تتسع في تونس جبهة الرفض للمفاوضات الحكومية مع صندوق النقد الدولي، تزامنا مع بدء اجتماعات بين خبراء المؤسسة المالية ومسؤولين تونسيين بهدف تعبئة موارد لا تقل عن 4 مليارات دولار تحتاجها البلاد لسداد ديون سابقة، وردم فجوات مالية في الموازنة العامة. ويبدي الاتحاد العام التونسي للشغل وأحزاب سياسية ممثلة في البرلمان تشددا من المفاوضات الجديدة مع صندوق النقد الدولي حول برنامج التمويل الذي سيمكن تونس من الخروج للسوق المالية الدولية للحصول على قروض أخرى.
وتتصاعد الانتقادات لسياسة الحكومة وخطة الإصلاح التي تنوي تنفيذها من قبل قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة الأكثر تمثيلية في تونس) التي حذرت من قرارات قد تزيد في إفقار التونسيين، مؤكدة رصّ الصفوف من أجل التصدي لكل القرارات اللاشعبية التي قد تترتب عن توقيع اتفاق القرض المرتقب.
اتحاد الشغل لن يقف صامتا أمام ما تنوي الحكومة فعله وجرّ البلاد نحو الإفلاس والارتهان للخارج
وقال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، سامي الطاهري، إن الاتحاد لن يقف صامتا أمام ما تنوي الحكومة فعله متهما وزير الاقتصاد والمالية التونسي، علي الكعلي، بجرّ البلاد نحو الإفلاس والارتهان للخارج.
وأضاف الطاهري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحكومة تبحث عن حلول لأزمتها المالية في جيوب الفقراء بالذهاب إلى رفع الدعم وتقليص رواتب الموظفين، معلنا الرفض القطعي للاتحاد لأي قرارات من هذا القبيل.
وأكد الطاهري أن الاتحاد رفض التورط في أي قرارات تمس قوت التونسيين، وقدرتهم على مجابهة كلفة المعيشة الباهظة رغم مساعي الحكومة لجرّه إلى المشاركة في المفاوضات مع صندوق النقد، مشيرا إلى أن اتحاد الشغل قدّم للحكومة حزمة حلول عملية لتعبئة الموارد عبر محاصرة النشاط الموازي والمتهربين من الضرائب ممن يراكمون الثروات بخرق القوانين وفق قوله.
السلطات التونسية ترجح التوصل قبل النصف الثاني من العام الجاري إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض بقيمة 4 مليارات دولار
في المقابل، ترجح السلطات التونسية التوصل قبل النصف الثاني من العام الجاري إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات بقيمة 4 مليارات دولار، مقابل تعهد بتنفيذ حزمة إصلاحات من بينها خفض كتلة الأجور من 17.4 بالمائة إلى 15 بالمائة، وتفكيك منظومة الدعم في غضون عام 2024. وتؤكد الحكومة أن الاقتراض من صندوق النقد سيساعد البلاد على الخروج من الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها.
وفي السياق، قال محافظ البنك المركزي، مروان العباسي، أمام البرلمان إنه لا خيار لدى تونس سوى الذهاب إلى صندوق النقد، مطالبا الرافضين لذلك بتقديم البدائل لإنقاذ البلاد المطالبة بسداد قروض خارجية منها مليار دولار خلال شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب القادمين. وأكد العباسي أن البلاد غير قادرة على الخروج للسوق المالية لتعبئة الموارد دون المرور بصندوق النقد.
وكشفت الوثيقة التوجيهية للإصلاحات الاقتصادية التي قدمتها تونس لصندوق النقد أن الحكومة تنوي مواصلة رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء بنسق سريع قبل النصف الثاني من العام الحالي، والاكتفاء بتقديم دعم مالي عن فواتير الكهرباء والغاز لفائدة الفئات الضعيفة التي تستعمل عدادات الجهد المنخفض.
وبيّنت الوثيقة، التي اطلعت "العربي الجديد" على نسخة منها، اعتزام تونس خفض نفقات دعم الطاقة التي بلغت مستويات عالية بسبب التقلب الكبير في الأسعار العالمية للنفط، وتراجع سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية.
أما رئيس لجنة المالية في البرلمان، هيكل المكي، فيؤكد أن جبهة الرفض التي تشكلت في البرلمان لها مبررات بسبب مخاوف جدية من أن تمس الإصلاحات المرتقبة السلم الأهلية للبلاد وسيادتها.
وأكد المكي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الكتل البرلمانية المعارضة لا ترفض الإصلاح الاقتصادي، غير أنها ترفض الذهاب خلسة إلى صندوق النقد من أجل الحصول على أموال سريعة على حساب قوت التونسيين.
ويعتبر المتحدث الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مدنية)، رمضان بن عمر، أن اللجوء المتكرر لتونس للحلول المالية عبر صندوق النقد الدولي زاد الأوضاع سوءا إلى حد أن هذه المرة أصبحت البلاد مهددة بالإفلاس.
وقال بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" إن وصفات الإصلاح التي جرى اعتمادها للحصول على تمويلات الصندوق خلال برامج التعاون السابقة تسببت في التنامي المتصاعد للمديونية العمومية، وإلى ارتهان متزايد لسيادة الوطنية عن طريق الخضوع إلى إملاءات وشروط الصندوق ومختلف المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية.
وتعود تونس إلى الصندوق بعد نحو 5 سنوات من اتفاق القرض الذي وقّعته الحكومة السابقة برئاسة الحبيب الصيد، في مايو/أيار 2016 بقيمة 2.9 مليار دولار، لم تحصل منه البلاد سوى على 1.7 مليار دولار، بسبب تعليق الصندوق للتعاون عام 2019، في ظل الانتخابات المبكرة التي فرضتها وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.