جدران الفساد في الجزائر: العقارات ميدان خصب لغسل الأموال المشبوهة

29 سبتمبر 2022
مخاوف من فقاعة عقارية في الجزائر (Getty)
+ الخط -

تحوّل سوق العقارات في الجزائر إلى ميدان خصب لغسل وتبييض رؤوس الأموال المجمعة من أعمال مشبوهة.

وتعد قضايا الفساد المفتوحة أمام القضاء الجزائري، التي سجن فيها رجال أعمال ووزراء وحتى جنرالات، وما كشفته من امتلاكهم في البلاد من عقارات ضخمة وفاخرة، دليلاً على اعتماد أصحاب الأموال المشبوهة على العقارات لتحويل أموالهم إلى ممتلكات "لا غبار" عليها.

لا يكاد يخلو شارع من شوارع العاصمة الجزائرية المشهورة من بنايات أو فيلات فارغة تجد عليها لافتات مكتوباً عليها "للإيجار" أو "للبيع"، بعضها وضعت منذ سنتين ولم يتم بيعها أو إيجارها عمداً من طرف مالكيها، لغرض التمويه وإبعاد الأنظار.

تحدثت "العربي الجديد" مع صاحب وكالة عقارية في حي "حيدرة"؛ أغلى الأحياء في الجزائر بأكملها، وهو مشهور بالشقق والفيلات الفاخرة ومركز التقاء أصحاب الأموال في البلاد، قصد فهم المعادلة التي حولت سوق العقارات إلى ميدان لغسل الأموال.

يقول رياض خ. إن "الطلب على شراء الفيلات والشقق الفاخرة ارتفع في السنوات الأخيرة، إذ يطلب أصحاب الأموال شراء عقارات دون التفاوض على السعر، شرط أن تتم العملية عبر ممرين: الأول عبر الطرق الرسمية، أي عن طريق التوجه نحو الموثق القانوني شرط أن يتفق البائع والمشتري وصاحب الوكالة العقارية بتصريح قيمة العقار بـ 40 بالمائة من قيمته الحقيقية، وذلك لإبعاد الشبهات".

ويضيف: "مثلاً تكون قيمة العقار المتفق عليها 150 مليون دينار (حوالي مليون دولار) يتم التصريح ببيعها بثلث قيمتها، حتى تنخفض الرسوم الضريبية المفروضة على بيع العقار والمقدرة بـ 5 بالمائة يدفعها البائع، ومن جهة أخرى يصبح للمشتري عقار قيمته الأصلية تفوق مليون دولار ومصرح بأنه اشتراه بـ300 ألف دولار".

وتابع: "أما الطريقة الثانية فتكون خارج الإطار الرسمي، حيث يتفق الطرفان على قيمة العقار محل البيع، وبموجب الاتفاق يقوم البائع بنقل الملكية للمشتري كـ "هبة" أو "تسديد للدين"، وبذلك يكون المشتري قد حول مبالغ كبيرة إلى عقارات".

اتساع السوق السوداء

رغم محاولات الحكومة لفرض التصريح بالتعاملات العقارية وفرض عقوبات على المتعدين على القانون، إلا أن الواقع يثبت أن السواد الأعظم من الوكالات العقارية ومكاتب "السماسرة" تفضل التعامل خارج القنوات الرسمية.

وحسب الناطق باسم الفيدرالية الجزائرية للوكالات العقارية عبد الرشيد بوكراع فإن "70 بالمائة من التعاملات في سوق العقار تتم في السوق السوداء وبالأموال نقداً، أي خارج القنوات القانونية والبنكية".

وأضاف بوكراع لـ "العربي الجديد" أن "الجميع مشترك، فصاحب العقار يجد مشترياً مستعداً للدفع مهما كان الثمن، وصاحب الوكالة العقارية يوسع هامش ربحه كلما كبر ثمن العقار، وبالتالي يقعون في شَرَك الإغراء المقدم من طرف صاحب رأس المال".

ويكشف بوكراع أن "عملية تبييض الأموال تمر عبر عدة مراحل، أولاها "التوطين"؛ أي اختيار مكان وضع الأموال المشبوهة، ثم تأتي مرحلة "التمويه"؛ وذلك بمحاولة طمس العلاقة بين الأموال المشبوهة والعقارات المستحوذ عليها وثالثا تأتي عملية "التقييم"؛ أي أن صاحب المال يقوم بتقييم العقار بطريقة مضخمة، وبالتالي تصبح له ممتلكات مقيمة وتدخل في رأس ماله".

ويرى الناطق باسم الفيدرالية الجزائرية للوكالات العقارية أن "القانون الجزائري فيه عدة ثغرات، أولاها عدم وضع سقف للتعاملات التي يجب التصريح بها لدى مصلحة المراقبة المالية التابعة لوزارة المالية".

غسّالة للأموال

لجأ الكثير من أصحاب الأموال في الجزائر إلى الاستثمار في قطاع العقارات من خلال فتح شركات للترقية العقارية، بعدما تحول هذا النشاط إلى ملاذ للكثير من أصحاب الأموال المشبوهة.

ومن أبرز الشركات التي شغلت الرأي العام في الجزائر شركة "KMNN" المملوكة من طرف كمال شيخي أو "كمال الجزار" محتكر استيراد اللحوم الحمراء في الجزائر والموجود رهن السجن عقب اكتشاف 7 قناطير من "الكوكايين" في إحدى الشحنات التي استوردها سنة 2018.

وتحوز الشركة التي تم الحجز عليها من طرف القضاء الجزائري عدة عمارات وفيلات فاخرة في الأحياء الراقية للجزائر العاصمة وفي محافظة وهران غرب العاصمة، حيث كانت بمثابة "غسالة" للأموال التي جمعها بطرق غير شرعية.

وحسب الخبير الاقتصادي المختص في سوق العقارات رياض بوفلاح فإن "تبييض الأموال عن طريق شركات الترقية العقارية يعتبر آمناً وسريعاً مقارنة بإقامة استثمارات في قطاعات أخرى تتطلب مراقبة ضريبية وبنكية على الأرصدة".

ويكشف الخبير الجزائري في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أن "أصحاب الأموال المشبوهة باتوا يفتحون شركات مختصة في بناء وبيع العقارات، يكون هدفها الأول شراء عقارات بأسعار معقولة ثم يقومون بتهديمها وإعادة بناء عقارات وعمارات من عدة طوابق وتقيم تلك العقارات بأضعاف أسعارها لتبييض أكبر قدر ممكن من الأموال".

يتخوف العاملون في سوق العقارات في الجزائر من انفجار فقاعة عقارية، نتيجة التوسع الشرائي للعقارات بأسعار مضخمة

ويضيف: "مثلاً "الشركة المملوكة من طرف كمال الجزار كانت تشتري فيلات ثم تهدمها وتشيد مكانها عمارات فيها أكثر من 20 شقة فاخرة تباع بطرق رسمية عبر القروض البنكية وبالتالي يكون صاحب الشركة قد أدخل أمواله في الاقتصاد الرسمي بطريقة آمنة".

مخاوف من فقاعة عقارية

أمام استفحال هذه الظاهرة، يتخوف العاملون في سوق العقارات في الجزائر من انفجار فقاعة عقارية، نتيجة التوسع الشرائي للعقارات بأسعار مضخمة، كوسيلة للاستثمار ولاكتناز الأموال في سوق العقار كاستثمار مبيض للأموال وآمن في نفس الوقت، ومُحقق للأرباح في أوقات زمنية قصيرة.

وتُعرف الفقاعة العقارية بارتفاع معدلات عرض العقارات للبيع بصورة تفوق حجم الشراء، ما يترتب عليه لجوء مقتني الوحدات للبيع بأسعار منخفضة، ويزداد الموقف حدة عند اعتماد شريحة من مقتني الوحدات على القروض البنكية أو التمويل العقاري في شراء هذه الوحدات بغرض الاستثمار أو السكن الثاني، حيث سيضطرون إلى البيع السريع بأسعار أكثر انخفاضاً لتفادي تعرضهم لأزمة مالية.

في المقابل، قال الخبير في الشؤون العقارية كريم سدات إن عملية تبييض الأموال عن طريق شراء العقارات أدت إلى ارتفاع أسعار العقارات في بعض المناطق، حيث أصبح أصحاب الفيلات وقطع الأراضي في بعض الأحياء المستهدفة من طرف أصحاب الأموال المشبوهة يرفعون سعر المتر المربع أحيانا إلى الضعف، خاصة أن المشتري لا يفاوض على السعر في أغلب الأوقات".

وأضاف سدات لـ"العربي الجديد" أن "هذا التضخيم سيقود مع مرور الوقت إلى ركود السوق ما يقود مباشرة نحو فقاعة عقارية، لأن الأسعار لن تحتمل الصمود أمام الأسعار الحقيقية".