تراهن بعض الدول العربية على تطوير قدراتها في إنتاج الهيدروجين الأخضر باعتباره "طاقة المستقبل"، وامتلاكها الشروط اللازمة لإنتاجه وتصديره.
يأتي ذلك، بينما صعدت الحرب الروسية في أوكرانيا بالهيدروجين إلى رأس أولويات الدول الأوروبية باعتباره بديلا للغاز الروسي، ورفعت الطلب العالمي عليه، ما يفتح شهية الدول العربية للاستثمار فيه.
وتتوفر الدول العربية على قدرات لإنتاج الطاقة النظيفة من الشمس والرياح، أكثر من أي منطقة في العالم؛ إذ يظهر الهيدروجين الأخضر كأحد البدائل العملية لتسريع عملية الانتقال الطاقي.
تكلفة عالية
الهيدروجين الأخضر يمكن تخزينه بسهولة ونقله أيضا، بل يمكن استخدام أنابيب الغاز لتصديره أيضا، وفق شروط معينة، على غرار مزجه بالغاز المسال.
ورغم أنه متوفر بكثرة في جميع دول العالم، لأنه يستخرج من التحليل الكهربائي للماء، إلا أن تكلفة إنتاجه عالية مقارنة بمصادر أخرى للطاقة، تجعل التوسع في إنتاجه مسألة مكلفة مقارنة بالوقود الأحفوري.
لكن الهيدروجين الأخضر بديل جيد لإنتاج الكهرباء من مصادر نظيفة، كما يمكن استخدامه وقوداً للسيارات وللسفن.
والهيدروجين الأخضر ليس سوى نوع واحد من أنواع مختلفة يتم تمييزها بألوان مختلفة، لكن ما يفرقها هو نوع الطاقة التي تستخدم في استخراجه.
فإذا استخدمنا الفحم لإنتاج الهيدروجين فيسمى بالهيدروجين البني، والهيدروجين الأزرق المستخرج من الغاز الطبيعي، والهيدروجين الوردي في حال استعمال الطاقة النووية.
بينما يطالب أنصار البيئة بأن تكون طاقة إنتاج الهيدروجين نظيفة، وإلا سيظل الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية مستمرا، ما يحول دون الوصول إلى الحياد الكربوني.
لذلك، يصنف الهيدروجين الأخضر صديقاً للبيئة لأنه ينتج عبر استخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح وطاقة المد والجزر.
اهتمام عربي بالهيدروجين
أدى سعي الاتحاد الأوروبي لمضاعفة نسبة الاعتماد على الهيدروجين من 2 بالمئة من مزيج الطاقة في 2021 إلى ما بين 12 بالمئة و14 بالمئة في آفاق 2050، إلى تحفيز الدول العربية التي ترغب في الاستثمار في هذا السوق الواعد.
ويسمح إنتاج الهيدروجين في الدول العربية بتصديره إلى أوروبا، أو استخدامه محليا، وتوجيه الغاز المستهلك محليا لزيادة حجم صادرات الغاز بالنسبة للدول المصدرة له.
فالدول العربية لديها قدرات كبيرة في إنتاج الهيدروجين الأخضر نظرا لما تتوفر عليه من إمكانيات كبيرة في إنتاج الطاقة الشمسية (أغلب الدول العربية) وطاقة الرياح (الصومال) وطاقة حرارة الأرض (جيبوتي).
بالإضافة إلى الهيدروجين الأزرق الذي يمكن للدول العربية المصدرة للغاز مثل قطر والجزائر ومصر وليبيا، إنتاجه وتصديره، خاصة بالنسبة للدول القريبة من السوق الأوروبية، بالنظر إلى أن نقل الهيدروجين يمثل حاليا أعقد مرحلة.
وحسب تقرير لمنظمة الدول العربية المصدرة للنفط (أوابك)، صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فإن قائمة الدول العربية المهتمة بمشروعات إنتاج الهيدروجين توسعت لتشمل كلا من: الإمارات، والجزائر، والسعودية، والعراق، ومصر، وعمان، والمغرب، وموريتانيا.
مصر..مركز أفريقي
وتسعى مصر للتحول إلى مركز لإنتاج الهيدروجين الأخضر في القارة الأفريقية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية في هذا الميدان.
وشكل احتضان مدينة شرم الشيخ المصرية لقمة المناخ "كوب 27"، في نوفمبر الماضي، مناسبة لإطلاق التشغيل التجريبي للمرحلة الأولى من مصنع الهيدروجين الأخضر، في مدينة العين السخنة (شرق).
كما وقعت شركة "مصدر" الإماراتية اتفاقية إطارية مع مصر لتنفيذ مشروع ينتج نحو 480 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بطاقة 4 جيغاواط، بحلول عام 2030.
السعودية..استغلال نيوم
تسعى السعودية ضمن مشروعها لتشييد مدينة "نيوم" إنتاج 4 جيغاواط من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2026.
وتخطط نيوم لبناء مصنع لصناعة السيارات النظيفة يعمل بخلايا الهيدروجين بنيوم على البحر الأحمر.
كما وقعت السعودية، في نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، مع مجموعة شركة "كيبكو" الكورية، على اتفاق لبناء وتشغيل مصنع لإنتاج 1.2 مليون طن الهيدروجين الأخضر والأمونيا سنويا، باستثمار قدره 6.5 مليارات دولار، سيُشيّد بين 2025 و2029.
الجزائر..اتفاقيات شراكة
تعد الجزائر أول دولة تعلن اعتزامها تصدير الهيدروجين عبر أنابيب الغاز نحو أوروبا، إذ تعد هذه الخطوة ثورية في عالم تسويق الهيدروجين عبر القارات.
ووقعت الجزائر على اتفاقية شراكة مع ألمانيا بهدف إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتصديره عبر خطوط أنابيب الغاز المتجهة نحو أوروبا.
ووفق موقع "يورو نيوز"، تجري في الجزائر دراسة مشاريع تجريبية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ويمكن أن تبدأ عمليات إنتاج واسعة النطاق بحلول عام 2030.
ففي يوليو/تموز 2021، اتفق مجمع سوناطراك الجزائري مع شركة إيني الإيطالية على وضع خريطة طريق للتقييم المشترك للجدوى الفنية والتجارية لمشروع تجريبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
كما أعلن سوناطراك، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اعتزامه إطلاق مشروعين نموذجين لإنتاج الهيدروجين الأخضر بجنوب البلاد في 2023 و2024.
وتتوفر صحراء الجزائر على تغطية شمسية كبيرة تبلغ 3 آلاف ساعة في السنة، وهناك عدة مشاريع لإنتاج الطاقة الشمسية بإمكانها أن تلعب دورا في إنتاج الهيدروجين الأخضر.
كما تمتلك فائضا من الكهرباء المنتجة من الغاز الطبيعي التي تسمح بإنتاج الهيدروجين الأزرق، و"بتكلفة منخفضة"، وفق خبراء جزائريين.
الإمارات..أول شحنة لألمانيا
نجحت الإمارات في تسليم أول شحنة من الهيدروجين إلى ألمانيا، في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكان ذلك حدثاً مهمّاً نظراً لصعوبة نقله، ولو أن الكمية كانت رمزية، وعبارة عن حاوية واحدة فقط تحتوي على 13 طنا متريا من الأمونيا، فنظرا لصعوبة نقل الهيدروجين يُخزن أحيانا على هيئة أمونيا سائلة.
فالإمارات تمتلك أول محطة في الشرق الأوسط لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وتسعى للاستحواذ على 25 في المئة من سوق الهيدروجين العالمي، خاصة أنها البلد العربي الأول الذي يعتزم إنتاج الهدروجين الأصفر باستخدام الطاقة النووية.
وتشرف شركة أبوظبي الوطنية للطاقة "طاقة" و"موانئ أبوظبي" على مشروع "الأمونيا الخضراء" لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وتحويله إلى أمونيا سائلة، لتستخدم وقوداً للسفن المعدلة ولتصديرها، حيث من المقرر أن تبلغ الطاقة الإنتاجية لهذا المشروع 2 غيغاوات.
المغرب..استثمارات واعدة
يستعد المغرب لدخول سباق الهيدروجين الأخضر بفضل قدراته في إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتحلية مياه البحر، وامتلاكها خط أنابيب لنقل الغاز يربطها بإسبانيا، فضلاً عن الموانئ على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.
ويخطط المغرب لإنتاج نحو 1 غيغاوات من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، على أن يطلق مشاريع متوسطة في أواخر عام 2025 بقدرة 100 ميغاوات، وفق نائب المدير العام بمعهد البحث في الطاقات الشمسية والطاقات المتجددة سمير رشيدي.
حيث تستعد المملكة لاجتذاب استثمارات محلية وأجنبية في قطاع الهيدرجين الأخضر، مستفيدة من ميزة قربها من السوق الأوروبية، و"انخفاض التكلفة" التي تعد العقبة الرئيسية أمام التوسع في إنتاجه عالميا.
عُمان.. موارد واستثمارات
من الدول القليلة التي تمكنت من اجتذاب 40 شركة للاستثمار في إنتاج الهيدروجين الأخضر، بينها مجمع توتال الفرنسي والعملاق البريطاني "بي بي"، وتعتزم إطلاق أول مشروع في هذا المجال في 2023.
فسلطنة عمان تمتلك موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأراضي الشاسعة وسواحلها الطويلة ما يجعل كلفة إنتاج منخفضة، ويمكن حل مشكل البعد عن السوق الأوروبية، في الاستفادة من التجربة الإمارتية بتحويل الهيدروجين الأخضر إلى أمونيا سائلة ونقلها في سفن معدلة.
موريتانيا.. مركز تصدير
تجتذب موريتانيا استثمارات أوروبية ضخمة بعشرات مليارات الدولارات لإنتاج الهيدروجين الأخضر، فمشروع "أمان" وحده اجتذب استثمارات لمجموعة "CWP Global" الدولية بنحو 40 مليار دولار.
ويسعى المشروع لإنتاج 10 ملايين طن سنويا من الأمونيا الخضراء (تنتج من تفاعل الهيدروجين مع النيتروجين)، ويمكنه توليد 110 تيراواط/ساعة من الكهرباء، وفق مذكرة التفاهم التي وُقعت مع الحكومة الموريتانية في مايو/أيار 2022.
بالإضافة إلى مشروع "نور" لإنتاج الهيدروجين الأخضر، والذي تنوي مجموعة "شاريوت إنرجي" البريطانية استثمار نحو 3.5 مليارات دولار، 600 ألف طن سنويا وتصديره إلى ميناء روتردام الهولندي.
وهذه الاستثمارات الضخمة لعمالقة الطاقات النظيفة من شأنها تحويل موريتانيا إلى أحد أكبر مراكز تصدير الهيدروجين الأخضر في أفريقيا والعالم العربي.
العراق.. بداية مبشرة
في الأول من سبتمبر/ أيلول 2022، افتتح العراق أول وحدة لإنتاج الهيدروجين، بإمكانياته الذاتية.
ورغم أن الوحدة لا تنتج سوى 12 مترا مكعبا/ساعة، أو ما يعادل أسطوانتين في الساعة من غاز الهيدروجين، إلا أنها تمثل بداية لمواكبة التنافس العربي الحاصل لإنتاج الهيدروجين.
وإذا كانت الإمارات تسبق الدول العربية بخطوة، فإن السباق بين السعودية ومصر والجزائر وعمان والمغرب وموريتانيا لتتحول إلى مركز لتصدير الهيدروجين الأخضر، انطلق، لكن النتائج لن تحسم إلا بداية من 2030، عندما تكتمل المشاريع الكبرى التي بدأت في 2022.
(الأناضول)