يوم السبت الماضي أعلن صندوق النقد الدولي موافقته على منح تونس قرضاً بقيمة 1.9 مليار دولار ولمدة 4 سنوات.
الإعلان كان مفاجأة للكثير بمن فيهم صنّاع السياسة في تونس، ذلك لأن حكومة قيس سعيد كانت تراهن على الحصول على قرض أكبر بقيمة لا تقل 4 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم مقارنة بحجم الاقتصاد التونسي وفاتورة ديونه ووارداته والتزاماته الخارجية.
كما كانت تراهن الحكومة على أن يفتح لها قرض الصندوق الباب على مصراعيه للحصول على قروض خارجية ضخمة أخرى سواء من الدائنين الدوليين أو الإقليميين والخليجيين.
صندوق النقد يدعم المستبدين والنظم الديكتاتورية والفسدة وناهبي أموال الشعوب، وبمليارات الدولارات ليظلوا في الحكم بقوة السلاح
لكن الصندوق خفض المبلغ بقيمة 2.1 مليار دولار لأسباب تتعلق بحقوق تونس ومساهمتها في رأسماله ودرجة الاستجابة لمطالبه المذلة.
هناك مفاجآت أخرى سبقت الموافقة المبدئية على القرض منها رهان البعض على تأجيل الصندوق منح تونس القرض المطلوب بحجة انقلاب قيس سعيد في شهر يوليو 2021 على الحكومة والمؤسسات المنتخبة والبرلمان وضربه بدستور البلاد عرض الحائط، وإجراء استفتاء مشكوك في شرعيته.
لكن من قال إن الصندوق لا يدعم المستبدين والنظم الديكتاتورية والفسدة وناهبي أموال الشعوب، بل يدعمهم بمليارات الدولارات ليظلوا في الحكم بقوة السلاح، وهناك عشرات الأمثلة على ذلك.
اتفاق الحكومة التونسية على قرض الصندوق وانتزاعه الموافقة المبدئية عليه ليس نهاية المعركة كما يظن البعض، لكن بداية معركة ساخنة بين الحكومة والمواطن قد تصاحبها اضطرابات سياسية واجتماعية تشبه تلك التي حدثت في العام 2010 وكانت بمثابة شرارة ثورات الربيع العربي.
فصندوق النقد له شروطه القاسية وإملاءاته على النظام الحاكم وله كلفة اجتماعية باهظة، والشارع التونسي لن يقبل بسهولة هذه الشروط سواء المتعلقة بتثبيت الرواتب لسنوات وربما خفضها، وزيادة الضرائب والرسوم، وبيع أصول الدولة، وزيادة الأسعار، وخفض الدعم المقدم للوقود والسلع التموينية. وربما تمتد الإملاءات إلى خفض قيمة الدينار مقابل الدولار المتراجع أصلا.
نظام قيس سعيد لن يستطيع استخدام قوة السلاح لفرض إملاءات الصندوق على الشارع والنقابات والأحزاب والقوى السياسية خاصة مع احتقان المشهد السياسي والاقتصادي أصلا.
الشارع التونسي لن يقبل بسهولة بشروط قرض الصندوق سواء المتعلقة بتثبيت الرواتب وربما خفضها، وزيادة الضرائب، وبيع أصول الدولة
تونس بها اتحاد الشغل، وهو أكبر منظمة مجتمع مدني في البلاد، وله قبول واسع ليس فقط بين العمال بل بين المواطنين، والاتحاد لديه تحفظات كثيرة على شروط صندوق النقد، ويستطيع تحريك الشارع، والدليل أنه عندما دعا لإضراب شامل في منتصف يونيو الماضي كانت الاستجابة عالية حيث شارك فيه مليون موظف.
تونس تشهد هذه الأيام احتجاجات على تردي الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار واختفاء سلع رئيسية من السوق منها الأدوية والوقود والزيوت والغذاء.
كما شهدت شوارع العاصمة خروج آلاف المتظاهرين يوم السبت الماضي ضد قيس سعيد المتهم من قبل معارضيه بعمل "انقلاب" ومحاولة الارتداد بالبلاد إلى عصر "الاستبداد"، ونظام الحاكم الفرد صاحب السلطة المطلقة. كما تتواصل الاحتجاجات والإضراب العام في بعض المناطق.
كما أعلنت نقابة أصحاب المخابز أمس، الأربعاء، بدء إضراب مفتوح عن العمل وتوقف أصحاب المخابز عن العمل بالفعل، ودخلوا في اعتصام حتى تستجيب الدولة لمطالبهم ومنها سداد متأخرات مالية منذ 14 شهرا.
وغدا من المتوقع تصاعد الاحتجاجات تدعمها أزمة اقتصادية ومالية خانقة، وعدم استقرار سياسي تعيشه البلاد منذ انقلاب قيس سعيّد في 25 يوليو/ تموز 2021.
إملاءات قرض صندوق النقد لن يمر بسهولة في تونس، ومن الممكن أن تشعل الشارع المحتقن أصلا مع توسيع رقعه استبداد قيس سعيد وتفاقم الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية واختفاء سلع أساسية.