تونس: ورقة سعيد لاسترداد الأموال المنهوبة تحترق

07 سبتمبر 2022
الفقر في تونس يتمدّد (Getty)
+ الخط -

توقفت خطوات مشروع الرئيس التونسي قيس سعيد للصلح الجزائي مع رجال الأعمال عند إصدار المرسوم المتعلق باستعادة "أموال الشعب المنهوبة"، وسط ترجيحات بعدول شامل عن المشروع الذي واجه انتقادات كثيرة من قبل مختصين بالشأن الاقتصادي.
وفي مارس/ آذار الماضي، أعلن سعيد عن طرح مرسوم يتعلق بالصلح الجزائي مع رجال الأعمال "حتى يسترد الشعب أمواله المنهوبة"، مؤكداً أنه "إجراء قانوني معروف وعوض الزج بالمتهم في السجن، يدفع الأموال التي تمتع بها بشكل غير مشروع إلى الشعب".

وقال حينها بمناسبة إحياء ذكرى الاستقلال الموافقة لـ20 مارس/ آذار، إن "الأموال ستعود إلى الفقراء والمعتمديات الفقيرة بعد ترتيبها من الأكثر إلى الأقل فقراً، وستعود الأموال إلى أصحابها الشرعيين".
ثم جاء بعد الإعلان الرسمي صدور المرسوم الخاص بالعفو الذي تضمن أحكاماً تتعلق بكيفية تطبيق الصلح والأشخاص الواقعين تحت طائلة المرسوم، إلى جانب ضبط طرق التصرف في الأموال المزمعة استعادتها.  


ترجيحات بالعدول عن المشروع 


في مايو/ أيار 2022 كلّف الرئيس التونسي وزيرة العدل ليلى جفال، بتشكيل الهيئة المتعلقة بالتسوية والمصالحة مع رجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد. غير أن اللجنة المكلفة بمقتضى المرسوم بالنظر في ملفات الصلح الجزائي وتطبيق المرسوم لم تر النور ولم يكشف عن أعضائها منذ ذلك الوقت.

وفي هذا السياق، رجح الخبير الاقتصادي معز حديدان، أن تكون السلطة قد عدلت عن المشروع تماما، وهو ما يفسّر توقف إجراءات تشكيل اللجنة وإصدار النصوص الترتيبية المكمّلة للمرسوم.
وقال حديدان في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه بعد 7 أشهر من إصدار المرسوم لم يتقدم المشروع، متوقعا أن تكون السلطة قد تراجعت عن المشروع بعد إدراكها أنه غير قابل للتطبيق وغير عقلاني.

وأكد الخبير الاقتصادي أن مشروع الصلح الجزائي لم يقم على دراسات علمية ولم يحدد الجدوى الاقتصادية أيضا من مصالحة رجال الأعمال الموصومين بالفساد، مشيرا إلى أن أغلب المجموعات الاقتصادية الكبرى التي يديرها رجال الأعمال تعمل وفق قوانين الاستثمار ولا يمكن شيطنتها أو وصمها بالفساد.
وقال: "أرجح أن يكون الرئيس قد فهم أن مشروعه غير قابل للتطبيق"، سيما وأن عددا قليلا من رجال الأعمال المتهمين بالفساد المالي قد فر خارج البلاد ولم تعد من السهل ملاحقتهم قضائيا.

واعتبر أن ملاحقة أموال رجال الأعمال الفاسدين الفارين هي شبيهة بملاحقة طواحين الريح، مشيرا إلى أن المسارات القضائية لإثبات فسادهم قد تستغرق سنوات في دوائر القضاء. ويضبط مرسوم الصلح الجزائي إجراءات الصلح مع الدولة، في الجرائم الاقتصادية والمالية والأفعال والأعمال والممارسات التي ترتبت عنها منافع غير شرعية أو يمكن أن تترتب عنها منافع غير شرعية أو غير مشروعة والتي أنتجت ضرراً مالياً للدولة والجماعات المحلية والمنشآت والمؤسسات والهيئات العمومية أو أي جهة أخرى.
يهدف الصلح الجزائي بحسب نص المرسوم الرئاسي إلى استبدال الدعوى العمومية أو ما ترتب عنها من تتبع أو محاكمة أو عقوبات أو طلبات ناتجة عنها تم تقديمها، أو كان من المفروض أن تقدم في حق الدولة أو إحدى مؤسساتها أو أي جهة أخرى وذلك بدفع مبالغ مالية أو إنجاز مشاريع وطنية أو جهوية أو محلية بحسب الحاجة.
 

حجم الأموال المنهوبة 

وكان الرئيس التونسي قد صرّح في 28 يوليو/تموز 2021، بأن "قيمة الأموال المنهوبة من البلاد تقدر بـ13.5 مليار دينار (نحو 4.3 مليارات دولار)، "وتجب إعادتها مقابل صلحٍ جزائي مع رجال الأعمال المتورطين في نهبها".
وتشمل أحكام مرسوم الصلح الجزائي كل شخص مادي أو معنوي صدر في شأنه أو في شأن من يمثله حكم أو أحكام جزائية، أو كان محل محاكمة جزائية أو تتبعات قضائية أو إدارية أو قام بأعمال كان من الواجب أن تترتب عنها جرائم اقتصادية ومالية.

كما تشمل أيضا كل شخص مادي ومعنوي لم تستكمل في شأنه إجراءات مصادرة أمواله واسترجاعها من الخارج، طبق ما اقتضته أحكام مرسوم المصادرة الذي جرى اعتماده في مارس/آذار 2011 عقب الثورة وشمل الرئيس الراحل بن علي وعائلته وعدداً من الوزراء والشخصيات المتنفذة قبل الثورة.
ويفضي الصلح الجزائي بحسب المرسوم إلى توحيد مسار استرجاع الأموال المنهوبة بقصد إعادة توظيفها في التنمية الوطنية والجهوية والمحلية وتحقيق المصالحة الوطنية في المجال الاقتصادي والمالي.

وتوظف الأموال المودعة "بحساب عائدات الصلح الجزائي لتمويل المشاريع التنموية"، وكان مقرراً أن تُصرَف 80 بالمائة منها في تمويل إنجاز مشاريع تنموية اعتماداً على خصوصية المناطق واحتياجات الأهالي والأولويات الوطنية والمحلية والأهداف المرسومة بمخططات التنمية، بينما يتم تخصيص 20 بالمائة من العائدات للمساهمة في رأس مال مؤسسات محلية أو جهوية تأخذ شكل شركات ذات صبغة أهلية أو استثمارية أو تجارية.   
 

تقديرات مبالغ فيها وأزمات خانقة  


وزير المالية السابق والخبير الاقتصادي، سليم بسباس، يعتبر أن المبلغ الذي يتطلع سعيد إلى تحصيله من الصلح الجزائي مبالغ فيه، مشيرا إلى أن حجم السيولة المالية والأصول لدى رجال الأعمال المعنيين بالمصالحة لا يمكن أن تقدر بـ13 مليار دينار.

يفضي الصلح الجزائي بحسب المرسوم إلى توحيد مسار استرجاع الأموال المنهوبة بقصد إعادة توظيفها في التنمية الوطنية والجهوية والمحلية وتحقيق المصالحة الوطنية في المجال الاقتصادي والمالي


ورجّح بسباس في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، ألا يتجاوز المبلغ المحصل من الصلح الجزائي 200 مليون دينار في أحسن الحالات وعلى مدة سنوات، مؤكدا أن الظرف السياسي والاقتصادي المحلي والعالمي لا يخدم هذا المشروع بسبب صعوبات كبرى تواجهها المؤسسات الاقتصادية ومناخ الأعمال الذي يكابد لتجاوز مخلفات الأزمة الصحية.

وتعاني موازنة تونس من عجز قياسي في الموارد وشح في التمويلات الأجنبية، بسبب تأخر اتفاق صندوق النقد الدولي وارتفاع مخاطر تخلّف البلاد عن سداد ديونها الخارجية فضلا عن ارتفاع عجز الموازنة إلى أكثر من 9 بالمائة.
وسجل الاقتصاد التونسي، على أساس سنوي، نموا بنسبة 2.8% خلال الربع الثاني من السنة الحالية، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، بفضل ارتفاع نسق نمو قطاع الخدمات بنسبة قاربت 5.2%، وفق بيانات "المعهد الحكومي للإحصاء.

وأدت جائحة كورونا إلى سقوط أكثر من 600 ألف تونسي تحت خط الفقر وفق البنك الدولي، وتسببت في ارتفاع نسبة الظاهرة إلى 21 في المائة من مجموع سكان تونس عام 2021 مقابل 15.5 في المائة قبل الجائحة.

 

المساهمون