حرب أوكرانيا ... عندما يكون القمح سلعة سياسية

29 مايو 2022
روسيا تشترط القمح مقابل رفع العقوبات (Geety)
+ الخط -

إذا صدقت تحذيرات خبيرة الإمدادات الغذائية سارة مينكر، خلال اجتماع خاص عقده مجلس الأمن الدولي قبل أيام، فإن هذا يعني أن العالم على أبواب أزمة غذائية حادة في غضون تسعة أسابيع فقط من الآن، جراء استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، وأن الأمن الغذائي في العالم بلغ مرحلة حرجة وخطرة لم يشهدها منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

مينكر كشفت خلال الاجتماع الذي عقد بمقر مجلي الأمن يوم 23 مايو/أيار الماضي أنه: "لا يتبقى أمام العالم سوى 10 أسابيع للتعامل مع أزمة غذاء عالمية، هذا أمر كارثي".

تدعم ذلك التحذير الخطير أرقام تؤكد أنّ جميع مخزونات الحبوب على مستوى العالم تُعتبر عند أدنى مستوياتها منذ 25 عاماً، فيما عدا الصين، التي تتمتع بمخزون يكفيها لمدة عام، وأنّ قرار نحو 22 دولة حظر أو تقييد صادراتها من المحاصيل الزراعية أدى إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي عالمياً وارتفاع أسعار الحبوب، وفي مقدمتها القمح والذرة والشعير والزيوت، وذلك بمعدلات قياسية تفوق قدرات الدول النامية والفقيرة.

أرقام تؤكد أنّ جميع مخزونات الحبوب على مستوى العالم تُعتبر عند أدنى مستوياتها منذ 25 عاماً، فيما عدا الصين، التي تتمتع بمخزون يكفيها لمدة عام

لا يقف الأمر عند هذا التحذير، فقد حذرت جهات دولية عدة، منها الاتحاد الأوروبي وبرنامج الغذاء العالمي وزارة الخارجية الأميركية وغيرها، من أنّنا أمام أزمة غذاء وشيكة قد تهدد العالم بسبب الحرب على أوكرانيا، وفرض روسيا حصاراً شديداً على الموانئ الأوكرانية يحول دون تصدير الحبوب إلى أسواق العالم، بل تلغيم الجيش الروسي موانئ تصدير الحبوب، وكذا الطرق المؤدية إليها، وهو ما يقلل الإمدادات الغذائية.

مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل من بين المحذرين حيث، قال قبل أيام إنّ أزمة غذاء وشيكة قد تضرب العالم بسبب استمرار الحرب، وإنّ إمدادات الغذاء العالمية في خطر، وإنّ أول الضحايا سيكون من البسطاء في الدول الفقيرة.

كما حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من مجاعة عالمية تستمر لسنوات بسبب حرب أوكرانيا المتواصلة.

والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتهمان روسيا بشكل مباشر بمنع الصادرات من أوكرانيا، المصدّر الرئيسي للحبوب، خصوصاً القمح والذرة.

تركيا تجري مفاوضات مع روسيا وأوكرانيا لفتح ممر آمنة لصادرات الحبوب الأوكرانية عبر مضيق البوسفور

في المقابل، تحمّل موسكو الغرب مسؤولية الوضع المتردي في سوق الغذاء العالمي، بسبب فرض عقوبات قاسية، منها تجميد نصف احتياطياتها من النقد الأجنبي، وتطالب برفع تلك العقوبات مقابل السماح لأوكرانيا بإعادة تصدير القمح والحبوب، وفك الحصار عن الموانئ الأوكرانية، لأنه، وبسبب العقوبات الغربية، لا تستطيع روسيا بيع إنتاجها من الأغذية في الأسواق العالمية بسبب القيود الشديدة التي يفرضها الغرب على قطاعيها المالي واللوجستي.

إزاء هذا الوضع المعقد، دخلت تركيا على الخط، إذ تجري مفاوضات مع روسيا وأوكرانيا لفتح ممر آمنة لصادرات الحبوب عبر مضيق البوسفور.

تواكب تلك الخطوة محاولات غربية مكثفة لاستئناف تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا لتجنب أزمة غذاء عالمية، بحسب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.

لكن كل تلك المحاولات لا تزال متعثرة ولم ترَ النور بعد، في ظل إصرار روسيا على ابتزاز العالم وربط شرط رفع العقوبات الغربية بإعادة استئناف صادرات الحبوب من أوكرانيا.

الأيام المقبلة صعبة على كلّ دول العالم، خاصة التي تعتمد على الخارج في تزويد أسواقها ومخازنها وصوامعها بالسلع الغذائية.

فالغرب يرفض رفع العقوبات عن موسكو، لأن هذا الأمر سيزيد أمد الحرب في أوكرانيا، ويوفر تمويلا سخيا للحرب الروسية، ويجعل بوتين والاقتصاد الروسي أقوى على المدى المتوسط والطويل.

روسيا تعتبر أنّ سلاح الغذاء يعد واحداً من أبرز الأسلحة التي تمتلكها في مواجهة العقوبات الغربية، ولذا تتمسك به إلى حد ابتزاز الجميع

وفي المقابل، فإنّ روسيا تعتبر أنّ سلاح الغذاء يعد واحداً من أبرز الأسلحة التي تمتلكها في مواجهة العقوبات الغربية، ولذا تتمسك به إلى حد ابتزاز الجميع بمن فيهم الدول الفقيرة التي تعاني أزمة حادة في الغذاء، وعدم حيازة سيولة دولارية لشراء القمح والزيوت وغيره من السلع الغذائية.

المساهمون