تونس تواجه فاتورة قياسية لاستيراد الحبوب

16 مايو 2023
استهلاك تونس من الحبوب يبلغ نحو 3.4 ملايين طن سنوياً (فرانس برس)
+ الخط -

تمدد جائحة الجفاف احتياجات تونس لاستيراد الحبوب التي تشكل الغذاء الرئيسي للمواطنين، وسط توقعات بأن تفوق واردات القمح في العام المقبل ما يزيد عن 90% من الاستهلاك المحلي المقدر بنحو 3.4 ملايين طن سنوياً.

ومع اقتراب موسم حصاد الحبوب هذا العام تتأكد تداعيات شح الأمطار، ما تسبب في خسارة إنتاج ما يزيد عن 80% من المساحات المزروعة بالحبوب بمختلف أصنافها، حيث يتوقع اتحاد الفلاحة ألا يتجاوز المحصول عُشر الاستهلاك.

ويجبر المحصول الضعيف سلطات تونس على توسيع رقعة الاستيراد لتأمين احتياجات السوق من القمح اللين الموجه لصناعة الخبز والقمح الصلد والشعير الموجه لصناعة العلف.

ويبلغ استهلاك تونس من الحبوب 3.4 ملايين طن موزعة بين 1.2 مليون طن لكل من القمح الصلب والقمح اللّين، ومليون طن شعير، وفق بيانات رسمية لديوان الحبوب الحكومي، ويتم تعديل واردات الحبوب تبعا لمعدلات الإنتاج المحلي.

لكن عضو منظمة الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالزراعات الكبرى محمد رجايبية يقول إن تونس ستضطر إلى برنامج توريد استثنائي هذا العام، مؤكدا أن الإنتاج المحلي لن يوفر سوى 10% من غذاء التونسيين.

ويضيف رجايبية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التقديرات الأولية لمحصول الحبوب يؤكد أن الكميات المتوقع تجميعها لن تزيد عن 250 ألف طن، مقابل 740 ألف طن في العام الماضي، مشيرا إلى أن هذا المحصول المرتقب لن يكون كافيا لتغطية احتياجات البذر للموسم المقبل.

ويشير إلى أن اتحاد الفلاحة والصيد البحري يعمل في إطار اللجان المشتركة مع وزارة الزراعة على وضع خطة تحمي المزارعين من الخروج من دائرة الإنتاج بسبب الخسائر التي تكبدها القطاع نتيجة الجفاف الكبير الذي ضرب البلاد هذا العام، ويقول: "طالبت المنظمة بصرف منح استثنائية لفائدة المنتجين عن سعر قبول الحبوب المجمعة تفادياً لبيعها في السوق السوداء، إلى جانب جدولة ديون الفلاحين لدى البنوك وتعميم التعويض عن الجفاف على كافة الفلاحين".

ويعتبر رجايبية أن مصير موسم الحبوب لهذا العام أصبح محسوماً، مشددا على أهمية وضع خطط مبكرة لتوريد الغذاء والاستعداد الجيد لموسم البذر القادم لتفادي التعويل التام على استيراد القمح لمواسم لاحقة.

ويضيف: "إنقاذ المنتجين من مخاطر الانزلاق في دوامة الإفلاس والانسحاب من دائرة الإنتاج هو الحل المتاح لتفادي فاتورة واردات ثقيلة".

وسجل الميزان التجاري الغذائي في تونس خلال الربع الأول من السنة الحالية عجزاً بما يزيد 110 ملايين دينار (36.2 مليون دولار)، مقابل 65 مليون دينار خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية، بحسب بيانات صادرة عن المرصد الوطني للفلاحة الحكومي.

ويشير المرصد إلى ارتفاع كلفة الواردات الغذائية بنسبة 9.5% لتبلغ 19.6 مليار دينار، لتمثل نحو 10.1% من مجموع واردات البلاد. ومثلت حصة واردات الحبوب 56% من مجموع واردات الغذاء بما قيمته 11 مليار دينار، بزيادة نسبتها 9.2% عن الربع الأول من العام الماضي.

وكانت وزارة الزراعة تخطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب بداية من عام 2023 بإنتاج 1.2 مليون طن وذلك عبر تحفيز الإنتاج من خلال رفع ربحية القطاع وزيادة أسعار الحبوب عند الشراء من المنتجين المحليين.

وشملت خطة تحفيز الإنتاج توسيع رقعة زراعة القمح الصلب إلى 800 ألف هكتار (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع)، مقارنة بالمساحات الحالية التي تصل إلى 600 ألف هكتار، غير أن الجفاف أحبط هذه الخطة ليضع السلطات أمام تحدي توفير غذاء التونسيين بفتح باب الاستيراد على مصراعيه.

ويرجح الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف أن تسجل تونس في العام القادم فاتورة قياسية لتوريد الغذاء، ما يزيد من الضغوط على المالية العمومية المنهكة بالأساس.

ويقول الشريف لـ"العربي الجديد"، إن واردات الغذاء من الحبوب الموجهة للاستهلاك الإنساني والحيواني ستدفع تونس إلى طلب المزيد من التمويلات الخارجية والقروض لتفادي أي أزمات اجتماعية ناجمة عن اضطراب الإمدادات المحلية.

ويواجه ديوان الحبوب الحكومي صعوبات في الاستيراد جراء ارتفاع الديون وغياب السيولة خاصة بالعملة الصعبة.

وكان البنك الدولي قد ذكر في تقرير في ديسمبر/ كانون الأول الماضي حول الظروف الاقتصادية لتونس بعنوان "إدارة الأزمة في وضع اقتصادي مضطرب"، أن ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً تسبب في زيادة مستوى ديون ديوان الحبوب التي بلغت 3 مليارات دينار في 2020.

المساهمون