- الحرب وانهيار العملة تسببا في نزوح السكان وتعطل الإيرادات الحكومية، مما زاد من صعوبة الحياة اليومية وقدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم.
- توقعات بتدهور اقتصادي أكبر مع استمرار الحرب والتحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة في مواجهة الأزمة، مما يهدد بزيادة الفقر والتضخم.
معاناة لم يسبق لها مثيل تعصف بأسواق السودان، في ظل استمرار الحرب الطاحنة منذ إبريل الماضي، مع استمرار النزوح واشتداد الأزمة الاقتصادية التي ارتفعت بسببها العملة الأميركية إلى مستويات قياسية فاقت الـ1400 جنيه مقابل الدولار الواحد، ما أثر بشكل كبير على مستويات التضخم والمعيشة.
كانت العملة الأميركية في منتصف إبريل عام 2023 تعادل 570 جنيها رسمياً، وحاليا تبلغ أكثر من 1170 جنيها في بعض البنوك. وقفزت لتصل إلى أعلى مستوياتها في السوق السوداء وسط أزمات مالية واقتصادية خانقة، حيث وصل سعر بيع الدولار إلى حوالي 1410 جنيهات، والشراء إلى 1390 جنيها خلال شهر رمضان، في حين كانت تبلغ 800 جنيه في إبريل الماضي.
جحيم ومعاناة
انهيار الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، خاصة الدولار، حوّل حياة السودانيين إلى جحيم ومعاناة لا توصف، في ظل الأوضاع المعيشية المعقدة التي خلفتها الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي اقتربت من إتمام عامها الأول بدون حلول.
وشهدت العملات الخليجية ارتفاعات متواصلة، إذ وصل سعر الريال السعودي إلى نحو 370 جنيها، وتجاوز الدرهم الإماراتي 378 جنيها، بينما وصل سعر الريال القطري إلى حوالي 380 جنيها، مما يثير القلق بشأن استمرار تدهور العملة الوطنية والتأثيرات السلبية الناجمة عن ذلك، خاصة على الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها المواطنون في حياتهم اليومية.
وقال وزير المالية جبريل إبراهيم، في تصريحات صحافية مؤخرا، إن الإيرادات الحكومية تأثرت بشكل كبير نتيجة للحرب، مما أدى إلى انخفاضها بنسبة تصل إلى 80%.
ارتفاع تكلفة النقل
انعكس هذا الواقع على حياة المواطنين بصورة كبيرة؛ إذ أصبح معظمهم غير قادر على شراء احتياجاته الأساسية، خاصة في ظل انقطاع تحويلات المغتربين بسبب خروج شبكات الاتصالات عن الخدمة وتوفرها في مدن محدودة.
ومع تراجع قيمة العملة المحلية، شهدت أسواق السودان ارتفاعات كبيرة في السلع الأساسية واختفاء عدد منها، مع تراجع واردات البلاد وعزوف المستوردين عن الاستيراد وتوقف المصانع المحلية وخروج عدد كبير من المشاريع الزراعية عن الإنتاج، الأمر الذي فاقم من الأزمة الاقتصادية.
ويقاسي سودانيون من ارتفاع تكلفة النقل وندرة الوقود بجانب الرسوم التي تفرضها قوات الدعم السريع على حركة الشاحنات الصغيرة أو الكبيرة.
وتعاني أسواق دارفور تحديدا من توقف الإمدادات وقلة في إنتاج الذرة والحبوب، مما يزيد الضغوط على الأسواق المحلية، وأدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع الرئيسية.
ضعف القوة الشرائية
توقّع اقتصاديون استمرار تراجع قيمة العملة الوطنية نتيجة التدهور الاقتصادي، ما ساهم في ارتفاع معدلات التضخم ودفع معظم الشعب السوداني نحو مزيد من الفقر.
يقول الخبير الاقتصادي محمد علي أحمد لـ"العربي الجديد" إن من التأثيرات الكبيرة للحرب على الأسواق المحلية، ارتفاع أسعار وندرة الوقود وبالتالي ارتفاع تكلفة النقل، فقفزت أسعار بعض المواد الاستهلاكية الأساسية إلى أكثر من 10 أضعافها، خاصة في بعض المناطق النائية مع ضعف القوة الشرائية.
وقال الصحافي المتخصص في الشؤون الاقتصادية وليد النور لـ"العربي الجديد" إن تآكل العملة المحلية جعل كثيرا من الرأسمالية المحلية تتخلص منها بشراء الدولار من السوق السوداء، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع قيمة العملة الأجنبية، ما أثر بشكل مباشر على زيادة أسعار الخدمات، وشكّل ذلك تضخما جامحا لا يمكن الخروج منه إلا بإيقاف الحرب، نظرا لعدم وجود موارد حقيقية.
لا تحكّم بسعر الدولار
وسبق أن اعترف وزير المالية جبريل إبراهيم بتعثّر الحكومة في السيطرة على سعر الصرف، مشيرا إلى الطلب المتزايد على العملات الأجنبية. وأوضح الوزير أن ميزانية عام 2024 ركزت على تلبية الالتزامات الناشئة عن الجهود الحربية. وذكر أن هذا التركيز سبب تعطل الإيرادات وتفاقم التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، مؤكدًا استمرار العمل على مواجهة الآثار الناجمة عن هذا الوضع.
وأشار وزير المالية إلى أن البلاد فقدت نحو 3 أطنان من الذهب نتيجة لسرقات من مصفاة الذهب بالخرطوم، ما أدى إلى فقدان مصادر مهمة للموارد التي تعتمد عليها الميزانية العامة.
ومع نشوب الحرب، لم تتمكن الحكومة من الإعلان عن مستوى التضخم، مع توقعات بأن يسجل ارتفاعا قياسيا في ظل الزيادة الكبيرة في الأسعار. وكان وزير المالية قال في تصريحات في فبراير/شباط المنصرم إن الحكومة تسعى لخفض التضخم ليبلغ 25% بنهاية العام الجاري.