جريمة بوريس جونسون الكبرى

13 يونيو 2021
رئيس الوزراء البريطاني عصفت به اتهامات تتعلق بسمعته المالية (Getty)
+ الخط -

مرة أخرى يحتل رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، صدارة الأخبار، ليس فقط بسبب القمة الناجحة التي استضافتها بلاده لمجموعة السبع الصناعية الكبرى G7، وقبلها إدارة أزمتي البريكست وفيروس كورونا، لكن بسبب هدية بسيطة تلقاها من الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش القمة التي اختتمت أعمالها اليوم الأحد، وهي عبارة عن دراجة، وهدية مقابلة تلقاها بايدن عبارة عن صورة لجدارية مطبوعة من موقع الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) للأميركي فريدريك دوغلاس، مؤيد إلغاء عقوبة الإعدام في القرن 19.

عقب تبادل الهديتين بدأت الانتقادات توجه للرئيسين، بايدن وجونسون، وتتساءل حول الجهة التي تحملت قيمتهما، وهل هي من أموال دافعي الضرائب، أم من راتبهما الشخصي.

لدرجة أنّ البيت الأبيض خرج بسرعة قائلاً إنّ الهدية لإحياء حماس بايدن وجونسون المشترك لركوب الدراجات، وإنّ وزارة الخارجية الأميركية دفعت 1800 دولار مقابل شراء الدراجة، على الرغم من أنّ سعرها الأصلي قد يصل لعشرة آلاف دولار، كما قالت صحيفة "واشنطن بوست" إنّ الأمر بدا وكأنّه محرج لأعراف الدبلوماسية الدولية.

محاكمة بوريس جونسون على إنفاقه 280 ألف دولار على تجديد مقر إقامته في "داونينغ ستريت" ورعاية ابنه الرضيع

وفي بداية شهر مايو/ أيار الماضي واجه رئيس الوزراء البريطاني أزمة أخرى حين عصفت به اتهامات تتعلق بسمعته المالية وحجم إنفاقه على تجديد مقر إقامته في "داونينغ ستريت" ورعاية ابنه الرضيع.

وتعرض جونسون وقتها لانتقادات حادة ومحاكمات رغم أنّ المقر حكومي وليس بيتاً خاصاً لجونسون، فحسب الأرقام الرسمية فإنّ جونسون تسلم من ميزانية الدولة مبلغاً يصل إلى 30 ألف جنيه إسترليني سنوياً لتجديد مقر إقامته.

لكنّ مصادر أخرى، ومنها صحيفة "صنداي تايمز" أكدت أنّ التكلفة الإجمالية لأعمال التجديد بلغت نحو 200 ألف جنيه إسترليني (280 ألف دولار)، وأنّ أحد المتبرعين لحزب المحافظين الحاكم سدد واحدة من الفواتير مباشرة، وهو تبرع كان يجب إبلاغ سلطات الضرائب به، وأن التجديدات شملت تركيب ورق حائط على جدران الشقة، وهو ما اعتبرته بعض الأطراف التي حاكمت جونسون نوع من الاسراف والبذخ.

بعدها تم فتح باب جهنم على جونسون، ومواجهته بـ"من أين لك هذه المبالغ الإضافية، خصوصاً أنّ راتبه السنوي لا يتجاوز 150 ألف جنيه إسترليني (نحو 210 آلاف دولار)" أي نحو 12.5 ألف جنيه إسترليني فقط شهرياً، بعدما جرى تخفيضه بسبب تداعيات فيروس كورونا، وهو بالمناسبة راتب لا يكفي للاستعانة بمدبرة منزل أو مربية، كما أنه مبلغ قد يقل عن راتب مدير في أحد البنوك البريطانية، أو سمسار في شركة أوراق مالية في حي لندن المالي.

فقد دعا حزب العمال المعارض لجنة الانتخابات، التي تنظم التبرعات السياسية وتتولى مراقبة الإنفاق في المملكة المتحدة، إلى فتح تحقيق رسمي بشأن الاتهامات الموجهة لرئيس الوزراء البريطاني بشأن تجديد شقته. 

وبالفعل، أعلنت اللجنة عن فتح تحقيق في تمويل التعديلات التي قام بها جونسون في مقر إقامته الرسمي. وقالت اللجنة إنّ لديها "أسباباً معقولة للاشتباه في وقوع مخالفة واحدة أو عدة مخالفات".

لا أحد يجرؤ حتى للحديث علانية عن المخالفات المالية لكبار المسؤولين، وملايين الدولارات التي يتم انفاقها على بناء القصور وشراء لوحة قيمتها نصف مليار دولار، أو يخت بـ550 مليون دولار

وسارع جونسون لتبرئة ذمته المالية حيث قال إنه تحمّل تكاليف تجديد شقته في داونينغ ستريت من ماله الخاص، لكن لجنة الانتخابات قالت إن لديها ما يدعو للاشتباه بارتكاب مخالفة في تمويل هذه التجديدات.

ولم يكتف جونسون بالنفي المتكرر لارتكابه مخالفات مالية، بل طلب من مسؤول رفيع في بريطانيا مراجعة الطريقة التي دفعت بها تكاليف تجديد شقته.

موقف
التحديثات الحية

في دول يتم فتح تحقيقات قضائية وبرلمانية وتوجيه اتهامات في جرائم نعتبرها بسيطة وتافهة ويمكن أن يرتكبها موظف صغير وليس رئيس وزراء دولة في حجم بريطانيا، وربما ينتهي الأمر بعزل المسؤول من منصبه في حال ثبوت تلقيه هدية لا تتجاوز قيمتها بضعة ملايين من الدولارات كما حدث مع ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس. 

في منطقتنا لا أحد يجرؤ حتى لمجرد الحديث مع نفسه عن المخالفات المالية التي يرتكبها كبار المسؤولين في الدولة، أو السؤال طبعا عن مئات الملايين من الدولارات التي ينفقها مسؤول ما على بناء قصور وفيلات واستراحات وطائرات، أو شراء لوحة تتجاوز قيمتها نصف مليار دولار، أو شراء يخت تتجاوز قيمته 550 مليون دولار.

يحدث هذا البذخ في الوقت الذي تعاني فيه موازنة دولة المنطقة من عجز حاد وتراجع في إيرادات النقد الأجنبي وزيادة في معدلات الفقر والبطالة والدين العام، ويعاني المواطن من حالة تقشف غير مسبوقة وقفزات في الأسعار، بل إنّ مخصصات الرئاسة تظل سرية ومفتوحة أحياناً في بعض دول المنطقة.

المساهمون