كارلوس كاريلو توديلا: أضرار الأزمة الأوكرانية على الاقتصاد العالمي قد تتجاوز الجائحة

13 ابريل 2022
كارلوس كاريلو توديلا (العربي الجديد)
+ الخط -

أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة إسيكس Essex بالمملكة المتحدة، كارلوس كاريلو توديلا، أن العقاب الأنسب لروسيا هو منعها من الهروب عبر الباب الخلفي من خلال تقييد حصولها على دعم الصين لتفادي العقوبات الأوروبية والأميركية.
ولفت توديلا في مقابلة مع "العربي الجديد" إلى أن تأثير الحرب القائمة قد يكون أكبر بكثير من تداعيات جائحة كورونا على الاقتصادين الأوروبي والعالمي.

وشدد توديلا على أن الصراع الحالي وخطر الحرب الباردة بين روسيا والغرب في ظل التضخم المتزايد أديا إلى انخفاض توقعات النمو بشكل عام. لذا يبقى السؤال هنا: ما نوع التدابير السياسية التي يمكن اعتمادها لتخفيف تأثير الأزمة التي تلوح في الأفق، علما بأنه يجب أن تساعد السياسة النقدية الأكثر تشددًا (زيادة أسعار الفائدة) في تخفيف ارتفاع التضخم؟

وردا على سؤال حول مدى قدرة قرارات رفع سعر الفائدة الأميركية على مكافحة التضخم الجامح في الولايات المتحدة قال كارلوس كاريلو توديلا إنه من الصعب الجزم بأن رفع الفائدة سيكون إيجابيا في معالجة التضخم مع وجود الكثير من العوامل المتغيرة، فاقتصادات العالم تخرج من وضع خاص للغاية فرضته جائحة كورونا، حيث إن الاقتصاد العالمي محموم مع ارتفاع الطلب الكلي وارتفاع التكاليف، وخاصة النفط والغاز، واضطرابات النقل ونقص العمالة، وبالتالي تلك المعطيات تخلق ضغوطا تضخمية.

وإلى نص حوار "العربي الجديد" مع أستاذ الاقتصاد بجامعة إسيكس Essex بالمملكة المتحدة:

 

*ما هو تأثير الغزو الروسي على الاقتصادين الأوروبي والعالمي؟
أعتقد أن لعدم اليقين الذي فرضته جائحة كورونا التأثير نفسه الذي يعيشه العالم وأوروبا الآن بسبب ما يفرضه الغزو الروسي الحالي لأوكرانيا، وبالتالي سيكون المستثمرون أكثر حذرا عند قيامهم بأي نوع جديد من الاستثمار، ما سيؤثر سلبا على التعافي الاقتصادي بعد الوباء. على نفس المنوال، سوف يتأثر المستهلكون بنفس القدر في أوروبا، كونهم أكثر حذرًا في خطط الإنفاق الخاصة بهم، خصوصاً في ضوء أزمة تكلفة المعيشة التي تعاني منها بعض الاقتصاديات الأوروبية.

وبالتالي، فإن هذا الصراع الحالي وخطر الحرب الباردة بين روسيا والغرب في ظل التضخم المتزايد قد أديا إلى انخفاض توقعات النمو بشكل عام. لذا يبقى السؤال هنا: ما نوع التدابير السياسية التي يمكن اعتمادها لتخفيف تأثير الأزمة التي تلوح في الأفق، علما بأنه يجب أن تساعد السياسة النقدية الأكثر تشددًا (زيادة أسعار الفائدة) في تخفيف ارتفاع التضخم؟

*ماذا لو حظرت روسيا نقل الغاز إلى أوروبا؟
بالتأكيد إجراء مثل ذلك سوف يسبب الكثير من المشاكل في الاتحاد الأوروبي الذي يستورد من روسيا حوالي 30 إلى 35 في المائة من الغاز والنفط، وبالتالي لا يمكن استبدال هاتين السلعتين بسهولة على المدى القصير.

وقد أدى ذلك إلى قيام العديد من الدول الأوروبية بالبحث عن مزودين آخرين وبدء التخزين من أجل الشتاء القادم، إلا أن تخلي دول أوروبا عن مصادر الطاقة الروسية سيتم على المديين المتوسط والطويل، خاصة مع الاستجابة الواضحة للتعامل مع هذه الأزمة من خلال زيادة الاستثمار بالطاقة المتجددة أو النووية، والتي تعد أخبارًا جيدة لأن أزمة تغير المناخ تتطلب ذلك.

 

*ما هي بدائل الاتحاد الأوروبي لتعويض مصادر الطاقة القادمة من روسيا؟ وهل أوروبا قادرة على التخلي بشكل كلي عن مصادر الطاقة الروسية؟
لا أعرف ما إذا كانت الدول الأوروبية ستتخلى تمامًا عن اعتمادها على النفط والغاز الروسيين، لكن نجاح ذلك يعتمد على مدى القدرة على استبدال مصادر الطاقة التقليدية الحالية بمصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية. بالإضافة إلى ذلك، سيعتمد نجاح التخلي التام عن روسيا على البحث عن أسواق أخرى من حيث شراء هذه السلع من الطاقة، ويبدو أن تعميق العلاقات الاقتصادية مع الشرق الأوسط خيار واضح لتوسيع العرض. لاحِظ أيضًا أن الاقتصاد الأميركي هو منتج رئيسي للطاقة ومستعد للمساعدة في تخفيف الأزمة بأوروبا.

*ماذا عن الوسائل الاقتصادية الأخرى للضغط على روسيا؟
أعتقد أنهم مستمرون في ذلك، لقد وضعوا قيودًا مالية كبيرة، على سبيل المثال استبعاد روسيا من نظام المدفوعات السريع وتجميد أصول الأوليغارشية الروسية (رجال الأعمال الروس)، لكن لا يزال بإمكانهم فعل المزيد بشأن هذه الأمور.
ومع ذلك، تؤثر تلك الإجراءات على دول الاتحاد الأوروبي المختلفة بنسب مختلفة، وبالتالي يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى التوصل لتوافق في الآراء بشأن أفضل السبل للمضي قدمًا. لكني أعتقد أن القضية الكبيرة التالية لخنق روسيا هي تجنيبهم الهروب عبر الباب الخلفي، حيث يخشى الكثيرون أن الصين ودولاً أخرى صديقة لنظام بوتين قد تعمل على دعم روسيا للصمود أمام العقوبات المفروضة، لذا فإن مفتاح تلك القضية يكمن في أن يتمّ التركيز الرئيسي الآن على منع هذا الأمر من الحدوث.

*إبقاء البنك المركزي الأوروبي على أسعار الفائدة في ظل ارتفاع التضخم هل يُعدّ أمرا صحيحا؟ وهل زيادة سعر الفائدة قادرة على معالجة التضخم في ظل التداعيات السلبية على الاقتصاد العالمي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا؟
من الصعب الجزم بأن رفع الفائدة سيكون إيجابيا في معالجة التضخم مع وجود الكثير من العوامل المتغيرة، فاقتصادات العالم تخرج من وضع خاص للغاية فرضته جائحة كورونا، حيث إن الاقتصاد العالمي محموم مع ارتفاع الطلب الكلي وارتفاع التكاليف، وخاصة النفط والغاز، واضطرابات النقل ونقص العمالة، وبالتالي تلك المعطيات تخلق ضغوطا تضخمية.
ولكن يبقى السؤال الآن: ما هي المجموعة الصحيحة من السياسات اللازمة لمعالجة الاقتصاد المحموم وخفض التضخم إلى مستويات ما قبل الوباء؟ من الصعب التكهن في الوقت الحالي بالنظر إلى أن الغزو الروسي قد خلق الكثير من عدم اليقين، وبالتالي أعتقد أنه سيتعين علينا الانتظار. ولكن في حال رفع البنك المركزي الأوروبي الفائدة، أعتقد أنهم سيبدأون في رفع أسعار الفائدة ببطء، وأتوقع أن تكون تلك الزيادات الصغيرة بنسبة 0.25 في المائة، لكني سأكون مندهشا جدا إذا ذهب البنك الأوروبي لأكثر من 1%.


*هل صحيح أن تأثيرات الحرب الحالية على الاقتصاد العالمي قد تفوق خسائر وباء كورونا؟
أعتقد أن جائحة كورونا ستستمر تداعياتها على الاقتصادات لنحو سنتين إلى 3 سنوات، في حين أن الصراع الأوكراني-الروسي لديه القدرة على تغيير العالم لسنوات عديدة أخرى، حيث إنه من المحتمل أن يكون تأثير الغزو الروسي مضاعفا لتداعيات كورونا. جوانب من جائحة كورونا غيرت طريقة عملنا هيكليا؛ على سبيل المثال، أرباب العمل أصبحوا أكثر استعدادًا لتنفيذ مخططات العمل من المنزل ولعبت دورا سلبيا كبيرا في اقتصاداتنا، إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيحدث تغييرًا أكثر جذرية في الطريقة التي نواجه بها المستقبل، وأعتقد أنه من المحتمل أن يؤدي إلى تغيير طويل الأمد.
ولكن يجب أن نعلم أننا نواجه موقفا صعبا للغاية، فتداعيات كل من كورونا والغزو الروسي حلقتان متداخلتان في نفس الوقت وتتغذيان من بعضهما البعض، ما يعني أنه سيكون من الصعب للغاية فك الارتباط بينهما.

*في ظل توافد اللاجئين الأوكرانيين إلى أوروبا، هل الاقتصاد الأوروبي يتحمل مزيدا من الضغوطات مع وجود وفود من اللاجئين من دول أخرى؟
أعتقد أن معظم الأوكرانيين الذين ينتقلون إلى الغرب يريدون العمل ومواصلة حياتهم الطبيعية، وبالتالي أرى أنهم سيكونون مساهمين بشكل جيد في الاقتصادات المستقبلة لهم، فضلا عن أن الأوكرانيين يشتركون مع البلدان الأوروبية الأخرى في نفس طريقة الحياة. وذلك يعني أن الاستيعاب لن يكون مشكلة كبيرة، ربما تكون اللغة هي العائق الوحيد.
ولكن دول أوروبا الشرقية مثل بولندا والمجر، بطبيعة الحال، سيشكل تدفق المهاجرين عليها ضغطًا كبيرًا على مستوى الخدمات الاجتماعية. ومع ذلك، لدي انطباع بأن تدفق اللاجئين الأوكرانيين سيكون مقبولاً بشكل جيد وسيعود الكثير منهم إلى أوكرانيا عندما ينتهي الصراع.

المساهمون