أبدى محللون اقتصاديون تفاؤلهم بتوحيد "مصرف ليبيا المركزي" في مؤسسة واحدة يكون لها دور إيجابي في تحسين الوضع المعيشي ومستوى خدمات عملاء المصارف التجارية، فضلاً عن حل أزمة شح السيولة وإتمام المقاصة الإلكترونية. لكن ثمة مخاوف تنبعث من رحم هذا التفاؤل.
فقد تخوف بعض المحللين من العودة إلى نقطة الصفر نظراً لتكرار مساعي التوحيد بين قطبي المركزي سنة 2021، ولكنها بقيت دعوات عبر وسائل إعلامية دون وجودها على الأرض، ويشير آخر إلى أن التوحيد لتقاسم الأموال بين حكومتين ومكمل لدور اللجنة المالية العليا التي شكلها المجلس الرئاسي.
المحلل الاقتصادي عادل المقرحي أثنى على الخطوات التي اتخذها المصرف المركزي بشأن التوحيد، وقال لـ"العربي الجديد" إن هناك نتائج إيجابية، منها احتواء التضخم ومعالجة عرض النقود وكذلك ضخ أموال بالمصارف التجارية من أجل تحريك عجلة الاقتصاد.
وقال إن الخطوة الأساسية هي تفعيل أدوات السياسة النقدية، مؤكداً أن الأمر يحتاج إلى وقت بشأن أرصدة الحسابات المصرفية وتوحيد إدارة الرقابة على المصارف.
بدوره، لفت المحلل المالي محمود سالم لـ"العربي الجديد" إلى أن هناك معضلة في الإنفاق العام على حكومتين ستكون له آثار سلبية على البلاد في ظل الإنفاق المنفلت، نظراً لعدم وجود موازنة عامة.
وأضاف أن العملة المطبوعة في روسيا كيف ستتم معالجتها أو سحبها من التداول وما هي الآليات المطروحة وكذلك المقاصة الإلكترونية بين مصارف الشرق والغرب.
ويتساءل أستاذ الاقتصاد في الجامعات الليبية عمر زرموح حول الجديد من إعلان مصرف المركزي بشأن التوحيد، وقال إن المشهد يتكرر مرة أخرى ففي سنة 2021 اتفق المحافظ ونائبه عن توحيد مصرف ليبيا المركزي وحتى أغسطس/ آب 2023، لم يحدث شيء ولم يتم الإعلان عن استكمال توحيد المصرف المركزي.
بدوره، قال المحلل الاقتصادي حسين البوعيشي لـ"العربي الجديد" إن عودة مصرف ليبيا المركزي لمؤسسة سيادية واحدة سوف يكون له أثر إيجابي على مؤسسات الدولة وسهولة التعامل المصرفي فضلاً، عن معرفة حقيقة الإيرادات والمصروفات، بما يسهم في مبدأ الإفصاح والشفافية.
كذلك رحّبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أمس الأحد، بالإعلان عن الانتهاء من إعادة توحيد المصرف المركزي. وأشادت في بيان باتخاذ "محافظ مصرف ليبيا المركزي الصادق الكبير، ونائبه مرعي مفتاح رحيل، الإجراءات المعلنة بهدف استكمال عملية إعادة توحيد المصرف، والتزامهما بمعالجة الآثار التي لحقت بهذه المؤسسة جراء الانقسام".
وأعربت عن أملها في أن "تساعد عملية إعادة توحيد مصرف ليبيا على إعطاء زخم جديد لجهود توحيد جميع المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية، تلبية لتطلعات الشعب الليبي منذ مدة طويلة".
وفي وقت سابق، أعلن المصرف المركزي عودته إلى مؤسسة سيادية واحدة، بعد انقسام بدأ عام 2014، مؤكداً معالجة آثار انقسامه.
وكانت بداية الانقسام للمصرف الليبي المركزي حدثت في عام 2014، عقب انقسام البلاد بين حكومتين وبرلمانين، في الغرب والشرق، تبع ذلك انقساماً داخل إدارة المصرف المركزي، حيث انتقلت مجموعة من أعضاء مجلس الإدارة وكونت مصرفاً موازياً في مدينة البيضاء شرق البلاد.
وتقدر قيمة أوراق النقد التي حصلت على موافقة جمركية روسية في السنوات الماضية بلغت نحو 10.8 مليارات دينار، حتى نهاية عام 2019 وفي يوليو/ تموز 2021، قدمت شركة ديلويث الاستشارية للمراجعة المالية تقريراً نهائياً بعد الاطلاع على الوضع المالي لكن من فرعي المصرف بطرابلس والبيضاء.
وركز تقرير "ديلويت" على ضرورة إصلاح وتحسين عملية إصدار خطابات الاعتماد والحاجة الضوابط الداخلية الفعالة، مع التوصل إلى اتفاق مبدئي على تدابير قصيرة الأجل ومعالجة مشكلات السيولة والراصدة المصرفية بشرق البلاد وحل مشكلة مقاصة "الشيكات" البرنامج الكامل لتوحيد مركزي طرابلس والبيضاء عبر عدة مراحل وإعادة تقييم التوحيد وإعادة الهيكلة والإشراف المصرفي، وفقا لتقرير لجنة الخبراء بمجلس الأمن في يونيو/ حزيران 2022.
وبلغ حجم المقاصة اليدوية ودائعها بقيمة 43 مليار دينار، إضافة إلى قفل المنظومة المصرفية بلغت 642 ألف صك بحجم 23 مليار دينار مع تحفظ المصارف بالمنطقة الشرقية على أرصدتها وعدم قدرتها على استخدام تلك الحسابات لدى المركزي بطرابلس خلال السنوات السابقة.
يذكر أن المصرف المركزي في طرابلس هو المعترف به دولياً، ويتسلم جميع إيرادات الدولة ومنوط به طباعة النقود. ويأتي ذلك الانقسام المالي في ظل صراعات السلطة، وتعول ليبيا على توحيد المؤسسة النقدية في ظل وجود محافظين للمصرف المركزي.
وفقاً لتقرير خبراء للأمم المتحدة أرسل إلى مجلس الأمن الدولي في ديسمبر/ كانون الأول 2020، سلمت شركة "فوزناك" الروسية بين عامي 2016 و2018 البنك المركزي الموازي في البيضاء، شرقي ليبيا، أوراقاً نقدية ليبية تعادل قيمتها 7.11 مليارات دولار، فيما بلغت قيمة أوراق النقد التي حصلت على موافقة جمركية روسية نحو 10.8 مليارات دينار.
وكشف تقرير للأمم المتحدة أن مصرف ليبيا المركزي في البيضاء وصرفت الحكومة المؤقتة الموازية شرقي البلاد، 50 مليار دينار خارج الموازنة العامة 2015 ومنذ سنوات، ترعى بعثة الأمم المتحدة حواراً اقتصادياً يهدف إلى توحيد المؤسسات المنقسمة، وعلى رأسها المصرف المركزي الذي توقفت قبل نحو عام مساعي توحيده.
الجامعة العربية ترحب بإعلان إعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي
من جهتها، رحّبت جامعة الدول العربية اليوم، بالإعلان عن إعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي من قبل المحافظ في طرابلس ونائبه في بنغازي، بعد نحو عقد من الانقسام، وعبّرت في بيان عن تطلعها لأن تنعكس هذه الخطوة إيجاباً على الاقتصاد والواقع المعاش للمواطنين الليبيين في مختلف أنحاء البلاد.
وذكر المتحدث باسم الأمين العام جمال رشدي أن الجامعة تأمل أن تمثل هذه الخطوة المهمة حافزاً لتوحيد بقية مؤسسات الدولة الليبية، التي عانت كثيراً جراء انقسامها على مدار سنوات، وأن يضع هذا التطور نهاية لمسألة شفافية وعدالة توزيع عائدات الثروة الوطنية، التي لطالما شكلت نقطة خلاف جوهرية بين الأطراف السياسية الفاعلة.
وأشار إلى أهمية أن يكون هذا الإعلان بمثابة خطوة مشجعة لجميع الفاعلين في ليبيا، لتنشيط العملية السياسية، والمضي بها قدماً نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المنتظرة، وذلك وفق قوانين انتخابية تضمن امتثال وقبول الجميع لنتائجها لاحقاً، وبما يفرز مؤسسات حكم وطنية ليبية موحدة.