حكومة مصر تلجأ لبيع مزيد من الأصول مع تأخر قرض صندوق النقد

28 سبتمبر 2022
معيشة المصريين تزداد صعوبة رغم لجوء الحكومة لزيادة الاقتراض وبيع الأصول (Getty)
+ الخط -

تتصاعد الأزمة المالية في مصر، مع زيادة الطلب على الدولار، والضغوط على العملة المحلية، ما دفع الحكومة إلى إجراءات عاجلة، للحصول على النقد الأجنبي، من بيع عوائد الغاز، بقيمة تصل قيمتها إلى مليار دولار شهريا، والإسراع في بيع أصول عامة، بقيمة 6 مليارات دولار، لمواجهة التراجع في مصادر النقد الأجنبي.

تأتي الإجراءات، التي يصفها اقتصاديون بسياسة "إطفاء الحرائق"، بعدما كشف وزير المالية، محمد معيط، عن تأخر نتائج المفاوضات النهائية مع صندوق النقد الدولي، التي تأمل الحكومة تمويل العجز في النقد الأجنبي، من خلاله، بقرض يبلغ 15 مليار دولار.

وفي هذا السياق، أكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أن الحكومة ستلجأ إلى الحصول على قروض قصيرة الأجل من بنوك أوروبية، بضمان صفقات تصدير الغاز لأوروبا، التي بدأت منذ أسبوعين.

الحكومة ستلجأ إلى الحصول على قروض قصيرة الأجل من بنوك أوروبية، بضمان صفقات تصدير الغاز

وكانت وزيرة التخطيط، هالة السعيد، أكدت عزم الحكومة على بيع حصص في الشركات العامة، التي تنقل أصولها حاليا، لصندوق مصر السيادي، بطرحها للبيع كأسهم للجمهور أو مستثمرين استراتيجيين، قبل منتصف العام المقبل.

وتسعى الحكومة إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، في وقت تتفاوض فيه مع صندوق النقد، وتجد صعوبة في توفير العملة الصعبة لاستيراد الأغذية ومستلزمات الإنتاج، مع خروج نحو 22 مليار دولار من سوق الديون المحلية، منذ مارس/ آذار الماضي، وارتفاع معدلات التضخم، التي بلغت على أساس سنوي، 15.3% في أغسطس/ آب الماضي.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

أصابت تصريحات الوزيرين، الأسواق بمزيد من الارتباك، عقب تأكيد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال تصريح صحافي مناقض لهما، أن الدولة في طريقها إلى الحصول على قروض صندوق النقد، وبذلك يستهدف تهدئة الأسواق، بينما تزايد معدل التراجع اليومي في سعر الجنيه أمام الدولار، من قرشين في المتوسط إلى 10 قروش، مطلع الأسبوع الحالي، وتتجه الأسواق إلى الركود، ويتوقع مجتمع الأعمال توقف المزيد من المصانع، لعدم قدرتها على استيراد مستلزمات الإنتاج.

دعا الخبير الاقتصادي، شريف دلاور، الحكومة إلى التريث في خطط البيع، للأصول العامة، مؤكدا ضرورة إطلاع الشعب على كافة الخطط وبخاصة التفاصيل" فالشيطان يكمن في التفاصيل".

وطالب دلاور الحكومة بتأجيل مشروعات البيع، لحين ظهور "وثيقة الدولة لملكية الأصول العامة" التي سيحدد على أساسها، نوعية المشروعات التي ستطرح للبيع، والأولويات عند تنفيذ الخطة.

وأكد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحكومة أوضحت من قبل، أن الوثيقة في سبيلها للإعداد النهائي، كما ستعقد مؤتمرا اقتصاديا موسعا، خلال أيام، تحت إشراف رئاسة الجمهورية وبحضور خبراء غير رسميين، تحدد فيه الدولة، سبل مواجهة الأزمة المالية، التي تتصاعد ليس في مصر بمفردها، ولكن في أنحاء العالم، نتيجة استمرار الحرب في أوكرانيا.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن الأمر يستدعي النظر في تحديد أية أصول يمكن أن نتخلص منها، فإذا ما كانت أصولا غير مستغلة، وليس لها مردودا حيويا على المواطنين، نسمح للحكومة أن تبيعها على وجه السرعة، وغير ذلك يجب أن نحدد نوعية الشركات، وتوقيت التخلص منها، وفقا لحالة السوق والعائد من البيع بما يحقق مصالح الدولة والمواطنين.

يوجه الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، جمال بيومي، نظر الحكومة إلى أهمية توصلها إلى الاتفاق مع صندوق النقد، معتبرا أن اللجوء إلى القروض الأجنبية أفضل في الوقت الحالي، من زيادة القروض المحلية، رغم تزايد معدلاتها في الآونة الأخيرة.

يفسر بيومي الأمر، بأن مصر في حاجة إلى مزيد من الواردات، تمثل 70% منها آلات ومعدات للتصنيع والنقل والمواصلات، والسلع الغذائية الاستراتيجية، لا يمكن توافرها بدون نقد أجنبي.

وأوضح أن لجوء مصر لصندوق النقد أمر طبيعي، مع مرور الدولة بضائقة مالية، يعاني منها العالم. ويقول بيومي لـ "العربي الجديد" إن مصر تواجه مشكلة، لكنها ليست في كارثة تدعوها للتخلص العاجل من الأصول، في ظل تمتعها بالقدرة على تحقيق معدلات إيجابية، في نمو الناتج الكلي.

وذكر أن قرار البنك المركزي بعدم رفع الفائدة على الجنيه، الأسبوع الماضي، جاء داعما لوجهة نظره بأن الدين الخارجي، مازال في الحدود الآمنة، واللجوء إلى المزيد منه أفضل، لأن تكلفته أقل من فائدة الإقراض الداخلي، الذي بلغ حدودا غير مقبولة.

ويشير بيومي إلى أن تأخر صندوق النقد، في اتخاذ قراره بشأن إقراض الحكومة، يظهر أن هناك مراجعة لقدرة الدولة على السداد، وإمكانية زيادة مواردها المحلية عبر فرض المزيد من الضرائب أو التخلص من نفقات عامة.

يرفض بيومي أن يتحمل المواطن أية إجراءات تقشفية، قائلا: إننا دولة غير مترفة، وهناك أسعار كثير من السلع والخدمات تتجه للأسوأ، وأن ما يقال عن تضييع النقد الأجنبي لاستخدامه في استيراد التفاح والكافيار، لا علاقة له بالواقع، لأن أغلبه يخصص لاستيراد مستلزمات الإنتاج، وما يأتي من سلع ترفيهية، لخدمة السائحين في المقام الأول.

أنور النقيب: توجه الحكومة للبيع المتعجل للشركات والأصول العامة، يؤدي حتما إلى الخراب

يعتبر رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، أنور النقيب، أن توجه الحكومة للبيع المتعجل للشركات والأصول العامة، يؤدي حتما إلى الخراب. وقال النقيب إن قرار البيع لمجموعة من الأصول التي تحتاجها الدولة، بمثابة حرق لتلك الأصول.

وشرح في حديثه مع "العربي الجديد" خطوات البيع للشركات، وفقا للمبادئ الأولية، لوثيقة الملكية العامة، مبينا أنها كانت تضع خططا استراتيجية وأخرى تكتيكية لإدارة وبيع الأصول العامة، تضمن ألا تكون عمليات البيع متعجلة أو توظف في "ردم الحفر" التي يواجهها الاقتصاد، نتيجة زيادة العجز في موارد الموازنة، بحيث تنتج عمليات البيع أصولا بديلة، تعمل بكفاءة أفضل، وعائد أعلى، دون أن تتحول إلى "ثقب أسود" في ميزانية الدولة ومحرقة للمال العام.

وقال إن ردم الحفر الناتجة عن العجز المالي، أو ندرة النقد الأجنبي، يجب أن تكون من دخل حقيقي وعمل يولد المال، مشيرا إلى أن الحكومة تسير حاليا، في اتجاه التخلص من الأصول العامة عند كل أزمة، لسداد ديون أو القروض التي زادت عن حدها الآمن، وفي نهاية الأمر سنجد أنفسنا وقد بعنا ما لدينا بأسعار زهيدة، في توقيتات وأسواق غير مواتية، دون أن يتوافر لدينا المال أو القدرة على تدبير بدائل للأصول، تحافظ على الإنتاج ومعدلات التشغيل.

وطالب الأستاذ الجامعي بأن تضع الدولة خطة شاملة للبيع، قبل الشروع في أية تنازلات عن تلك الأصول، حتى لا تتحول الحكومة إلى "صانع الفشل" في إدارة الأصول.

وأعرب النقيب عن خشيته من أن تواصل الحكومة سياسة البيع المتعجل، لتغطية الخسائر في قيمة الجنيه، نتيجة اتباعها سياسات نقدية غادرها أغلب الدول، تستهدف بها زيادة الاحتياطي النقدي، أدت في نهاية المطاف إلى تدمير الجنيه وتتحرك به نحو المزيد من الغرق.

وانخفض الاحتياطي النقدي إلى نحو 33 مليار دولار، وفق أحدث بيانات للبنك المركزي المصري، وسط ضغوط على العملة المحلية أدت إلى تراجعها، لنحو 19.5 جنيها مقابل الدولار، في البنوك الرسمية.

المساهمون