تقرير أممي يرسم صورة متشائمة حول الوضع الاقتصادي العالمي

13 يناير 2022
الأمم المتحدة تصدر تقريرها السنوي "الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه 2022" (Getty)
+ الخط -

قال خبير اقتصادي كبير في الأمم المتحدة لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ "أزمة كورونا عرّت الفروقات الجندرية والاجتماعية والاقتصادية، ولكنها تشكّل فرصة لكي نعيد تصميم سياسات الحماية الاجتماعية".

وأضاف "يجب أن تكون هناك سياسات مختلفة لسوق العمل والحماية الاجتماعية تستجيب للاحتياجات المختلفة، وللتأكد أنه يمكننا حماية الشرائح الأكثر ضعفاً"، موضحاً أنّه "لم يلحق الذين تمكنوا من العمل من بيوتهم خلال الجائحة ضرر بشكل كبير، ولكن الكثير من العاملين في الخطوط الأمامية لم تكن عندهم تلك المزايا".

وجاءت تصريحات حميد راشد، رئيس فرع مراقبة الاقتصاد العالمي في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابع للأمم المتحدة، خلال مؤتمر صحافي عقده بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، بمناسبة صدور تقرير الأمم المتحدة السنوي تحت عنوان "الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه 2022"، والذي جاء في أكثر من مئتي صفحة.

ويرسم التقرير صورة متشائمة حول الوضع الاقتصادي العالمي وآفاق الانتعاش الاقتصادي للعام الحالي، ويرصد التحديات المستمرة التي يشهدها العالم واقتصاداته، من بينها موجات جديدة من إصابات كورونا، وصعوبات في سوق العمل، ناهيك عن صعوبات مستمرة في سلسلة التوريد، وضغوطات متزايدة في نسبة التضخم.

ويتوقع التقرير، أن يحقق الاقتصاد العالمي نمواً في الناتج بنسبة 4% خلال العام الحالي، و3.5% في عام 2023، مقابل 5.5% عام 2021.

وشدد التقرير على أنّ الانتعاش القوي الذي شهده العالم العام الماضي كان أعلى معدل نمو منذ أكثر من أربعة عقود، وأشار إلى أنه نتج عن عدد من العوامل من بينها إنفاق استهلاكي قوي، وبعض الزيادة في الاستثمارات، مع تجاوز التجارة في السلع مستويات ما قبل الوباء.

ولفت التقرير الانتباه إلى أنّ ذلك الزخم من النمو شهد تباطؤاً بشكل كبير بحلول نهاية عام 2021، لا سيما في الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث بدأت آثار المحفزات النقدية والمالية في التراجع كما استمرت اضطرابات رئيسية في سلسلة التوريد.

ويحذر التقرير من الضغوطات التي يشكلها التضخم المتزايد على العديد من الاقتصادات، وفرضه مخاطر إضافية على الانتعاش.

غوتيريس يدعو إلى سياسات "منسقة بشكل أفضل"

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بمناسبة صدور التقرير، الدول إلى اتخاذ سياسات وتدابير مالية "مستهدفة ومنسقة بشكل أفضل" على الصعيدين الوطني والدولي.

وقال "حان الوقت الآن لسد فجوات عدم المساواة داخل البلدان وفيما بينها، إذا عملنا في تضامن - كأسرة بشرية واحدة - يمكننا أن نجعل عام 2022 عاماً حقيقياً للتعافي للناس والاقتصادات على حدٍ سواء".

ومن جهته، حذر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، ليو زينمين، من احتمال زيادة الخسائر البشرية والاقتصادية في ظل استمرار موجات جديدة من عدوى فيروس كورونا. وقال "إذا لم يتبع نهج دولي لاحتواء وباء كورونا يشمل إتاحة اللقاحات للجميع، فسيظل الوباء يشكل أكبر خطر على الانتعاش الشامل والمستدام للاقتصاد العالمي".

وتوقع التقرير أن تبقى مستويات التوظيف دون نسبتها ما قبل الجائحة خلال العامين المقبلين وربما حتى ما بعدها، ويشير في هذا السياق إلى انخفاض مستوى العمالة في الولايات المتحدة وأوروبا إلى مستويات متدنية تاريخياً، حيث لم يعد إلى سوق العمل الكثير ممن فقدوا عملهم أو تركوا سوق العمل أثناء الجائحة.

ويلفت الانتباه إلى أن النقص في الأيدي العاملة في الاقتصادات المتقدمة يزيد من التحديات التي تشهدها سلسلة التوريد كما الضغوطات على التضخم. في المقابل "لا يزال نمو العمالة في البلدان النامية ضعيفاً، في خضم عدم إحراز تقدم ملموس في نسبة التطعيم وإنفاق محدود على التحفيز. من المتوقع أن تشهد أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وغرب آسيا انتعاشاً بطيئًا في الوظائف"، وفق التقرير.

ويشير التقرير إلي أنّ وتيرة خلق فرص العمل "بطيئة بدرجة لا تعوض الخسائر التي تم تسجليها". ويتوقع أنّ ضعف الانتعاش الوظيفي، سيعني أنّ نسبة الأشخاص حول العالم الذين يعيشون في فقر مدقع أعلى من مستويات ما قبل انتشار الجائحة. ويتوقع أن تكون الاقتصادات الأكثر ضعفاً أكثر تضرراً حيث يتوقع أن تستمر نسبة الفقر المدقع بالارتفاع في القارة الأفريقية خلال العام المقبل.

وتوقع التقرير أن يبقى مستوى الانتعاش الاقتصاد الكامل خلال السنوات القادمة، بعيد المنال للكثيرين في البلدان النامية، مما سيؤدي إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة، ويحول دون التقدم تجاه تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030 كما التصدي لتحديات التغيير المناخي. وفي المقابل، توقع التقرير أن يتعافى إجمالي الناتج المحلي للفرد في الاقتصادات المتقدمة، ويعود لمستويات ما قبل الجائحة وبشكل كامل تقريباً بحلول عام 2023.

النساء أكثر الشرائح الاجتماعية المتضررة

ويشير التقرير إلى أنّ النساء هن أكثر الشرائح الاجتماعية المتضررة. حيث عانين وخاصة في البلدان النامية، من ارتفاع في نسبة البطالة، علاوة على ذلك، يؤدي التعافي غير المتكافئ للعمالة والدخل بين مختلف شرائح المجتمع إلى تفاقم عدم المساواة داخل البلد الواحد. وينبه التقرير إلى ضرورة دعم العمل المنزلي غير المدفوع، بما في ذلك رعاية الأطفال حيث يشكل ذلك أمراً ذا أهمية لمساعدة النساء على العودة لسوق العمل.

ورداً على سؤال إضافي لـ "العربي الجديد" في نيويورك حول الفروقات الجندرية والطبقية التي عرّتها وفاقمتها الجائحة، قال حميد راشد "هناك بعض التفاوتات الهيكلية، وعدم مساواة بين الجنسين لا يمكن تجاهلها بعد الآن. عانت الفئات الأضعف أكثر من غيرها نتيجة الوباء، وغالباً ما تعاني النساء والشباب في هذا السياق أكثر من غيرهم لأنّ لديهم في الغالب مهارات أقل، مما يزيد من المعوقات أمامهم للعودة والدخول إلى سوق العمل. كما أنّ هناك ضغوطات على النساء وتوقعات إضافية تلقى على عاتقهم من جانب الأسرة.".

ويؤكد أنّ هذه العوامل لعبت دوراً أثناء الجائحة وخلال الفترة القادمة. ولاحظ أنّ هناك العديد من الدول في أوروبا التي قدّمت دعما ًللنساء والأمهات اللواتي يعتنين بأطفالهن، وهو ما قامت به الولايات المتحدة كذلك عن طريق تسهيلات ضريبية ومحفزات أخرى و"لكن لفترة محدودة".

وأضاف "إذا كان على الشخص أن يدفع خمسة دولارات مثلاً لتوفير الحضانة لطفله ولكن أجره ستة دولارات في الساعة، فإنه لن يتمكّن من فعل ذلك وهذا تحد هيكلي في النظام تواجهه النساء خاصة، ويعني أنه لا يمكنهن العودة لسوق العمل".

وشدد على أنّ "هناك فرصة أمام الحكومات لإعادة هيكلة سياساتها وتقديم حماية أكبر للفئات الأضعف، وإلا فإنّ العواقب ستكون وخيمة على الجميع".

المساهمون