جيش البطالة السوداني: 47% بلا عمل وسط توقف الإنتاج والاستثمار

14 سبتمبر 2024
دمار يطاول أحد أسواق الخرطوم، 1 يونيو 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تفاقم البطالة في السودان**: توقع صندوق النقد الدولي أن تصل البطالة إلى 47% بنهاية 2024، مع انكماش اقتصادي بنسبة -18%. الحرب زادت البطالة من 32.14% في 2022، خاصة بين الشباب والخريجين.

- **تأثير الحرب على الاقتصاد**: الحرب أدت إلى نزوح وهجرة واسعة، وتوقف العديد من المؤسسات والورش والمصانع عن العمل، مما دفع العمال للبحث عن مصادر دخل بديلة في الولايات الآمنة.

- **غياب الاستراتيجيات الحكومية**: يفتقر السودان إلى خطة واضحة للحد من البطالة، مما أدى إلى زيادة الجريمة وانتشار الأعمال الهامشية، وتفاقم المشكلة مع اندلاع الحرب.

توقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل البطالة في السودان إلى 47% بنهاية العام 2024، مع انكماش متوقع للاقتصاد بنسبة -18%.

وقدر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أرقاما تعكس حجم المعاناة التي يواجهها السودانيون، وسط تقلص سوق العمل مع استمرار الاشتباكات، وهروب الاستثمارات التي تعرض الكثير منها إلى خسائر ضخمة بسبب النهب والتعطيل والتضييق.

وفي التفاصيل، أظهرت إحصاءات صندوق النقد الدولي دخول ثلاث دول عربية ضمن قائمة الدول الأعلى بمعدلات البطالة، وهي السودان، والمغرب، والضفة الغربية وقطاع غزة. وتصدرت السودان القائمة بنسبة بلغت 47.20% ، إلا أن النسبة ترتفع كثيراً ما بين الشباب، بينما حلت جنوب أفريقيا في المرتبة الثانية بنسبة 32.80%، وجاءت الضفة الغربية والقطاع في المرتبة الثالثة، بينما حل المغرب في المرتبة الثامنة.

وتأثرت معدلات البطالة في السودان بشكل كبير بالحرب الدائرة في البلاد، حيث ارتفعت من 32.14% في عام 2022. وبحسب التقرير السنوي لوزارة المالية والاقتصاد في السودان لعام 2021، فإن 42% من السودانيين هم من فئة الشباب، بينهم 85% عاطلون من العمل.

مشكلة البطالة تاريخية

زادتها الحرب ويقول خبراء ومراقبون إن مشكلة البطالة هي أزمة تاريخية استمرت لفترات طويلة منذ الاستقلال وحتى الآن، ولم تجد الحكومات المتعاقبة مخرجاً لها ولم تستطع الحد من نمو نسبتها، وظلت معدلات البطالة تتزايد فيما تغيب الإحصاءات الدقيقة عن تحديد حجمها الفعلي.

ووفق مصادر "العربي الجديد" فإن معظم نسبة البطالة تتركز بين الخريجين، حيث تسببت ثورة التعليم العالي بإنتاج عدد كبير من الخريجين لا يتوافق مع حجم سوق العمل ومتطلباته. وقد تفاقمت هذه الظاهرة بعد الحرب، حيث توقفت غالبية منافذ العمل في القطاعين العام والخاص.

ويقدر الأستاذ الجامعي بابكر إدريس في حديثه لـ"العربي الجديد" أعداد العاطلين من العمل في القطاع العام بحوالي مليوني شخص، تضاف إليهم القطاعات الأخرى بحوالي أربعة ملايين شخص.

وقال إن هذا رأس مال بشري ضخم سيؤثر سلباً على مجمل الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ناهيك عمن هاجروا إلى خارج البلاد ومن نزحوا ويعيشون بلا مأوى. ويضيف أن الحرب الدائرة في السودان، التي دخلت عامها الثاني، أثرت على كل مناحي الحياة، وخلقت مشاكل كثيرة ظلت تتفاقم يوماً بعد يوم، حيث أصبح المعلمون بلا عمل، والموظفون بلا وظائف، وأصحاب المهن بلا مهن.

وعطلت الحرب حياة الناس بسبب النزوح واللجوء، وانعكس ذلك على توقف الإنتاج وهروب المنتجين وانهيار تام للمنظومة الاقتصادية، مما أدى بدوره إلى فقدان العمال لوظائفهم لينضموا إلى دائرة العاطلين من العمل.

ومن بين المتضررين فئات من العاملين استغنت عنهم مؤسساتهم بعد استمرار صرف نصف الراتب لمدة عام، ولكنها أوقفت صرف الرواتب مع إجازات مفتوحة، وأرجعت أغلب تلك المؤسسات عمليات الاستغناء إلى الخسائر التي تكبدتها وعدم قدرتها على تسيير العمل وتحمل تكلفة رواتب الموظفين والعمال.

ولم تفلح محاولات البعض في الالتحاق بوظيفة في الولايات غير المتضررة من الحرب، لعدم وجود مؤسسات شبيهة أو مهن حرفية يلتحقون بها، لتمركز معظم المؤسسات في الخرطوم التي تضررت بشكل كبير، ولحقت بها ولايات أخرى على خط الحرب الدائرة. ومع تمدد الحرب يومياً، هرب رأس المال إلى الخارج، ولم تكن هناك مؤسسات منتجة في البلاد، مما أغلق باب العمل في وجه كثير من العمال والفنيين المهرة.

توقف العمل المنتج

يقول محمد محمود من تجمع الحرفيين في الخرطوم، إن الحرب أوقفت أكثر من ثلاثة آلاف حرفي عن العمل يعملون في أكثر من 270 مجمعاً للورش وأكثر من 500 مصنع، فيما خرج أكثر من 3200 ورشة حرفيين عن العمل في الأشهر الأولى لاندلاع الحرب فقط في ولاية الخرطوم. وقاد هذا الدمار آلاف العمال إلى النزوح إلى الولايات الآمنة بحثاً عن مصادر للدخل كالعمل في الطرقات وامتهان وظائف مختلفة لسد الحاجات اليومية لهم ولأسرهم، ولكنهم واجهوا تعسفاً في تلك الولايات وأصبحوا ضمن قائمة العاطلين من العمل.

وبعد توسع الحرب إلى ولايتي الجزيرة وسنار وولايات دارفور، فقد السودان ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية التي كانت تغطي أكثر من 40% من الناتج الإجمالي المحلي.

وبالتالي، فقد الآلاف من المزارعين والعمال الزراعيين أعمالهم ومأواهم، مما سينعكس بشكل كلي على اقتصاد البلاد والسوق المحلي بغياب محاصيل كانت مهمة في خلق التوازن. وبحسب وزارة الزراعة السودانية، فإن حوالي 12 مليون فدان كانت تزرع بشكل سنوي فقدت بسبب توسع الحرب في ولايات دارفور الخمسة وولايتي غرب وجنوب كردفان بسبب فقدان القوى العاملة في الزراعة وتأثرها بالنزوح واللجوء إلى خارج السودان.

وقالت إن حوالي 150 ألف فدان لم تتم زراعتها في مشروع الجزيرة بسبب انعدام الأمن وغياب التمويل.

لا استراتيجيات ولا متابعة

ويقول الخبير الاقتصادي آدم إسحاق لـ"العربي الجديد" إن السودان لم تكن لديه أي خطة للحد من ازدياد نسبة العطالة، كما لا توجد قوانين ولوائح متبعة في عمليات التوظيف، الأمر الذي ظل يؤرق خريجي الجامعات وطلاب المدارس. وكانت نتائجه سلبية، جاءت مترافقة مع زيادة الجريمة، وسط عدم وجود استراتيجية من الدولة لمواءمة مخرجات التعليم مع حاجات سوق العمل، ما أدى إلى انتشار الجامعات التي تخرج سنوياً الآلاف من الخريجين بلا عمل.

ويشرح أنه على مدى السنوات الماضية ازدادت الأعمال الهامشية وانتشرت البطالة في البلاد، ومع اندلاع الحرب تفاقمت المشكلة وزادت النسبة بدخول لاعبين جدد إلى بوابة "بلا عمل"، وأغلقت كل الأبواب أمامهم. وحتى نظام الحكم السائد في البلاد كان يعتمد في التشغيل، سواء في مؤسسات القطاع العام أو الخاص، على ولاية الخرطوم.

ويضيف أنه: "عقب خروج الخرطوم من المنظومة الاقتصادية والسياسية، تهاوت كل الولايات الأخرى لأنها تعتمد وبشكل كلي على المركز، فانهار النظام الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي، وأفرز سلبيات عدة.

ويقول إسحاق: "ما نشهده اليوم من لجوء ونزوح معظمه للبحث عن فرص عمل للعيش، وهذا ما لم يكن متوفراً لقلة التجربة العملية وعدم وجود الإمكانات الفنية لغياب عنصر التدريب والرقابة حتى للخريجين والكيانات المهنية الأخرى. وبذلك فإن نسب البطالة في ازدياد لعدم مواكبة التطور الكبير على المستوى الداخلي والخارجي، والحرب زادت الطين بلة".

المساهمون