسّ بمنظومة القيم التي يؤمن بها أتباعها.
ومن أجل السماح لهذه الشركات بفتح متاجر في المدن الحريدية، فقد توصلت وزارة الاتصالات وهذه الشركات إلى اتفاق مع مرجعيات التيار الحريدي يقضي بأن تبيع هواتف ذكية في هذه المدن بحيث لا يكون بإمكانها الاتصال بالإنترنت.
وبحسب صحيفة "كيلكليست" الاقتصادية، فقد شكلت مرجعيات التيار الحريدي لجنة حاخامية أطلق عليها اسم "لجنة الحاخامات لشؤون الاتصالات" لتكون الطرف الذي يمنح الشركات التي تبيع الهواتف الذكية في التجمعات السكانية الحريدية تراخيص مقابل رسوم مالية كبيرة.
ووفقاً للصحيفة، فقد أجبرت "لجنة الحاخامات لشؤون الاتصالات" وزارة الاتصالات على وضع مقدمة من أرقام تخصص للهواتف الذكية التي يشتريها الحريديم، بحيث تتحول هذه الهواتف إلى "هواتف حلال" غير مرتبطة بالانترنت.
بدورها، أوضحت قناة التلفزة "12" أنّ الحكومة الجديدة، وتحت تأثير الأحزاب الدينية الحريدية المشاركة فيها، التزمت بعدم المس بالصلاحيات الممنوحة لـ"لجنة الحاخامات لشؤون الاتصالات".