ظل المستثمرون الأجانب ومنظمات أرباب العمل الأجنبية ينادون بإلغاء "الإذن المُسبق" المفروض من طرف السلطات الجزائرية على طالبي الاستثمار في البلاد، والذي كان يشكل عائقا "إداريا" بالنسبة لهم. ووجدت هذه المطالب آذاناً صاغية لدى الحكومة الجزائرية، التي قررت رفع هذا الشرط عن رؤوس الأموال القادمة من الخارج في قانون الاستثمار الجديد.
إلا أن "الإذن المسبق" لا يزال مفروضا على المستثمرين المحليين، أي الجزائريين، بل أضافت الحكومة سلطات إدارية جديدة لديها صلاحية أكبر في قبول طلبات الاستثمار أو رفضها، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد. يقول كمال غبريني، وهو مستثمر ومالك مصنع مشروبات غازية، لـ"العربي الجديد"، إن "الجزائر هي من بين الدول القليلة في العالم التي يحتاج فيها أي شخص يريد خلق ثروة ومناصب شغلٍ إلى أن يطلب الإذن المسبق، بحيث ينتظر عدة أشهر من دون أن يكون متأكدا من الحصول عليه".
"في الجزائر يجب على المستثمرين الذين يريدون إقامة أي مشروع، إبلاغ "المجلس الوطني للاستثمار" إذا كان المشروع في القطاع الخاص، وإذا كان المشروع بالشراكة مع القطاع العام، يجب على المستثمرين إبلاغ "مجلس مساهمات الدولة"، وكل هذا المسار يترتب عليه ملف يفوق محتواه 100 ورقة و5 خبرات تقنية وبنكية"، يضيف المستثمر الجزائري.
وتم إنشاء المجلسين من أجل تسهيل عمليات الاستثمار وإزالة العقبات "البيروقراطية" وتحرير "المشاريع المجمدة" لأسباب سياسية، كون المجلسين يخضعان لقوة القانون ولصلاحيات رئيس الوزراء الذي يترأس "مجلس مساهمات الدولة "، إلا أنهما تحولا مع مرور السنوات إلى عقبة إدارية بالنسبة لرجال الأعمال.
الملفات بدأت بالتراكم على طاولة المجلس الوطني للاستثمار ومجلس مساهمات الدولة، حسب الخبير الاقتصادي مبارك سراي، الذي يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "الكثير من المستثمرين فضلوا التخلي عن مشاريعهم، لأن تضييع الوقت تترتب عليه خسائر مالية بالنسبة لهم، فالمستثمر الذي يتحصل على الإذن المسبق بعد عامين من وضع ملف الاستثمار، عليه إعادة دراسة مشروعه وتحيينه مع المعطيات الاقتصادية والمالية التي تتغير في فترة الانتظار".
ويلفت المتحدث ذاته إلى أن "قيمة الدينار تنهار مع مرور الوقت، وأسعار المواد ترتفع، كذلك كلفة اليد العاملة، وعليه يفضل الكثيرون التخلي عن مشاريعهم التي ظلت حبيسة أدراج المجلس الوطني للاستثمار".
ورغم دق منظمات أرباب العمل الجزائرية ناقوس الخطر من تعاظم مظاهر "البيروقراطية" في البلاد، إلا أن الحكومة الجزائرية تبقى ساكنة وترفض تحرير الاستثمار أمام القطاع الخاص، عكس الخطاب الرسمي المروج لدعم الاستثمارات الخالقة للثروة ولمناصب الشغل، في سياق تحرير الاقتصاد الجزائري من التبعية لعائدات النفط ودفع النمو الاقتصادي لمواجهة الأزمة الاقتصادية.
وفي السياق، ترى رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية سعيدة نغزى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مؤسسات الدولة مغلقة ولا تستمع إلا للأصوات القادمة من الأعلى ولا تستمع للأصوات القادمة من الأسفل، ويجب توقيف هذه "الانتقائية" في المعاملة بين المستثمرين الأجانب والجزائريين، وحتى بين المستثمرين الجزائريين أنفسهم.
وتتابع أن "هناك من يستفيد من التسهيلات لأنه مقرب من دائرة الحكم، وهناك آخرون ينتظرون لسنوات من أجل أخذ ورقة يحررون بها مشاريعهم"، وتتساءل سيدة الأعمال بالقول "إلى متى تبقى المشاريع الاقتصادية حبيسة الإداريين والسياسيين؟".
ويفسر الخبير الاقتصادي جمال نور الدين تعنت الحكومة الجزائرية في تحرير الاقتصاد من قبضتها بوجود أسباب سياسية محضة، فالسلطة في الجزائر، حسب المتحدث نفسه، "تريد التحكم في حجم الاستثمارات الخاصة بسبب الرهانات السياسية، فهي تريد التحكم في رجال الأعمال الجزائريين تحسبا لأي استحقاق محتمل، وللأسف الجزائر هي الخاسر الوحيد من هذه البيروقراطية الخانقة والمُضيعة للمال والوقت".
ويستشهد الخبير الاقتصادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بحالة رجل أعمال جزائري، من أكبر رجال الأعمال عربياً وأفريقياً، "الذي ظلت مشاريعه حبيسة الملفات ومجمدة بسبب تعنت الإدارة في منحه الضوء الأخضر، وذلك بعد رفضه دعم ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للعهدتين الرئاسيتين الثالثة والرابعة، واليوم الشيء نفسه يتكرر مع النظام الحالي الذي فضل معارضته". وحسب آخر الأرقام الصادرة عن الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، فإن 2200 مشروع لم يتم إنجازها في السنوات الثلاث الأخيرة، بالإضافة إلى 610 مشاريع تم التخلي عنها في الفترة نفسها. وكان آخر تقرير صادر عن مؤشر مناخ الأعمال في العالم "دوينغ بيزنس" قد صنف الجزائر في المرتبة 162 من إجمالي 189 دولة من ناحية جاذبية الاستثمارات، متراجعة بذلك تسع مراتب إلى الوراء مقارنة بالتقرير السابق.