يتطلّع مناخ الأعمال في تونس إلى الاستفادة من المصالحة الخليجية بعد سنوات من تعثّر استثمارات في البلاد لأسباب اقتصادية وأخرى سياسية. وتسود توقعات أن تكون للمصالحة ارتدادات إيجابية على اقتصاد تونس مع إعادة إحياء مشاريع ضخمة تنتظر الإنجاز منذ سنوات.
ويمثل استقطاب الاستثمارات الكبرى وصفة علاج مهمة لاقتصاد تونس العليل، بحسب البنك الدولي، الذي حثّ سلطات البلاد على المزيد من تنقية مناخ الأعمال وتخفيف تعقيدات الإجراءات الإدارية المنفّرة للمستثمرين.
وقال عضو البرلمان عن دائرة العالم العربي ماهر مذيوب إن المصالحة الخليجية ستنهي حالة الاصطفاف السياسي في تونس وتساعد في تحسين مناخ الأعمال مع دول الخليج التي لها محافظ استثمار مهمة في البلاد. وأكد مذيوب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المصالحة أيضا ستطلق مبادرات الاستثمارات الخليجية في تونس من دون قيود، وستساعد المؤسسات المالية وصناديق الاستثمار على المساهمة أكثر في تمويل مشاريع ضخمة.
وكانت الحكومة التونسية قد تعاقدت خلال السنوات التي سبقت ثورة 2011 مع مستثمرين خليجيين لإنجاز عدد من المشاريع الكبرى، على غرار المرفأ المالي لبيت التمويل الخليجي باستثمارات تقدر بنحو 5 مليارات دولار، وكذلك مشروع مدينة تونس الرياضية الذي تنجزه مجموعة "بوخاطر الإماراتية" بضفاف البحيرة لمدينة تونس باستثمارات حجمها 5 مليارات دولار، والذي شهد تنفيذ المراحل الأولى منه، ومشروع سما دبي، الذي تعطل تنفيذه، فيما تقدر استثماراته بـ25 مليار دولار.
وأشار المسؤول عن وحدة الإحاطة بالمستثمرين الأجانب في وكالة النهوض بالاستثمارات الخارجية حاتم السوسي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاستثمارات الخليجية تحتل موقعا متقدما في خريطة الاستثمارات الأجنبية في تونس، ولا سيما منها القطرية، التي تحتل المرتبة الأولى.
وربط السوسي عودة تدفق الاستثمارات برسائل الطمأنة التي تلقاها المستثمرون الأجانب، الذين عادوا لتنفيذ مشاريع جديدة أو إحياء المشاريع التي لا تزال في شكل نوايا، مؤكدا غياب أرقام رسمية عن حجم نوايا الاستثمارات الخليجية للمرحلة القادمة.
وأشار السوسي إلى أن استقرار الوضع السياسي عامل مهم جداً في عودة تدفق الاستثمارات، لافتاً إلى أن التحسن التدريجي للوضع الأمني سيحفّز المستثمرين أكثر للعودة إلى تونس. وسعت تونس في مخططها الإنمائي 2016/ 2020 إلى دعم الاستثمارات الخليجية وتحقيق جزء من التوافقات المبدئية التي جرت مع عدد من أصحاب الأعمال الخليجيين والتونسيين حول مشاريع استثمارية.
كما قامت السلطات بمساع دبلوماسية لحثّ دول مجلس التعاون والمؤسسات المالية والتمويلية للقيام بدور في فتح المجال أمام تنمية المصالح وإقامة المشاريع المشتركة الخليجية ـ التونسية ومضاعفة حجم الاستثمار الخليجي.
وتتصدر دولة قطر المركز الأول من حيث تدفقات الاستثمارات العربية المباشرة إلى تونس وهي الثانية في حجم الاستثمارات الدولية المباشرة في البلاد، بواقع 16 في المئة، حيث تبلغ قيمة الاستثمارات نحو مليار دولار. ورأى الخبير الاقتصادي خالد النوري أن المصالحة الخليجية ستخفف من الضغوط التي عانت منها دول مجلس التعاون الخليجي والتي تسببت في الإحجام عن الاستثمار الخارجي والاكتفاء بإصلاح الشأن الاقتصادي الداخلي ومعالجة تداعيات الحصار.
وقال النوري في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن المصالحة ستعيد دول الخليج إلى إتمام خططها الاستثمارية في الخارج، متوقعا أن تكون تونس جزءاً من هذه الخطط التي تنفذها الدول الخارجية عبر أذرعها المالية، ولا سيما صناديق الاستثمار.
واعتبر النوري أن تسوية الأوضاع السياسية العالقة بين دول الخليج والذهاب إلى المصالحة الشاملة يقلّصان بشكل كبير من خسائر الدول التي تضررت من الحصار وغلق المجالات الجوية والبحرية، ويعيدان تنشيط حركة السلع.
ولفت إلى أن قطاع التصدير في تونس سيحقق الاستفادة من عودة حركة الطيران بين مختلف دول الخليج، ما يزيد من المبادلات التجارية بينها وبين تونس بكلفة أقل. كذا، قال إن المصالحة الخليجية ستساعد أيضا على إحياء التعاون الفني بين تونس وبلدان مجلس التعاون، التي ستعود إلى طلب اليد العاملة التونسية، معتبرا أن توفير فرص عمل إضافية للتونسيين في دول الخليج يعني زيادة في تحويلات المغتربين.