بدأت الحركة التجارية جنوب تونس تستعيد عافيتها مستفيدة من استقرار ليبيا ودخولها مرحلة المصالحة الشاملة، عقب مصادقة البرلمان على حكومة عبد الحميد الدبيبة، إذ تسجّل مدينة بن قردان الحدودية، ولأول مرة منذ سنوات، نشاطا تجاريا غير مسبوق أنتج حركة سريعة في سوق الصرف الموازية وارتفاع الطلب على الدولار.
وعقب أيام قليلة من تسلّم سلطات ليبيا الرسمية لمهامها، تشكل مشهد تجاري جديد في المناطق الحدودية التونسية التي تعيش أساسا من التجارة البينية مع ليبيا، بفرعيها الرسمي وغير الرسمي.
وقال رئيس المجلس البلدي بمدينة بن قردان، فتحي العبعاب، إن المدينة الحدودية وباقي مدن الجنوب تعيش على وقع المصالحة الليبية، مؤكدا عودة النشاط التجاري في المنطقة إلى مستويات عالية لم تسجّل منذ ثورتي البلدين.
عودة النشاط التجاري في المنطقة الحدودية بين تونس وليبيا إلى مستويات عالية لم تسجّل منذ ثورتي البلدين
وأكد العبعاب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن نسق تدفق السلع ما بين البلدين سريع ومتواتر، مشيرا إلى أن ما بين 300 و400 شاحنة سلع تعبر يوميا من الجانب التونسي نحو السوق الليبية. واعتبر أن كل المؤشرات إيجابية وتنبئ بعودة قوية للعلاقات التجارية بين البلدين في ظرف وجيز.
وأشار العبعاب إلى أن نشاط التجارة أثر سريعا على سعر الصرف في المناطق الحدودية، وذلك بتسجيل زيادة في الطلب على الدولار، وأيضا الدينار الليبي، حيث يتم تداول الـ100 دينار تونسية مقابل 180 دينارا ليبيا، مرجحا أن يتواصل النسق التصاعدي للطلب على العملة نتيجة الحاجة المؤكدة لتوريد السلع من ليبيا، ولا سيما السلع الإلكترونية التي تجد رواجا كبيرا في تونس.
ومنذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عاد اقتصاد جنوب تونس للتنفس مجددا، عقب إعادة فتح التجارة عبر المعابر الحدودية مع ليبيا، بعد 8 أشهر من إغلاقها وتعثّر عمليات التصدير بين البلدين في أكثر من مناسبة لأسباب لوجستية وأخرى أمنية.
غير أن العودة ظلت بطيئة بسبب تواصل القيود التي فرضتها سلطات البلدين على المسافرين في إطار تدابير الوقاية من فيروس كورونا، إلى جانب المخاوف من عدم استكمال مسار المصالحة الليبية.
وتلقي عودة النشاط في المدن الحدودية بظلالها على المنطقة بأكملها، كما تمتد تداعياتها إلى باقي الأسواق التونسية التي تتزود من السوق الرئيسية لمدينة بن قردان.
واعتبر الباحث الاقتصادي، أيمن الوسلاتي، أن ردة الفعل السريعة لسوق الصرف دليل مهم على عودة الحركة التجارية بين البلدين بقوّة، مرجحا أن يتواصل الطلب على الدولار في المنطقة الحدودية خلال الفترة المقبلة لشراء السلع من الجانبين.
توقعات بمواصلة الطلب على الدولار في المنطقة الحدودية خلال الفترة المقبلة لشراء السلع من الجانبين
وأكد الوسلاتي لـ"العربي الجديد" أن سوق الصرف يتفاعل بسرعة مع النسق التجاري في المنطقة بناء على المعطيات الجديدة، وأهمها استقرار الوضع السياسي في ليبيا، مشيرا إلى أن قيمة العملة المحلية ستتأثر بسبب الطلب المتزايد على الدولار عن طريق البنوك أو في السوق السوداء.
وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن ارتفاع سعر صرف الدينار الليبي مقابل الدولار والدينار التونسي بنحو 5 بالمائة في مدة وجيزة، تزامن مع بدء تراجع سعر الدينار في سوق العملة الموازية في بن قردان مقارنة بالسعر الرسمي، حيث يباع الدولار بـ2.88 دينار تونسي مقابل سعر رسمي بـ2.76.
وقال الوسلاتي إن الدينار التونسي حافظ على استقراره مدة أكثر من سنة، رغم جائحة كورونا، مستفيدا من تقلص الطلب على الواردات وضعف الحركة التجارية، فضلا عن مساهمة مكاتب الصرف المنظمة في سحب العملة الصعبة من السوق الموازية.
غير أن عودة الحركة التجارية مع ليبيا ستهبط بقيمة الدينار التونسي مجددا مقابل الدولار والدينار الليبي، وفق تقدير الباحث الاقتصادي، مع إقبال المشترين على مخزون العملة في السوق السوداء.
وسوق الصرف الموازي في مدينة بن قردان أكبر سوق عملة موازي في تونس، حيث يقدر حجم التحويلات اليومية من العملة الصعبة إلى الخارج، انطلاقا من مدينة بن قردان، بأكثر من مليوني دينار.
تستعد حكومة تونس للقيام بزيارة رسمية إلى ليبيا بصحبة وفد من رجال الأعمال لعقد اتفاقات رسمية مع الجانب الليبي
وليبيا هي ثاني شريك اقتصادي لتونس بعد الاتحاد الأوروبي، كما كانت تحويلات قرابة 150 ألف تونسي كانوا يشتغلون في ليبيا تبلغ قبل سنة 2010 نحو 60 مليون دينار تونسي في الشهر.
غير أن السنوات الأخيرة لم تسجل أي تحويلات تذكر وفق بيانات رسمية كشف عنها محافظ البنك المركزي مروان العباسي، الذي دعا القطاع الخاص إلى الاستعداد للفترة القادمة للمساهمة في إعادة الإعمار في ليبيا.
وعلى الصعيد الرسمي، تستعد حكومة تونس، بقيادة هشام المشيشي، للقيام بزيارة رسمية إلى ليبيا بصحبة وفد من رجال الأعمال لعقد اتفاقات رسمية مع الجانب الليبي، وتذليل صعوبات انسياب السلع وحركة الأفراد بين البلدين، ووضع آليات لتشكيل لجنة تونسية - ليبية مشتركة.
وستكون زيارة المشيشي إلى ليبيا ثاني زيارة رفيعة المستوى من تونس لسلطات ليبيا الجديدة بعد زيارة قام بها الرئيس قيس سعيد الأسبوع الماضي.