تونس: تجميد سياسي لأسعار الوقود تجنباً لغضب الشارع

10 نوفمبر 2021
شهدت أسعار الوقود ارتفاعاً قياسياً في مارس الماضي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تواصل السلطات التونسية للشهر الثامن على التوالي تجميد آلية التعديل الدوري لأسعار المحروقات، تجنّبا لأي قرارات غير شعبية وخاصة مع وعود السلطة المتكرّرة بمكافحة الغلاء وتنزيل الأسعار.
ورغم ضغوط السوق العالمية وتوسّع الحجر الطاقي الناتج عن ارتفاع أسعار المحروقات في السوق العالمية، لم تصدر اللجنة المكلفة بمراجعة أسعار المحروقات صلب وزارة الطاقة منذ شهر مارس/ آذار الماضي أي قرار بتعديل الأسعار.
ويجمع خبراء الاقتصاد على أن أسبابا سياسية تقف وراء تجميد الأسعار رغم الحاجة الملحة لذلك للحد من توسع العجز الناتج عن ارتفاع سعر المحروقات في السوق العالمية مقارنة بالفرضيات التي بنيت عليها موازنة العام الحالي.
واعتمدت تونس عند إقرار موازنة العام الحالي سعر برميل النفط عند 45 دولاراً، غير أن رياح السوق العالمية قلبت كل التوقعات لتدفع السعر إلى نحو ضعف التقديرات الحكومية، ما تسبب بفجوة لا تقل عن مليار دولار يتعيّن على الحكومة ردمها عبر الاقتراض، حيث تكلف كل زيادة بدولار واحد في السعر العالمي موازنة تونس نحو 130 مليون دينار.
مدير عام المحروقات بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة، رشيد بن دالي، قال إنه بات ضروريا إجراء تعديل آلي لأسعار المحروقات نظرا لارتفاع السعر العالمي للبترول إلى حدود 85 دولارا للبرميل الواحد، مشيرا إلى أن صندوق الدعم لا يمكن أن يتحمل هذه الزيادة خاصة وأن قانون المالية لسنة 2021 اعتمد فرضية 45 دولارا سعر البرميل الواحد.
وأكد بن دالي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الرفع التدريجي للدعم عن المحروقات قيد الدرس وذلك عبر إيجاد آلية تحمي الطبقات الهشة والأشخاص المحتاجين للدعم، مؤكدا أن هذه القرارات لا تتخذ على مستوى وزارة الصناعة والطاقة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويمثل خفض دعم الطاقة أحد أبرز عناوين الإصلاح الاقتصادي التي يطالب بها المقرضون الدوليون، إذ تبنّت تونس منذ يوليو/ تموز 2016 طريقة التعديل الآلي لأسعار المحروقات عملا بتوصيات صندوق النقد الدولي.

ومنذ بداية شهر مارس/آذار 2020، تعتمد تونس في تعديل أسعار المحروقات على قرار وزيري الطاقة والمالية، الذي أوكل قرار تحديد الأسعار إلى اللجنة الفنية المكلفة بضبط ومتابعة أسعار بيع المواد البترولية. وينص أحد فصول القرار على ألا يتجاوز التعديل شهريا نسبة 1.5 بالمائة عن السعر المعمول به وقت التعديل.
ويعود تاريخ آخر تعديل في أسعار المحروقات عند البيع في إلى شهر مارس/ آذار 2021، حيث تظل الأسعار منذ أكثر من 8 أشهر دون أي تغيير. وبمقتضى التعديل الذي أعلن عنه في شهر مارس الماضي، ارتفعت أسعار المحروقات إلى مستوى قياسي لم تسجله البلاد سابقا بعد رفع أسعار البنزين والسولار، لتكون هذه الزيادة الثالثة من نوعها منذ بداية العام الحالي عقب رفع الثمن بنسبة 5 في المائة دفعة واحدة.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي، محمد منصف الشريف، أن أسبابا سياسية بحتة تحول دون مراجعة أسعار المحروقات رغم مخاطر كبيرة تحيط بالموازنة العامة وشح موارد المالية للبلاد، معتبرا أن السلطات التي وعدت ما بعد 25 يوليو/ تموز الماضي بتحسين حياة المواطنين تتجنّب اتخاذ أي قرار لا شعبي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأفاد الشريف في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن تعديل سعر المحروقات في الوقت الحالي سيؤدي إلى زيادة في أسعار كل المواد الصناعية والخدمات، وهو أمر لا يخدم السلطات التي تريد المحافظة على شعبيتها بما وصفه بالوقوف إلى جانب المواطنين.
لكن الواقع الاقتصادي للبلاد، حسب الخبير الاقتصادي، له إكراهات أخرى، مرجّحا ألا تطول فترة تعليق التعديل الآلي لأسعار المحروقات مع تواصل صعود أسعار النفط في السوق الدولية وتأثيراتها على الموازنات العامة للدول الموردة للمواد الطاقية.
وفي يوليو/ تموز الماضي، قال تقرير أصدرته "ستاندرد أند بورز" إن مستوى النمو في البلاد لن يكون كافياً لمواجهة معدل البطالة المرتفع وتدهور مستوى المعيشة، ما يؤدي إلى تأجيج استياء اجتماعي جديد، مرجحة أن تشهد البلاد أبطأ انتعاش بين بلدان شمال أفريقيا.
وقالت الوكالة إنّ "العجز المرتفع لموازنة تونس أدى إلى وضع الدين العام على مسار غير مستدام، فيما يمكن أن يؤدي عدم الاستقرار السياسي الحالي إلى تعريض صفقة مع صندوق النقد الدولي للخطر ويفرض تحديات كبيرة".
واعتبرت أنّ الاضطرابات السياسية الأخيرة خلقت في تونس بيئة متعثرة. كذلك خفضت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني تصنيف تونس طويل الأجل لمصدر العملات الأجنبية، من (B) إلى (B-)، مع نظرة مستقبلية سلبية.
وأكدت أن عدم وضوح المشهد السياسي والمعارضة الاجتماعية، يحدان من قدرة الحكومة على سنّ تدابير قوية لضبط أوضاع المالية العمومية.

المساهمون