تضخم أوروبي قياسي في 19 دولة وأزمة الطاقة تهز النموذج الاقتصادي الألماني

29 يوليو 2022
تحديات كبيرة تعترض سياسات البنك المركزي الأوروبي للجم موجة الغلاء (فرانس برس)
+ الخط -

مستوى قياسي جديد سجلته هذا الشهر معدلات التضخم في الدول الأوروبية التي تستخدم عملة اليورو، مدفوعا بارتفاع أسعار الطاقة وجزئيا بالحرب الروسية في أوكرانيا، فيما بدأت أزمة الطاقة تهز بقوة النموذج الاقتصادي الألماني.

وارتفع التضخم السنوي في دول منطقة اليورو الـ19 إلى 8.9% في يوليو/تموز، بارتفاع من 8.6% في يونيو/ حزيران، وفقا لأحدث الأرقام التي نشرها يوم الجمعة مكتب الإحصاءات الأوروبي، علما أن التضخم يسجل أعلى مستوى له منذ عام 1997، عندما بدأ حفظ الأرقام القياسية لليورو، بحسب رويترز.

وارتفعت أسعار الطاقة بنسبة 39.7%، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية 9.8% والسلع الأخرى 4.5%.

ومع ذلك، أظهرت البيانات اليوم الجمعة، أن الاقتصاد في أوروبا أظهر مرونة مفاجئة في مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، حيث عززت السياحة فرنسا وإسبانيا، في حين أن ألمانيا قوة التصدير تبدو معطلة.

وبيّن المكتب التابع للاتحاد الأوروبي أن النمو في منطقة اليورو التي تضم 19 دولة بلغ 0.7% في الربع الثاني، أقوى بكثير مما توقعه المحللون. وقال يوروستات إن هذا التسارع في النمو عن الربع السابق جاء على الرغم من ارتفاع التضخم الذي وصل إلى مستوى قياسي جديد بلغ 8.9% في يوليو/تموز.

أعلى تضخم في إسبانيا منذ 38 عاماً

وأظهرت بيانات رسمية، الجمعة، أن التضخم في إسبانيا في يوليو/تموز بلغ أعلى مستوى له في 38 عاما، مدفوعا بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.

وقال المعهد الوطني للإحصاء في بيان، إن أسعار المستهلكين ارتفعت بنسبة 10.8% على أساس سنوي هذا الشهر، ارتفاعا من 10.2% في يونيو/حزيران وأسرع معدل منذ سبتمبر/أيلول 1984.

ومثل معظم جيرانها الأوروبيين، تكافح إسبانيا ارتفاعا غير مسبوق في التضخم نتيجة التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا وإعادة فتح الاقتصادات بعد إغلاقات كورونا.

الحكومة التي تتوقع أن يتباطأ التضخم إلى حد ما في النصف الثاني من العام، لكنه يظل مرتفعا كشفت عن سلسلة من الإجراءات لمساعدة الأسر والشركات على التعامل مع أزمة تكلفة المعيشة، مثل دعم الوقود وانخفاض ضرائب الكهرباء.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وبحسب رئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو سانشيز، تشمل الإجراءات 30 مليار يورو (31 مليار دولار)، أو 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا.

أزمة الطاقة تهز بقوة النموذج الاقتصادي الألماني

هذا ودفع ركود النمو الألماني في الربع الثاني المحللين في جميع المجالات إلى توقع حدوث ركود، حيث أصبحت التوقعات غائمة بسبب التهديد بوقف إمدادات الغاز الروسي.
لكن ليس النمو وحده هو الذي يتعثر عند 0% بين إبريل/نيسان ويونيو/حزيران، فالنموذج الاقتصادي الألماني بأكمله أصبح موضع تساؤل من قبل الخبراء.

نهاية الطاقة الرخيصة في ألمانيا

الخبير الاقتصادي في بنك ING كارستن برزيسكي قال: "تضع الحرب في أوكرانيا حدا لنموذج الأعمال الاقتصادية الألماني كما عرفناه - وهو نموذج يعتمد بشكل أساسي على واردات الطاقة الرخيصة والصادرات الصناعية إلى عالم يزداد عولمة".

والغاز الروسي أقل تكلفة في الإنتاج والنقل، مع انخفاض الأسعار في العقود طويلة الأجل. ساهم لعقود في الازدهار الاقتصادي لألمانيا، فيما الصناعة تستهلك 30% من الغاز المحترق في ألمانيا. وقبل الحرب، كان أكثر من نصف إجمالي الإمدادات تأتي من روسيا، وهو رقم انخفض إلى 35% بحلول بداية يونيو/حزيران.

ولفطم نفسها تماما عن الغاز الروسي، تتطلع ألمانيا إلى أبعد من ذلك عن الإمدادات الجديدة، بما في ذلك شحنات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر، فضلا عن الانتقال بسرعة أكبر إلى توليد الكهرباء المتجددة.

ألمانيا في خضم أزمة عولمة اقتصادية

وقالت صحيفة Sueddeutsche اليومية في وقت سابق من هذا الشهر: "كدولة مصدرة، استفادت ألمانيا بشكل غير متناسب من التجارة الحرة. ولكن هذا هو بالضبط ما هو الآن في خطر".

وأظهرت جائحة كورونا وحرب أوكرانيا نقاط ضعف الاقتصادات المفتوحة، حيث انقلبت سلاسل التوريد وأصبحت المكونات الرئيسية نادرة. كانت ألمانيا من بين أكثر الدول تعرضا للمشاكل اللوجستية خلال العامين الماضيين.

كما أن اعتماد ألمانيا على الصين يثير قلق السياسيين في برلين. فقد قال وزير المالية الليبرالي كريستيان ليندنر في إبريل/نيسان، إن العلاقات القوية بين ألمانيا والصين "ليست صحية"، علما أن بكين هي الشريك التجاري الأول لألمانيا، حيث توسعت التجارة بين البلدين مرة أخرى بنسبة 15.1% في عام 2021.

وقالت الخبيرة الاقتصادية كلوديا كيمفرت لوكالة فرانس برس: "من المحتمل أن تكون مخاطرة جديدة". وقالت إنه في حين أن الخطر كان أقل حدة من الاعتماد على روسيا، إلا أنه يلزم عمل المزيد "للتركيز على الاقتصاد المحلي وبناء المرونة".

صدمة التضخم تنال من اقتصاد ألمانيا

وبعد سنوات من النمو الهزيل، عاد التضخم بقوة إلى الاتحاد الأوروبي. وفي ألمانيا، تثقل ذكرى التضخم المفرط على غرار عشرينيات القرن الماضي النقاش العام. وإلى جانب هذه الكتلة النفسية، فإن الهوس باستقرار الأسعار يضمن "صناعة تنافسية وأمة من المدخرين"، وفقا لتقرير صدر أخيرا عن مؤسسة فكرية فرنسية تُدعى OFCE.

وأدى ارتفاع الأسعار إلى زيادة الاضطرابات العمالية في ألمانيا، إذ شهد يوليو/تموز أطول إضراب صناعي في الموانئ الألمانية منذ 40 عاما ويوما من الإضرابات من قبل العاملين على الأرض في لوفتهانزا.

وقبل المفاوضات التي من المقرر أن تبدأ في سبتمبر/ايلول، تطالب نقابة IG Metall القوية بزيادة الأجور بنسبة 8% لـ3.8 ملايين عامل في مختلف القطاعات الصناعية، وهو أكبر طلب للأجور منذ عام 2008.

نقص موظفين يقوّض نشاط الاقتصاد الألماني

وقد طغت الحرب في أوكرانيا على نقص العمال المهرة، وهو يمثل مشكلة رئيسية للصناعة الألمانية.

بالإضافة إلى مليون وظيفة شاغرة تم الإعلان عنها بالفعل، قال رئيس مركز أبحاث DIW في برلين مارسيل فراتزشر: "ستحتاج ألمانيا إلى 500 ألف موظف إضافي كل عام على مدى السنوات العشر القادمة"، مشيرا إلى أن النقص المحتمل يمثل "خطرا على تنافسية البلاد وازدهارها".

ودق مورد السيارات "كونتيننتال" ناقوس الخطر في يوليو/تموز، قائلا إن النقص "يهدد مستقبل الاقتصاد الألماني"، الذي "يحتاج بشكل عاجل إلى مراقبة الهجرة".

وهم مكابح الديون في ألمانيا

إن العودة إلى قواعد الميزانية الصارمة في ألمانيا في عام 2023 بعد توقف دام 3 سنوات بسبب الوباء هو هدف رئيسي لوزير المالية ليندنر. وقال برزيسكي من "آي إن جي إن" إن الهدف "مذهل بقدر ما هو غير واقعي".

وتستعد ألمانيا مرة أخرى لإنفاق المليارات لدعم الأسر خلال أزمة الطاقة القادمة واستثمار مبالغ ضخمة في التحول إلى الطاقة المتجددة.

وقال برزيسكي: "ستحتاج ألمانيا إلى الوقت والمال" لتنفيذ "الاستثمار والتغيير الهيكلي كما هو محدد وملتزم كما طالبت من دول منطقة اليورو الأخرى في الماضي".

المساهمون