- الصين ترد بشدة على الإجراءات الأمريكية، متعهدة بحماية مصالح شركاتها وتتهم واشنطن باتباع "منطق قطاع الطرق"، فيما يظهر نادر التوافق بين الحزبين الأمريكيين حول مشروع القانون، بينما مصيره في مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس بايدن يظلان غير مؤكدين.
- النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين يمتد لقطاعات عدة مثل صناعة الرقائق، الطاقة الشمسية، والسيارات الكهربائية، مع اتهامات متبادلة حول تقويض المنافسة العادلة والقواعد التجارية الدولية، وسعي الولايات المتحدة لحماية أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية.
توسع الولايات المتحدة الأميركية جبهة الحرب التجارية مع الصين، لتصل إلى تطبيق المقاطع المصورة الشهير "تيك توك"، والذي يبدو أنه يحمل أبعاداً انتخابية أيضاً، بعدما تركز الصراع في السابق على جبهات الرقائق الإلكترونية والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية وبناء السفن.
أقر مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة، الأربعاء، مشروع قانون يجبر "تيك توك" على الانفصال عن الشركة الصينية المالكة له تحت طائلة حظره في الولايات المتحدة.
صوّت 352 نائباً لصالح القانون المقترح و65 ضدّه، في لحظة توافق نادرة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن.
يعد التشريع أكبر تهديد حتى الآن للتطبيق الذي اكتسب شعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم، فيما أثار مخاوف لدى حكومات ومسؤولي الأمن بشأن ملكيته الصينية والتبعية المحتملة للحزب الشيوعي في بكين.
لكن مصير مشروع القانون غير معروف في مجلس الشيوخ حيث تعارض شخصيات كبيرة اتخاذ مثل هذا الإجراء الجذري ضد تطبيق يحظى بنحو 170 مليون مشترك في الولايات المتحدة.
ويتعين على الرئيس جو بايدن التوقيع على مشروع القانون الذي يُطلق عليه رسميا "حماية الأميركيين من التطبيقات الخاضعة لسيطرة خصم أجنبي" ليصبح قانوناً، وفق ما أفاد البيت الأبيض.
"منطق قطّاع الطرق"
غداة تبني مجلس النواب الأميركي مشروع القانون، وعدت بكين باتخاذ "الإجراءات للازمة" للرد من أجل حماية مصالح شركاتها في الخارج، واتهمت واشنطن باتباع "منطق قطاع الطرق"، بينما أكد رئيس المنصة شو زي شيو أنه سيدافع عن شبكته، داعيا مستخدميها في الولايات المتحدة إلى إسماع صوتهم.
وقال ناطق باسم وزارة التجارة الصينية إن بكين "ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لحماية حقوقها ومصالحها المشروعة بحزم".
كما قال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين رداً على سؤال عن مشروع القرار الأميركي "حين يرى شخص ما شيئًا جيدًا لدى شخص آخر ويحاول أن يأخذه لنفسه، فهذا منطق قطّاع طرق بالتأكيد".
وأكد أن تبني مشروع القانون "يضع الولايات المتحدة على الجانب المعاكس من مبادئ المنافسة العادلة والقواعد الاقتصادية والتجارية الدولية".
وبعد إقرار مشروع القانون، كتب شو زي شيو متوجها إلى مستخدمي الشبكة "لن نتوقف عن الدفاع عنكم وسنواصل بذل كل ما في وسعنا، بما في ذلك ممارسة حقوقنا القانونية لحماية هذه المنصة الرائعة التي بنيناها معكم".
وأضاف "اجعلوا أصواتكم مسموعة". وتابع أن القانون يعرض "300 ألف وظيفة" في الولايات المتحدة للخطر، ويهدد خصوصاً بحرمان "الشركات الصغيرة التي تعتمد على تيك توك" من إيرادات "بمليارات الدولارات".
ويعتقد عدد من المسؤولين الأميركيين أن منصة مقاطع الفيديو القصيرة والمسلية تسمح لبكين بالتجسس على المواطنين والتلاعب بهم. ونفت الشركة مراراً أن تكون نقلت معلومات إلى السلطات الصينية، وأكدت أنها سترفض أي طلب محتمل من هذا النوع.
وقال زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز، إن نص القانون "لا يحظر تيك توك" بل يهدف إلى "حل قضايا الأمن القومي المشروعة وحماية البيانات المتعلقة بعلاقة الحزب الشيوعي الصيني بشبكة اجتماعية".
لكن متحدثا باسم تيك توك قال لفرانس برس إن "هذه العملية نُفذت سراً والنص قُدّم بشكل عاجل لسبب واحد" هو "حظر" الشبكة. وأضاف "نأمل أن يأخذ مجلس الشيوخ الحقائق في الاعتبار ويستمع إلى ناخبيه ويدرك تأثير (الحظر) على الاقتصاد".
وكانت الصين حذرت قبل تصويت مجلس النواب من أن حظر تيك توك من شأنه أن يقوض "ثقة المستثمرين الدوليين" و"سيرتد على الولايات المتحدة"، على حد قول متحدث دبلوماسي صيني.
ويطلب مشروع القانون من "بايتدانس" الشركة الأم لتيك توك بيع التطبيق خلال 180 يوماً، وإلا سيتم حظره من متجري التطبيقات آبل وغوغل في الولايات المتحدة. ولم يتقدم أي مشتر محتمل بأي عرض رسميا.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، أن بوبي كوتيك الرئيس السابق لشركة ألعاب الفيديو "أكتيفيجن بليزرد" عبّر لجامع يمينغ أحد مؤسسي "بايتدانس" عن اهتمامه بالتطبيق.
ومن الصعب تقدير قيمة تيك توك لا سيما في حال بيعه قسراً. وفي 2020، حددت الشركة الأم سعر التطبيق بستين مليار دولار عندما أرادت حكومة دونالد ترامب إجبارها على التخلي عنه، حسب وكالة بلومبيرغ الأميركية.
وحظرت ولايات أميركية عدة والحكومة الفدرالية استخدام التطبيق على الأجهزة الرسمية للمسؤولين الحكوميين، مشيرة إلى مخاطر الأمن القومي.
في المقابل، عبر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن رأي مخالف، يوم الاثنين الماضي، مؤكدا معارضته حظر التطبيق لأنه سيعزز موقع ميتا، المجموعة المالكة لإنستغرام وفيسبوك الذي يعتبره ترامب "عدو الشعب".
وقد حاول ترامب في 2020 انتزاع السيطرة على تيك توك من "بايتدانس" لكن المحاكم الأميركية منعته من تحقيق ذلك. ونفى ترامب الاتهامات بأنه غير لهجته لأن جيف ياس أحد المستثمرين الرئيسيين في تيك توك هدد بعدم المساهمة بعد الآن في تمويل الحملات الانتخابية للجمهوريين.
جبهات أخرى للصراع
وامتداد الصراع بين أميركا والصين إلى تيك توك هو الأحدث في الحرب التجارية الشرسة الدائرة منذ نحو ست سنوات والتي بدأها ترامب وتسلم بايدن رايتها، والتي طاولت الرقائق الإلكترونية وصناعة ألواح الطاقة الشمسية الرخيصة والسيارات الكهربائية شديدة المنافسة وحتى بناء السفن.
وتشهد صناعة الطاقة الشمسية الأميركية ضجة بشأن الألواح الشمسية الصينية الرخيصة، والتي ساعدت في خفض الأسعار العالمية إلى النصف في العام الماضي، وهي نعمة لمطوري الطاقة المتجددة ولكنها تمثل تهديداً للمصنعين المحليين أثناء محاولتهم بناء سلسلة توريد محلية مناسبة للطاقة المتجددة والتحول الأخضر، وفق صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وضاعفت الصين طاقتها الإنتاجية العام الماضي من ألواح الطاقة الشمسية، وتنتج الآن ألواحا أكثر بثلاثة أضعاف من الطلب العالمي، وفقا لوكالة الطاقة الدولية وشركة الاستشارات الدولية "وود ماكنزي".
رداً على ذلك، يقول المصنعون في أميركا الشمالية إنهم يخفضون خطط التوسع، على الرغم من الحوافز السخية المقدمة من قانون بايدن التاريخي للحد من التضخم.
كذلك فإن صناعة الرقائق واحدة من أبرز الأمثلة على التوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين، حيث لم تقتصر الجهود الأميركية على تقييد المنتجات الصينية على أرضها وإنما سعت للضغط على الدول الأخرى لعدم تصدير الرقائق المتطورة إلى الصين او تكنولوجيا التصنيع إليها، ما جعل تداعيات الصراع تؤثر على القطاع في جميع أنحاء العالم.
وقد توقفت شركتا "سامسونغ" و"إس كيه هاينكس" في كوريا الجنوبية، الشركتان الرائدتان في صناعة رقائق الذاكرة على مستوى العالم، عن بيع معدات صناعة الرقائق المستعملة خشية وقوعها تحت قيود التصدير الأميركية، مع تخزين الأجهزة المستعملة في المستودعات بدلاً من طرحها في السوق الثانوية.
كما أصبح بناء السفن ساحة للمعركة الأحدث وربما الأكثر أهمية. فقد انتقدت نقابة عمال الصلب المتحدين في الولايات المتحدة الممارسات التجارية "المفترسة" في بكين، مدعيةً أن شركات بناء السفن الصينية استفادت من السياسات الحمائية مثل القروض المصرفية التي تديرها الدولة والإعفاءات الضريبية.
وعلى مدى العقدين الماضيين، انتقلت الصين من إنتاج 12% من السفن التجارية العالمية من حيث الحمولة إلى أكثر من 50% في عام 2023، وفقا لإحدى شركات الاستشارات البحرية.