بينما ألغت شركات الطيران أكثر من 7 آلاف رحلة طيران بسبب التفشي السريع للمتحور "أوميكرون" من فيروس كورونا في أنحاء العالم، أثيرت عدة سيناريوهات لمستقبل الطلب العالمي على الطاقة، وبالتالي توجهات أسعار النفط والغاز الطبيعي خلال العام المقبل 2022 الذي بات على الأبواب.
ولكن ليس المتحور الجديد من الوباء، هو الوحيد الذي يثير الغموض في أسواق الطاقة، وإنما كذلك مستقبل المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن التي جرت جولاتها في فيينا.
وحتى الآن تأثير "أوميكرون" على الطلب العالمي على المشتقات النفطية لا يزال في طور المجهول، رغم تداعياته على حركة السفر الجوي العالمي في الأيام الأخيرة، وبالتالي على الطلب الخاص بوقود الطائرات.
ولكن هنالك تفاؤل في عودة الانتعاش للسفر لسببين وفق محللين، وهما أن العالم تعود على التعايش مع متحورات كورونا واستبعاد العودة لإغلاق الاقتصادات مثلما حدث في الربعين الأول والثاني من العام الماضي 2020، والعامل الثاني، فهو أن الآثار الوبائية للمتحور الجديد تبدو ضعيفة حتى الآن وبالتالي من الممكن مقاومتها.
في شأن التوقعات المتفائلة لمستقبل أسعار النفط، يتوقع مصرف "غولدمان ساكس" الأميركي في تحليل أخير، أن تواصل أسعار النفط ارتفاعها في العام المقبل 2022. ولا يستبعد البنك ارتفاع الأسعار إلى 100 دولار لبرميل خام برنت.
في هذا الصدد، قال رئيس وحدة الطاقة في المصرف الأميركي، دايمون كورفيلن في تعليقات لقناة "سي إن بي سي نيوز"، إن ارتفاع سعر خام برنت إلى 100 دولار لا يزال متوقعاً في العام المقبل، مشيرا إلى أن الطلب على الخامات النفطية بلغ أعلى مستوياته في العام الماضي، وأن ما حدث من تراجع في الطلب على المشتقات النفطية الخاصة بوقود الطائرات ربما سيكون طارئاً.
وتوقع كورفيلن أن يستعيد قطاع السفر الجوي انتعاشه، مشيرا في تعليقاته للقناة التلفزيونية، إلى أن تباطؤ الطلب على السفر الجوي حدث بسبب آسيا، ولكننا "نرى أن العديد من الدول التي كانت متشددة في استقبال الرحلات الجوية مثل نيوزيلندا وأستراليا وسنغافورة بدأت في تخفيف قيودها".
وحسب توقعاته، فإن أسعار النفط ربما ستبلغ في المتوسط 85 دولاراً لخام برنت في العام المقبل، ولكن هذا الرقم ربما يرتفع بنحو 5 أو 10 دولارات في حال عودة قطاع السفر والتنقل إلى الانتعاش مجدداً.
من جانبه يتوقع أيضا مصرف "مورغان ستانلي" الاستثماري الأميركي أن تواصل أسعار خام برنت ارتفاعها فوق 90 دولاراً خلال العام المقبل، بسبب الطلب القوي على المشتقات النفطية في الولايات المتحدة وتناقص "الطاقة الفائضة" لدى أوبك.
وكانت الطاقة الفائضة لدى منظمة أوبك تقدر بنحو 2.5 مليون برميل يومياً، وعادة تستخدم هذه الطاقة الفائضة لتغطية النقص الطارئ في المعروض بأسواق النفط العالمية.
وكان قياس أسهم السلع في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" وعلى رأسها الطاقة كشف أنها بلغت أعلى مستوياتها العام الماضي وتفوقت على المؤشرات الأخرى، حيث ارتفعت بنسبة 50% حسب بيانات مجلة " فورتشن" الأميركية.
ومن بين العوامل الأخرى التي ستدعم ارتفاع أسعار الخامات البترولية خلال العام المقبل، تعثر المفاوضات بين واشنطن وطهران حول الملف النووي، التي تجرى في فيينا، عبر وساطة خمس دول، حيث قد تتجه الولايات المتحدة لتشديد الحظر الاقتصادي على طهران وسد ثغرات تصدير النفط الإيراني إلى دول آسيا ومصادرة شحنات الوقود التي ترسلها طهران إلى فنزويلا.
وكان وفد من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية قد زار أبوظبي في الإمارات العربية المتحدة، وينوي زيارة عواصم أخرى من دول الشراكة التجارية مع إيران، لمراقبة مسار تطبيق الحظر الأميركي على إيران، خاصة تصدير الشحنات النفطية والبتروكيماوية.
بينما كانت توقعات سابقة قد اتجهت إلى أن نجاح مفاوضات النووي ستطلق النفط الإيراني إلى أسواق العالم، وهو ما يعني زيادة كبيرة في المعروض النفطي وبالتالي تراجع الأسعار، خاصة أن إيران تواجه أزمات مالية حادة، وربما تعطي حسومات كبيرة على خاماتها، في حال رفع الحظر للحصول على تمويلات سريعة.
وتمكنت طهران بالفعل من زيادة إنتاجها النفطي إلى 4 ملايين برميل، وتصدير أكثر من مليوني برميل يوميا في عام 2015 بعد رفع العقوبات، لكن سرعان ما انخفض تصدير الخام بشكل ملحوظ بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في مايو/ أيار 2018.
وعلى الرغم من أن هناك أملاً ضئيلاً في نجاح المفاوضات، إلا أن مستقبل صادرات النفط الإيراني سيكون لها تأثير على المعروض العالمي من النفط الذي يقترب حالياً من 100 مليون برميل يومياً، حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية. ومن المتوقع أن يعقد ما يعرف بتحالف "أوبك+"، الذي يضم أعضاء منظمة أوبك والمنتجين الكبار من خارجها على رأسهم روسيا، اجتماعه الشهري في 4 يناير/ كانون الثاني المقبل لتحديد ضخ 400 ألف برميل يومياً جديدة إلى سقف الإنتاج الحالي.
ويذكر أن نشرة "ستاندرد آند بورز غلوبال إنتيليجنس" الأميركية قد ذكرت أن "أوبك+" لم تتمكن من إنتاج حصة الزيادة البالغة 104 آلاف برميل في نوفمبر/ تشرين الثاني، وبالتالي فإن تراجع الطاقات الفائضة لدى "أوبك" ربما سيكون من بين العوامل التي ستدعم ارتفاع أسعار النفط في العام المقبل.
لكن هناك عوامل قد تحد من ارتفاع الأسعار، منها معروض النفط الصخري في الولايات المتحدة، إذ تشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى أن إجمالي إنتاج النفط في الولايات المتحدة ارتفع إلى 11.2 مليون برميل يومياً في نهاية العام الجاري بما في ذلك إنتاج النفط الصخري.
ووفق الوكالة الحكومية، فإن إنتاج النفط الصخري ارتفع بنحو 700 ألف برميل يومياً خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري مقارنة بمستواه في نفس الفترة من العام الماضي 2020.
ووفق نشرة "رايستاد" النرويجية، فإن شركات النفط الصخري تمكنت من كسب استثمارات خلال العام الماضي بلغت نحو 60 مليار دولار، كما أن التدفقات على أسهمها وسنداتها شهدت ارتفاعاً خلال العام الجاري، وبالتالي فإن إنتاج الخامات الصخرية سيلعب دوراً مهماً في تحديد سعر النفط خلال العام المقبل، خاصة إذا واصلت الولايات المتحدة النمو الاقتصادي القوي والتحسن في مؤشرات أسواق المال.
وهناك عامل غير مرئي أشار إليه مسؤول أميركي في تعليقات لقناة "سي إن بي سي" قبل شهرين، وهو انخراط الحكومة الأميركية في تحديد مستقبل الأسعار البترولية ومشتقاتها، وهذا العامل يتمثل في استخدام الاحتياط الاستراتيجي النفطي بشكل متكرر لخفض أسعار النفط كلما تطلب الأمر.
وكان موس هو شستين، وهو مسؤول كبير في أمن الطاقة بوزارة الخارجية الأميركية، قد قال أخيرا، إن واشنطن على استعداد لضخ مزيد من النفط كلما دعت الحاجة لذلك عبر آلية الصفقات التبادلية مع الشركات والتجار.
وأضاف شستين، لقناة "سي إن بي سي" الأميركية، ردا على سؤال حول استخدام نفط الاحتياط الاستراتيجي في المستقبل وعما إذا كانت إدارة الرئيس جو بايدن ستطلق كميات في المستقبل: "بالتأكيد، هذه آلية متوفرة لدينا وستكون متاحة لنا مرة بعد أخرى".
وعلى الرغم من تركيز الخبراء على توقعات سعر الخامات النفطية على العرض والطلب العالمي، فإن هناك عوامل أخرى ربما ستكون أكثر تأثيراً، مثل البؤر الجيوسياسة الملتهبة في العالم والتي يمكن أن تؤثر على مسار تدفقات النفط إلى الأسواق عبر البحار والمضايق المائية مثلما هو حادث الآن في اليمن والبحر الأحمر وبحر الصين الجنوبي وتايوان وأزمة الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا التي ربما ستؤثر على صادرات النفط الروسية.