استمع إلى الملخص
- **العقوبات الدولية وتأثيرها على إسرائيل**: العقوبات الأميركية والأوروبية وطلبات المحكمة الجنائية الدولية أثرت سلباً على الاستثمارات، وسحبت شركات دعمها، واستُبعدت إسرائيل من معرض يوروساتوري، وقطعت تركيا وبوليفيا وكولومبيا علاقاتها.
- **تغيرات جيوسياسية وديموغرافية تؤثر على دعم إسرائيل**: التحولات تشير إلى تراجع الدعم لإسرائيل مع توجه القوة الاقتصادية نحو آسيا وتعاطف الأجيال الشابة في الغرب مع الفلسطينيين، مما يعزز عزلة إسرائيل الاقتصادية والسياسية بحلول 2050.
لم تعد دعاية "المعجزة الاقتصادية الإسرائيلية" تنطلي على خبراء الاقتصاد، حتى الإسرائيليين منهم. الكتابات الأكاديمية تغص بالآراء المنتقدة لدعاية التفوق الاقتصادي الإسرائيلي من جهة والآراء المدافعة عنها من جهة أخرى، إلا أن الحرب الأخيرة على غزة تعد الأقوى من حيث كشف هشاشة التفوق المزعوم، والأعنف من حيث العزل الاقتصادي والثقافي والأكاديمي لإسرائيل خلال الثلاثين عاماً الماضية، أي منذ الفورة في القطاع التكنولوجي في مطلع التسعينيات وتوقيع اتفاقية أوسلو التي طمأنت المستثمرين وزادت تدفق التمويلات.
وفي انقلاب مذهل، تحولت إسرائيل من تدفق صافٍ لـ 1100 مليونير في عام 2022 إلى تدفق صافٍ لنحو 200 مليونير في عام 2023. "ويؤكد هذا التحول الزلزالي مدى السرعة التي يمكن بها للصراع أن يفكك جاذبية أي دولة لأثرياء العالم وحركتها العالمية" وفق تقرير شركة هنلي إند بارتنرز السنوي المتعلق بهجرة المليونيرات حول العالم، والذي نشر في يونيو/ حزيران الماضي. حيث إن "الحرب الدائرة لم تحطم صورة إسرائيل باعتبارها ملاذاً آمناً فحسب، بل هددت أيضاً بإلقاء ظلالها على إنجازاتها الاقتصادية".
اهتزاز الثقة بالاقتصاد الإسرائيلي لا يتوقف عند الشركات الغربية، فقد تم تسجيل زيادة مذهلة بنسبة 232% في استفسارات الهجرة الاستثمارية من الإسرائيليين في عام 2023، ذلك أن "عدم الاستقرار السياسي، وتآكل المعايير الديمقراطية، والاضطرابات الاجتماعية، والصراعات المستمرة من شأنها أن تؤدي بسرعة إلى إبطال سمعة أي دولة اكتسبتها بشق الأنفس باعتبارها وجهة جذابة للأثرياء والموهوبين في العالم"، وفق تعبير هنلي إند بارتنرز.
سقوط هالة القدسية الدولية عن إسرائيل واقتصادها، عززته العقوبات الأميركية والأوروبية ضد عدد من المستوطنين والكيانات الإسرائيلية المساهمة في خرق معاهدات حقوق الإنسان والتنكيل بالفلسطينيين وتعزيز الاستيطان. يضاف إلى ذلك إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، تقديم طلبات إلى المحكمة لاستصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة ضد الإنسانية في غزة في الدعوى التي قادتها جنوب أفريقيا وأعلن العديد من الدول الانضمام إليها، بالتزامن مع الحركة الطلابية الضخمة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وكندا وبريطانيا وغيرها من الدول المناهضة للإبادة.
إذ إنه لا شك أن أسطورة الدولة المظلومة المحاطة بالإرهابيين، والتي كانت أساس البروباغندا التي امتدت لسنوات طويلة، تشوّهت عند عتبة غزة، بعدما مزقتها مشاهد قتل 40 ألف بشري، غالبيتهم من المدنيين ونصفهم من الأطفال، وبعد التجويع المتعمد لملايين الفلسطينيين عبر منع وصول المساعدات عنهم، والتنكيل بالأسرى وقصف المستشفيات والمدارس.
وانعكست الصحوة الدولية سحباً للعديد من الاستثمارات من إسرائيل، ضمنها الأكاديمية والثقافية والمالية، وصولاً إلى تنصل العديد من الشركات، خاصة الأميركية منها، من المواقف المباشرة الداعمة لإسرائيل بعد تأثير المقاطعة المتنامية دولياً على إيراداتها بشكل ملحوظ. هكذا، جهدت العديد من الشركات، الأميركية منها خاصة، ضمناً ستاربكس وماكدونالدز وبيتزا هت وغيرها، في إصدار بيانات تنفي دعم إسرائيل، لا بل أن ماكدونالدز، مثلاً، أعلنت في شهر إبريل/نيسان عن استرجاع الامتياز التجاري الممنوح لرجل الأعمال الإسرائيلي عمري بادان منذ أكثر من 30 عاماً، وذلك لتقوم بإدارة فروع الشركة في إسرائيل بنفسها، بعدما قدم فرعها هناك وجبات مجانية لجنود إسرائيليين.
وقد تم استبعاد إسرائيل في مايو/ أيار الماضي من معرض يوروساتوري وهو أكبر معرض دولي للدفاع والأمن البري والجوي، بسبب الحرب في غزة، بينما أعلنت تركيا عن حظر تجاري كامل مع إسرائيل، فيما قطعت كل من بوليفيا وكولومبيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. وقد دعت أكثر من 200 منظمة غير حكومية حول العالم، إلى تعليق فوري لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والتي تمنح تل أبيب امتيازات في السوق الأوروبية، حيث تقضي المادة الثانية من الاتفاقية باحترام إسرائيل لحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية. ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، إذ بلغ حجم التجارة بينهما 46.8 مليار يورو في 2022.
وإن كان الدعم الأميركي لإسرائيل منذ الحرب العالمية الثانية وصل إلى أكثر من 260 مليار دولار، إلا أن هذه المساعدات التي استخدمها الرئيس جو بايدن أخيراً للضغط على إسرائيل فيما يتعلق بالهجوم على رفح، تتجه نحو التناقص، وتشكيل هذه المساعدات 16.5% من ميزانية الدفاع الإسرائيلية، أي حوالي 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، ليس سوى ثغرة في التمادي بالتبعية ذات المخاطر الاقتصادية العالية، أكثر منه مصدر قوة.
ويسعى كل من نتنياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش إقناع الإسرائيليين بأن أزمة الثقة التي تضرب إسرائيل واقتصادها مرحلية ومرتبطة بأمد الحرب، إلا أن مؤسسة "روسّي" البريطانية البحثية للدفاع والأمن، تعتبر أن "الضرر الذي لحق بسمعة إسرائيل ينبع مما هو أبعد من العنف الأخير، ومن المرجح أن يزداد سوءاً على المدى الطويل بسبب التحولات الديموغرافية والجيوسياسية". فعلى مدى العقود المقبلة ستتحول القوة الجيوسياسية بشكل جوهري نحو البلدان التي تتبنى حكوماتها أو شعوبها وجهة نظر مناهضة لإسرائيل، كما أنه في الغرب، أصبحت الأجيال الشابة أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين، حيث يشير استطلاع للرأي أجراه مركز بيو في مارس/آذار 2023 إلى أن 56% من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، لديهم وجهة نظر غير مواتية لإسرائيل، على النقيض من آراء الأجيال الأكبر سنًا الأكثر إيجابية. وينطبق الحال ذاته على غالبية البلدان الأوروبية.
من جهة أخرى، بحلول عام 2050، ستكون الصين والهند في مرتبة أعلى من الولايات المتحدة بوصفهما أكبر اقتصادين في العالم (مقاسين بالناتج المحلي الإجمالي عند تعادل القوة الشرائية)، وفقاً لشركة برايس ووتر هاوس كوبرز. وستقفز إندونيسيا من المركز الثامن إلى المركز الرابع، وتركيا من المركز الرابع عشر إلى المركز الحادي عشر، وستدخل نيجيريا ومصر وباكستان المراكز العشرين الأولى، وستتراجع كل دولة غربية أو حليفة لإسرائيل في التصنيف. ويتوقع بنك الاستثمار غولدمان أن يتحول وزن الناتج المحلي الإجمالي العالمي نحو آسيا على مدى السنوات الثلاثين المقبلة.
بذا، مستقبل الاقتصاد العالمي لا يميل إلى كفة دعم إسرائيل، وصورتها المشوهة اليوم، قد تكون بداية لأزمة عزلة أكثر عمقاً، وأشد عصفاً في تفكيك خرافة المعجزات.