يتفق معظم الأتراك على أن "ولاية أنطاليا" هي كلمة سر السياحة في تركيا وليست عاصمتها فقط، فهي الأكثر جذباً كل عام والأكثر استقطاباً للاستثمار السياحي، وليس من المبالغة القول إنها تنافس حتى إسطنبول بالسمعة الخارجية، فهي الولاية التي استعصت على عامي كورونا ولم يتوقف تدفق السياح إلى فنادقها وشواطئها ومعالمها السياحية.
الخبير في قطاع السياحة محمد أصلان يقول لـ"العربي الجديد" إن من أهم عوامل الجذب بأنطاليا "خصوصيتها السياحية"، فهي أنموذج روسي أوروبي أكثر من كونه تركياً، ففيها استثمارات روسية كثيرة ولا ينقطع عنها الروس والأوروبيون، خلال انتشار وباء كورونا أو حتى خلال القطيعة وشبه التصادم بين أنقرة وموسكو عام 2015، إذ رأينا أول طائرة حطت في تركيا بعد التوتر عام 2015 اتجهت نحو أنطاليا".
ولكن لماذا أنطاليا؟ يضيف الخبير التركي لأنها تتمتع بجميع مقومات السياحة ولجميع الفئات والشرائح العمرية، ففيها شواطئ تعد من أجمل شواطئ العالم وأكثرها حرية، مثل "كونيالتي"، وفيها فنادق فخمة وبأسعار متفاوتة تناسب معظم السياح، كما تتمتع أنطاليا بمناظر طبيعية مدهشة، مثل شلالات عدة أشهرها "دودان"، ومناظر وأماكن سياحة صنعية مثل "أكواريوم أنطاليا" الذي يعدّ أكبر حوض أسماك في أوروبا.
وحتى بالنسبة لشريحة السياح كبار السن أو الساعين للتاريخ، ففيها المدينة القديمة و"كاليتشي"، كما لا تفتقر أنطاليا إلى مقومات وعوامل جذب السياحة الشتوية، ففيها مواقع التزلج والتلفريك ووادي "كوبرولو".
وأضفت أنطاليا بشكل خاص على بقية الولايات التركية الساحلية عوامل جذب أخرى، مثل شواطئ العلامات الزرقاء، بل إن أنطاليا هي الأولى عالمياً بوجود الشواطئ ذات الراية الزرقاء، فمن أصل 463 شاطئاً في تركيا حصلت على العلامة، حصدت أنطاليا 202 منها. والراية الزرقاء هي علامة بيئية تمنحها مؤسسة التعليم البيئي العالمية غير الحكومية (FEE) للشواطئ والموانئ التي تستوفي معايير معينة مثل جودة الماء، والإعلام والتّثقيف البيئي، والإدارة والسلامة البيئية. ويلفت الخبير التركي إلى أن ولاية أنطاليا الأولى تركياً التي طبقت شروط السياحة الآمنة خلال فترة كورونا.
ويبيّن أصلان أن أنطاليا جذبت عام 2019، قبل تفشي وباء كورونا، أكثر من 15.5 مليون سائح، منهم 5.5 ملايين روسي، لكن تلك الأعداد تراجعت العام الماضي إلى نحو 3.5 ملايين سائح، منهم 1.5 مليون روسي، والآمال على النصف الثاني من هذا العام، بعد تراجع الوباء وتدفق سياح من 129 دولة إلى أنطاليا خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، ووصل عدد السياح خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري إلى أكثر من 445 ألف سائح، منهم نحو 300 ألف روسي.
وزادت آمال تركيا، بعد إلغاء الحظر وبدء استقبال السياح، على عائدات السياحة، ومن أنطاليا بشكل خاص، بعد أن منيت بخسائر سياحية كبيرة خلال العام الماضي، بعد تراجع إيرادات السياحة إلى 12.5 مليار دولار، واستمرار التراجع خلال الربع الأول من العام الجاري بنحو 41%، ولم تزد عائدات السياحة، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، عن 2.4 مليار دولار.
ويقول المدير العام لشركة الخدمات "فرابورت تاف" العاملة في مطار أنطاليا، بيلجيهان يلماز، إن انخفاض عدد حالات الإصابات الواضح في تركيا ساهم في زيادة عدد الزوار الأجانب الملحوظ، وتوجد زيادة كبيرة في عدد القادمين إلى تركيا من ألمانيا وأوكرانيا وبولندا، موضحاً، خلال تصريحات صحافية، أن مطار أنطاليا يستقبل حاليا رحلات جوية من 25 دولة و64 وجهة مختلفة حول العالم"، وصل 120 ألف مسافر إلى مطار أنطاليا خلال الأيام الـ8 الأخيرة، وما يقارب 825 ألف مسافر أجنبي منذ مطلع العام الحالي".
وأرجع يلماز إقبال السياح الأجانب على زيارة تركيا إلى تطبيقها الصارم لبرنامج شهادة السياحة الآمنة، الذي يفرض مجموعة من التدابير الصحية المتعلقة بحفظ سلامة المواطنين والزوار الأجانب على حد سواء، للوقاية من خطر تفشي الكورونا.
ويرى العامل في القطاع السياحي إبراهيم سينكي أن بلاده ستستعيد ألقها السياحي خلال النصف الثاني من هذا العام، ولا يستبعد خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" زيادة عدد السياح عن 30 مليوناً. وكان توقع مسؤولون سابقاً استقبال البلاد 34 مليون سائح أجنبي، بعوائد تصل إلى 23 مليار دولار، خلال الموسم السياحي لعام 2021.
ويضيف سينكي أن برنامج السياحة الآمنة الذي طبقته تركيا "بصرامة" وتراجع سعر صرف الدولار "الدولار 8.4 ليرات" يجعلان من بلاده قبلة للسياح من جميع أنحاء العالم، بما فيها شرق آسيا وأفريقيا، بعد برامج الترويج التي قامت بها تركيا عامي 2018 و2019، وذلك فضلاً عن السياح العرب بواقع مؤشرات تحسن العلاقات مع دول الخليج، بالإضافة إلى الأوروبيين والروس أولاً، ما يعني، برأي التركي سينكي، عودة الآمال باستقطاب 75 مليون سائح خلال مئوية تأسيس الدولة عام 2023، وتحقيق عائدات تزيد عن 60 مليار دولار.
وحول الآمال المعلقة على أنطاليا، يقول المتخصص التركي إن أنطاليا هي مؤشر السياحة التركية، والجهود الحكومية منصبة عليها وعلى إسطنبول، لتوفير كل شروط ومقومات السياحة الخالية من أية مخاطر، بل وزيادة الشركات شعار "من المطار إلى المطار" مشيراً بهذا الصدد، إلى انتقاء أنطاليا لاستضافة المنتدى الدبلوماسي الدولي، لتعريف العالم على ما حققته الولاية من جذب وأمان.
وبحسب وسائل إعلامية تركية، تستضيف ولاية أنطاليا، يوم الجمعة المقبل 18 حزيران/ يونيو، منتدى دبلوماسياً يشارك فيه زعماء ومسؤولون رفيعو المستوى من مختلف دول العالم، في خطوة ستشكّل فرصة للترويج لسياحة الولاية التي تعد عاصمة السياحة التركية.
ومن المقرر أن يعقد المنتدى الدولي في الفترة بين 18 و20 يونيو/ حزيران الجاري، بمشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته مولود جاووش أوغلو، إلى جانب زعماء ووزراء خارجية، ورؤساء حكومات، وممثلي منظمات إقليمية ودولية، ورجال أعمال وقادة رأي.
ويعتبر داوود تشتين، رئيس غرفة تجارة وصناعة أنطاليا، الولاية التي سبق أن استضافت قمة مجموعة العشرين عام 2015، أن المنتدى الدبلوماسي سيساهم في التعريف بتركيا وعاصمتها السياحية أنطاليا، مؤكداً خلال تصريحات صحافية على حرص مسؤولي المدينة على استغلال هذه الفرصة بشكل جيد من أجل التعريف بأنطاليا، وتعزيز قيمتها السياحية حول العالم.
بدوره، قال أولكاي أتمجه، رئيس جمعية أصحاب الفنادق المحترفة، إنهم عززوا تدابيرهم الوقائية ضد فيروس كورونا، لاستقبال الزوار والضيوف في أنطاليا من مختلف مناطق العالم.
كما أشار رجب ياووز، رئيس مجموعة عمل سياحية في أنطاليا، إلى أهمية قرار الساسة حول العالم في توجيه القطاع السياحي، مشدداً على أن قدوم السياسيين من مختلف الدول إلى أنطاليا لحضور المنتدى الدبلوماسي سيساهم بدور كبير في التعريف بأنطاليا، وجذب المزيد من الزوار إليها.