وجدت قوات نظام بشار الأسد الأمنية بمرسوم منع التعامل بغير الليرة، كوسيلة للدفع والتداول المالي في سورية، مبرراً لاقتحام الشركات ومكاتب الصيرفة وحتى المنازل، فسجل الإعلام السوري، العام الماضي، عشرات الاقتحامات لمنشآت ومنازل تجار وصناعيين، في دمشق وحلب، ومصادرة الأموال وسجن حائزي العملات الأجنبية.
إلا أن مضاعفة مصرف سورية المركزي، في إبريل/نيسان الماضي، سعر الصرف الرسمي ليتوازى مع سعر السوق وتوصية رئاسة الحكومة "التخفيف عن قطاع الأعمال"، فوّت على نظام الأسد إتاوات ومصادر دولارية، كان يسد بواستطها بعض عوزه المتفاقم.
لكن، ولأن "بيت الأسد لا يخلو من العظام"، فإن تم تعطيل مرسوم حماية هيبة العملة الوطنية وسجن حائزي الدولار، فلدى نظام الأسد مرسوم آخر باسم حماية المستهلك من جشع واحتكار التجار، فجاء المرسوم 8 في نيسان/إبريل الماضي، وبنفس موعد توصية الحكومة وتخفيف ملاحقة المتعاملين بالدولار.
الحملة على الصرافات تصاعدت بالتوازي مع حاجة النظام للأموال، لتسديد ثمن بواخر النفط الإيرانية وقمح روسيا
لكن هذه المرة الصلاحيات أوسع للاقتحام والمصادرة والسجن، والشماعة حقوق المستهلك وبطون الجوعى والضرب على أيدي المتلاعبين بقوت الشعب، ولو كانت القضية من عيار عشرة أكياس قمح في بيت فلاح، كما رأينا في منطقة "تلدو" بريف حمص قبل أيام، وقت داهمت القوات الأمنية بيت مزارع لوجود 1037 كيلوغراماً من القمح لم يسلمها لمؤسسة الحبوب.
بيد أن الحملة تصاعدت بالتوازي مع حاجة النظام للأموال لتسديد ثمن بواخر النفط الإيرانية وقمح روسيا، فأوعزت "رئاسة الجمهورية"، أمس الأحد، بمصادرة محتويات مستودعات مواد غذائية في دمشق وريفها، وفرض غرامات تجاوزت 242 مليار ليرة (نحو 75 مليون دولار) وملاحقة المستوردين، حتى إلى مرفأ اللاذقية، بتهمة أن استيراد الكماليات يستنزف القطع الأجنبي.
والحملة التي طاولت 40 مستودعاً كبيراً، بحسب ما تفاخر إعلام النظام السوري اليوم، إنما جاءت بإيعاز وضوء أخضر من "رئاسة الجمهورية" لفرض سيادة القانون وبتوجيه مباشر من رأس النظام بشار الأسد خلال ترؤسه اجتماعاً للحكومة، وبتوجيهات سيادته بتطبيق الإجراءات التي تدعم الليرة وتوقف التهريب والاحتكار.
ربما لا خلاف بين أي اثنين على ضرورة وقف التهريب ومنع الاحتكار في أي بلد بالعالم، لأنه استنزاف للثروات وتجويع للمستهلكين، فكيف في حالة كما السورية، حيث يرزح أكثر من 90% من السكان تحت خطوط الجوع والحاجة، ولكن ثمة أسئلة تتوثب على شفاه أي متابع.
أولها، لماذا الآن وأين كان قانون منع الاحتكار وتجويع السوريين، وقت حصار الغوطتين ومضايا والزبداني بريف دمشق، ونقل كاميرات العالم بأسره، مشاهد موت السوريين جوعاً ووصول سعر كيلو الخبز إلى 10 آلاف ليرة سورية، ولا تدخل السلع والمنتجات إلا برعاية النظام عبر سماسرته ومن بوابات مخصصة لعصابات الأسد فقط؟
هل بالعودة إلى ثلاثية "القيد والمنع والحصر" أيام سورية الاشتراكية، وإضافة ملاحقة التجار والصناعيين واقتحام بيوتهم ومنشآتهم، هي الطرائق المثلى لجذب الاستثمارات وعودة الأموال المهاجرة؟
والمهم ربما، أين مراسيم نظام بشار الأسد من تهريب المخدرات التي أساءت لسمعة التجارة السورية واللبنانية، بعد أن غزا الكبتاغون السوري والحشيش اللبناني أسواق العالم وآخرها ضبط شحنة أمس على الحدود السورية الأردنية؟
ليبقى السؤال الأهم، هل بالعودة إلى ثلاثية "القيد والمنع والحصر" أيام سورية الاشتراكية، وإضافة ملاحقة التجار والصناعيين واقتحام بيوتهم ومنشآتهم، هي الطرائق المثلى لجذب الاستثمارات وعودة الرساميل السورية المهاجرة، كما دعا بشار الأسد من المدن الصناعية مرتين وأصدر لزوم الجذب، قانوناً جديداً للاستثمار؟!!
نهاية القول: على الأرجح، سيعيد نظام الأسد، خلال مرحلة إعادة إنتاجه داخلياً قبل أداء القسم في 17 يوليو المقبل، التعليق على شماعة جشع التجار وغش الصناعيين، وتحميلهم وزر المرحلة وتدهور الصناعة وسعر الصرف وتجويع السوريين، وأما مواجهة طلاب الحرية وعدالة توزيع الدخل بالنار والبراميل المتفجرة، التي هدمت المنشآت وقتلت السوريين وهجرت الكفاءات والرساميل، عبر سني الثورة العشر، فتلك ضرورات وطنية يقتضيها كرسي الوراثة.
وما يتعلق بالمحتليّن، الإيراني والروسي، وتوابعهما، من مخدرات وتهريب ورهن وتأجير، أو بسرقة ثروات ومصير السوريين، فتلك لها حرمة ولا يجوز إزاءها خرق القوانين والإساءة إلى سمعة البلاد الاستثمارية.