تونس: المجتمع المدني في مواجهة "كارتل" المصارف

13 مارس 2023
أرباح 12 بنكاً مدرجاً في البورصة بلغت 1.7 مليار دولار العام الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

أطلقت منظمات مدنية تونسية حملة ضد ما وصفته بـ"كارتل المصارف"، بهدف كبح أسعار الفائدة المرتفعة والعمولات المتصاعدة التي تزيد من أعباء المقترضين، بينما تشهد البلاد أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية.

وتراهن المنظمات على تشكيل جبهة ضغط شعبية من أجل إجبار البنوك على تغيير سياساتها تجاه العملاء، وإعادة دورها في تمويل الاقتصاد والأفراد بدلاً من مراكمة الأرباح المغالى فيها.

ويوجد في تونس 23 بنكاً، وهو عدد كبير في دولة يبلغ عدد سكانها نحو 11 مليون نسمة، وتتحكم الدولة في جزء كبير من رأس مال هذه المؤسسات، بالإضافة إلى عدد محدود من العائلات المتنفذة.

ويقول لؤي الشابي، رئيس منظمة "آلارت" التي تقود الحملة الوطنية ضد "الكارتل البنكي"، إن المجتمع المدني مطالب بتشكيل جبهة مضادة لقوة الجهاز المصرفي، لفرض سياسات جديدة تقوم على ضمان حقوق الأفراد والمؤسسات والتمويل من دون شروط مجحفة.

ويؤكد الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المنظمة مستمرة في حملتها مدة ستة أشهر، لتشمل مختلف المحافظات من أجل توسعة دائرة الضغط على الجهاز المصرفي وأصحاب القرار داخل الدوائر المالية.

ويشير إلى أن القطاع المصرفي في تونس أكبر مستفيد من أزمة البلاد الاقتصادية والمالية، بعد انخراطه في تمويل الموازنة العامة للدولة بنسبة فوائد عالية، وهو ما يسمح له بجني أرباح كبيرة. ويضيف: "أضحى لدينا كارتل مصرفي يبسط نفوذه داخل مواقع القرار ويفتك بالقانون".

ورغم استحواذ الدولة على العديد من المؤسسات المصرفية الكبرى (الشركة التونسية للبنك وبنك الإسكان والبنك الفلاحي) إلا أن السيطرة الفعلية على القطاع المصرفي محتكرة من قبل عائلات مهيمنة تتبادل المكاسب وتسيطر على مفاصل الاقتصاد، وهو ما يعرقل خلق الثروة، وفق محللين مصرفيين.

ويقول الخبير المالي محسن حسن، لـ"العربي الجديد"، إن معدل مساهمة البنوك في تمويل الحكومة عبر شراء أذون وسندات الخزانة تجاوز 9 مليارات دينار (2.88 مليار دولار) العام الماضي 2022.

ويضيف حسن أن القطاع المصرفي "يتكسّب من التمويل المضمون للدولة على حساب دوره الأساسي في تمويل المؤسسات والأفراد وتحريك الاستهلاك والاستثمار وتمويل المشروعات".

ويؤكد أن الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة البنكية من قبل البنك المركزي حفزت المصارف على رفع تكاليف الإقراض. وفي 2022، رفع البنك المركزي نسبة الفائدة الرئيسية في ثلاثة مناسبات، آخرها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بزيادة في حدود 75 نقطة أساس (0.75%)، لتستقر عند 8%، وهي الأعلى منذ عقود.

وتنتقد المنظمات المدنية غياب سلطة رقابية فاعلة على القطاع المصرفي، ما يفسر عدم التزام المصارف بالقرارات التي يصدرها البنك المركزي بشأن تحديد قائمة الخدمات المجانية أو نسب العمولة على خدمات أخرى.

ويقول رئيس منظمة "آلارت" إن تشابك العلاقات بين العائلات النافذة اقتصادياً والمالكة البنوك، أو الممثلة في مجالس إدارة المصارف الأكثر ربحاً، يؤهلها لتوجيه السياسة المصرفية لصالحها على حساب العملاء من مودعين ومقترضين ومستثمرين، مضيفا أن غياب المنافسة في القطاع المصرفي أدى إلى تموقع البنوك في وضعية مضرة بالاقتصاد.

وإلى جانب أسعار الفائدة المرتفعة، تواجه البنوك انتقادات واسعة بسبب المغالاة في العمولات التي تحصل عليها نظير تقديم خدمات وعمليات يفترض أن تكون مجانية، على غرار عمليات السحب من ماكينات الصراف الآلي وفتح الحسابات والتحويلات الإلكترونية.

وعام 2021، باشر مجلس المنافسة (هيئة حكومية) في إجراءات جزائية ضد المصارف بسبب فوائد إضافية اقتطعتها البنوك من حسابات العملاء، مقابل تأجيل سداد قروضهم مدة ثلاثة أشهر خلال الفترة الأولى لجائحة فيروس كورونا في إبريل/ نسيان 2020.

ويؤكد محللون في القطاع المالي أن الجهاز المصرفي يكاد يكون القطاع الوحيد الذي يحقق أرباحاً مهمة، بفعل زيادة نشطة في نسبة الفائدة مكنت البنوك من جني أرباح عن قروض جارية حصل عليها التونسيون منذ سنوات.

ويرون أن زيادة نسبة الفائدة تسببت في نقل الثروة من الأشخاص إلى البنوك، وهو ما يفسر ارتفاع أرباح الجهاز المصرفي لسنوات متتالية بنسب كبيرة، بما في ذلك البنوك الحكومية التي خضعت قبل ثلاث سنوات لعملية هيكلة.

في المقابل، تكبل الديون والقروض المصرفية نحو 60% من الأسر التي تخصص 43% من أجورها لسداد الديون، بحسب بيانات حديثة صادرة عن المعهد الوطني للاستهلاك.

ويقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، لـ"العربي الجديد"، إن انخراط البنوك في تمويل الموازنة عبر شراء أذون الخزينة التي تطرحها الدولة مكنها من مراكمة أرباح مهمة خلال السنوات الماضية، غير أن هذا الإقراض يعرض البنوك لمخاطر كبيرة في حال تخلف الدولة عن سداد ديونها الداخلية.

ويفترض أن تسدد الخزينة العامة للدولة هذا العام ديونا للبنوك في شكل أذون خزينة بقيمة 5.8 مليارات دينار، من بينها 3 مليارات دينار في شكل أذون خزينة قصيرة المدى. وبلغت أرباح 12 بنكاً مدرجاً في البورصة نحو 5.3 مليارات دينار (1.7 مليار دولار) العام الماضي، مقابل حوالي 4.7 مليارات دينار في 2021، بزيادة نسبتها 13%.

المساهمون