أظهرت قرارات حكومية صدرت أخيراً في الجزائر، خاصة تلك التي اتخذتها وزارة التجارة، وجود تداخل في الصلاحيات القطاعية بين الوزارات وغياب لافت للتشاور الحكومي، وبرزت إشارات واضحة تؤكد وجود خلل في التنسيق بين الوزراء بشأن بعض القرارات التي تتخذ، خاصة من طرف وزارة التجارة، ويكون لها تأثير مباشرة على أنشطة تتبع قطاعات حيوية أخرى.
إذ بعد وزارة الصناعات الصيدلانية، أعلنت وزارة الصيد البحري إعفاء موردي التجهيزات الخاصة بالصيد والعمل البحري من قرار كانت اتخذته وزارة التجارة، يقضي بإلزام موردي السلع والبضائع من الخارج، والموجهة للبيع على حالتها تلك، الحصول على وثيقة توطين بنكي من هيئة التجارة الخارجية، قبل السماح لها بتوريدها.
والقرار الأخير قد يتسبب في تعطيل وصول مواد أساسية يحتاجها الصيادون في عملهم، خاصة مع دخول موسم الصيف، ومع معاناة الصيادين من الندرة في الكثير من المواد المستعملة في الصيد وقطع غيار المراكب، بالإضافة إلى توقف عدد من المصانع عن العمل بسبب نقص المواد الأولية الموردة من الخارج.
وقبل أيام أعلنت وزارة الزراعة إعفاء كافة المتعاملين المستوردين للمواد الفلاحية ذات الأصل النباتي والحيواني من تقديم الوثيقة الصادرة عن الوكالة الوطنية لترقية الصادرات ضمن الملف الموجه للتوطين البنك.
ويخصّ الإعفاء مستوردي المدخلات الفلاحية كالبذور والشتلات ومواد الصحة النباتية الخاصة بالاستعمال الفلاحي وعتاد الري وكذلك الحيوانات الحية وأغذية الأنعام والأدوية ومواد الصحة الحيوانية الموجهة للبيع على الحالة.
واعتبرت أن القرار يدخل في إطار الاستراتيجية الرامية لتطوير وتنويع الاقتصاد الوطني من خلال ضمان توفير تلك المواد الأولية الأساسية في الوقت المناسب للفلاحين، خاصة مع بدء موسم الحصاد وتحسباً لموسم الحرث اللاحق.
وفي وقت سابق كانت الحكومة الجزائرية قد سارعت الى استثناء واردات الأدوية والتجهيزات الطبية من بعض الاجراءات الاستباقية التي كانت فرضتها وزارة التجارة على الموردين، بشأن إلزامية الحصول المسبق على وثيقة توطين بنكي، قبل أي إدخال للبضائع الموردة الى الجزائر.
واتخذت الحكومة هذا القرار لمنع حدوث أي تأخر في واردات بعض الأدوية والتجهيزات الطبية الحساسة، وتجنب أية أزمة في بعض الأدوية الموردة من الخارج، وضمان وفرة المواد الصيدلانية والمستلزمات الطبية.
تخبط حكومي
ووصف المحلل الاقتصادي مراد ملاح هذه التضارب في البيانات بين القطاعات الوزارية في الجزائر بأنه "تراشق بين وزارات البلد، بحيث وصل الأمر إلى تنصل وزارات من قرارات وزارات أخرى، وهذا يقودنا إلى التساؤل عن دور رئيس الحكومة، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة جدية في آلية اتخاذ قرارات تمس قطاعات حيوية، حتى وإن كان عنوانها الأبرز الحفاظ على المالية العامة ودعم الإنتاج الوطني".
واعتبر أن القرارات الأخيرة لوزارة التجارة وما أعقبها من تنصل وزارات أخرى، يظهر وضع تخبط حكومي، وغياب التنسيق حكومي والتشاور والتقدير الجيد للشأن العام".
في السياق، يتخوف بعض المحليين الاقتصاديين من أن تحدث أزمة حقيقية في الأدوات المدرسية في حال تمسك وزارة التجارة بتطبيق قرارها حول الواردات، حيث سيؤدي إلى تأخير عمليات شراء وشحن الأدوات المدرسية الموردة من الصين، بسبب طول فترة وصولها إلى الجزائر، في مقابل عدم كفاية الإنتاج المحلي الذي ما زال بعيداً عن تغطية الحاجيات المحلية لسبعة ملايين تلميذ متمدرس.
وطالب خبراء ومختصون في مجال السياسات العامة بضرورة العودة إلى استحداث وزارة التخطيط، لتعزيز التدبير الحكيم للسياسات العمومية.
وقال المحلل والباحث في الشؤون الاقتصادية عبد المجيد سجال في تصريح لـ "العربي الجديد" إن "هناك تخبطاً واضحاً في القرارات، وفي التنسيق بين القطاعات الوزارية، والمشكل برأيي هو أبعد من مجرد التنسيق العملي، بل يتعلق بغياب وزارة للتخطيط، تكون مهمتها رسم السياسات وإدارة عملية التنسيق بين الوزارات، عن طريق وضع نموذج لاتخاذ القرار، يستند إلى بحوث عملية وهو أسلوب الجدوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للقرارات".
وتزامنت هذه التطورات مع تصاعد المطالبات السياسية الموجهة إلى الرئيس عبد المجيد تبون لإجراء تعديل حكومي واستبعاد وزير التجارة كمال رزيق وعدد من الوزراء الذين تعتبرهم الأحزاب السياسية أخفقوا في إدارة القطاعات الوزارية.