أزاحت الهدنة المؤقتة التي تم التوصل إليها بوساطة قطرية – مصرية بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وإسرائيل عن جرائم حرب اقتصادية بشعة ارتكبها الاحتلال الذي استهدف قتل مظاهر الحياة في قطاع غزة، وما عمّره سكان غزة خلال سنوات طويلة دمرته آلة الحرب القذرة خلال أسابيع.
ومن أكبر جرائم الحرب ما نتج عن القصف الإسرائيلي المتواصل لمدة 50 يوما من دمار هائل حل بالمنشآت الاقتصادية والمحال التجارية والزراعة ومزارع الأبقار والدواجن، وتخريب الخدمات العامة والمستشفيات والمساجد والكنائس وهدم البنية التحتية وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء والطرق.
وكشفت هذه الهدنة التي جاءت بعد قرابة 50 يومًا من العدوان الإسرائيلي الذي بدأ يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي عن دمار غير مسبوق لم يعهده الفلسطينيون على صعيد المنشآت الاقتصادية والتجارية التي عادة ما كانت تتعرض للاستهداف خلال الحروب وجولات التصعيد الممتدة من 2006 وحتى 2023.
وعقب بدء سريان الهدنة منذ 5 أيام، وثق الفلسطينيون دمارًا هائلاً حل بـ"المولات" التجارية والمحال نتيجة تعمد الاحتلال الإسرائيلي استهدافها سواء بالقصف الصاروخي أو المدفعي، إلى جانب إطلاق جنود الاحتلال النار بشكلٍ مباشر على هذه المنشآت خلال العملية البرية في القطاع.
وتسببت هذه الحرب في خروج الكثير من هذه المنشآت الإنتاجية والتجارية عن الخدمة وتحويل بعضها إلى كومة من الرماد يصعب من خلالها العودة للعمل في وقت قريب قبل إجراء عملية إعادة إعمار وترميم كاملة لها لا سيما المنشآت الموحودة في منطقة غرب مدينة غزة.
وبدا واضحًا تعمد الآلة العسكرية الإسرائيلية استهداف هذه المنشآت بهدف إعادة قطاع غزة عقودا للوراء وإفراغه من الحركة التجارية التي هي بالأساس محدودة بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006.
وإلى جانب هذا الأمر، فقد مسح القصف الإسرائيلي أراضٍي زراعية كاملة وتسبب في تلف محاصيلها وتحويل عشرات الدونمات من الأراضي إلى أراضٍ غير صالحة للزراعة في الفترة الحالية جراء طبيعة المواد التي تحملها الصواريخ والقنابل التي قصفت بها غزة.
في الوقت ذاته، فإن مزارع الدواجن والمواشي لم تسلم هي الأخرى من القصف الإسرائيلي ما تسبب في نفوق عدد كبير منها وتكبيد أصحابها خسائر بملايين الشواكل الإسرائيلية ولا سيما أن عددا كبيرا منهم يتكبد خسائر كبيرة منذ جائحة كورونا عام 2019.
ووفق تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن 50 بالمائة من المساكن في القطاع تضررت جراء القصف، في حين أن 40 ألف وحدة سكنية تم هدمها بالكامل خلال الحرب الراهنة، جراء إلقاء أكثر من 32 ألف طن من المتفجرات وأكثر من 13 ألف قنبلة على القطاع.
وحسب تلك البيانات الرسمية، فإن 95 مقراً حكومياً تم تدميره، علاوة على 255 مدرسة 63 منها خرجت بالكامل عن الخدمة، فضلاً عن أن 76 مسجداً دمر بشكل كامل، و165 مسجداً تضرر بشكل جزئي، علاوة على ثلاث كنائس تم استهدافها في القصف الإسرائيلي إلى جانب 25 مستشفى خرجت عن الخدمة، بالإضافة إلى 52 مركزاً صحياً.
ولا توجد إلى الآن تقديرات نهائية عن حجم الخسائر التي لحقت بالقطاع بشكلٍ كامل أو حتى القطاع الاقتصادي في غزة جراء تلك الحرب الإجرامية.
وفي عام 2014 رصدت الدول المانحة مبلغ 4.5 مليارات دولار لصالح عملية إعادة إعمار غزة، في الوقت الذي تم فيه رصد أكثر من مليار دولار في أعقاب عملية "حارس الأسوار" عام 2021، كان أبرزها الدور القطري والمصري في عملية الإعمار.
اليوم يبدو المشهد مختلفًا في القطاع جراء الدمار الكبير الذي حل بالقطاع الاقتصادي الذي سيبقى يعاني سنوات عدة بفعل ما لحق به من استهداف مركز من قبل آلة الحرب الإسرائيلية، وحجم الدمار الذي لم تسلم منه أي من المنشآت في غزة على مدار نحو 50 يوماً.
ووفق تقديرات اقتصادية، فإن إجمالي الدورة الاقتصادية في القطاع لا تتجاوز مبلغ 3 مليارات دولار قبل الحرب جراء الحصار الإسرائيلي وآثار الحروب السابقة، وهو مبلغ قد ينخفض أكثر خلال الفترة المقبلة إذا لم تكن هناك عملية إعادة إعمار أو استمرت الحرب بشكلٍ أطول.
وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، فإن إجمالي الخسائر الفلسطينية من الناتج المحلي الإجمالي بالحد الأدنى وبشكل تراكمي، نتيجة الحصار المفروض على غزة، منذ أكثر من عقد ونصف العقد، بلغت أكثر من 35 مليار دولار، أي ما يعادل عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للقطاع.
اللافت أن التقرير الصادر خلال العدوان الحالي أشار إلى أن مؤشرات الاقتصاد الكلي تشير إلى أن مساهمة قطاع غزة من الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين قبل عام 2006، كانت تمثل حوالي 36%، لتبدأ بالتراجع التدريجي نتيجة ما فُرض على القطاع من حصار خانق على كل عوامل الإنتاج على مدار 17 عاما مضت، لتصبح مساهمة هذا القطاع لا تتجاوز 17% في السنوات الأخيرة نتيجة تآكل القاعدة الإنتاجية.