تصاعد الرِّشى في تونس وسط ضعف الرواتب: انتعاش "الفساد الصغير"

07 أكتوبر 2022
القطاع الأمني بالمرتبة الأولى للرشوة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

فجرت مقاطع فيديو عن تلقي عون " رجل" شرطة رشوة مالية من مواطنة مقابل فسخ مخالفة مرورية ارتكبتها، جدلاً مطولاً في تونس عن تنامي مظاهر الارتشاء والفساد من صغار الموظفين، وسط تحذيرات من توسع هذه الممارسات، بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.

وكشف مقطع الفيديو الذي جرى تداوله بكثافة على شبكات التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، شرطياً يتلقى مبلغاً مالياً من مواطنة بدلاً من تحرير مخالفة في حقها، كان يفترض أن تدفع بموجبها غرامة مالية لدى الجهة المختصة التابعة لوزارة المالية.
ويحذر خبراء اقتصاد ودراسات حديثة من تنامى ظواهر الفساد الصغير في تونس، مدفوعة بالأزمة المعيشية التي تتصاعد، ما يدفع الموظفين إلى قبول رِشى وعمولات مقابل تسيير خدمات لصالح المواطنين.
وأظهرت دراسة تحليلية حول الفساد الصغير في تونس أنجزتها الجمعية التونسية للمراقبين العموميين، نُشرت في فبراير/ شباط 2022 أن 19 في المائة من التونسيين (1.5 مليون تونسي) دفعوا رشى عام 2020.
وكشفت الدراسة أن قيمة الرشى التي دفعها التونسيون تقدر بـ570 مليون دينار (الدولار = نحو 3.3 دنانير) لتسجل ارتفاعاً بنسبة 21 في المائة مقارنة بما جرى تسجيله في دراسة أنجزت سنة 2014.
وفي هذ السياق، يقول الخبير في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد شرف الدين اليعقوبي، إن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتدهور القدرة الإنفاقية للموظفين ليست إلا سبباً من مجموعة أسباب أدت إلى تنامي الفساد الصغير في تونس.

ويضيف اليعقوبي لـ"العربي الجديد" أن السلطة التقديرية التي تمنحها القوانين لبعض الموظفين وغياب الحوكمة والمراقبة وسياسة الإفلات من العقاب تشرع الأبواب على مصراعيها أمام الفساد ودفع الرشى وتنامي مثل هذه المظاهر التي تشكل خطراً على اقتصاديات البلدان.
وأكد الخبير في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد أن ضعف الرواتب، وتراجع القدرة الإنفاقية للموظفين لا يبرر الفساد، مشيراً إلى أن تعديل الأجور أو زيادتها لن يحد من ظاهرة الرشى التي تتحول إلى نوع من الثقافة الاجتماعية.
واعتبر أن مكافحة الفساد وكبح الرشى يحتاج إلى الحد من أنظمة الرخص والممارسات الإدارية التي تعطي سلطات تقديرية موسعة للموظفين العموميين.
لكن المتحدث أشار أيضاً إلى أن الفساد والرشى ليسا حكراً على موظفي القطاع الحكومي، بل إن أغلب هذه الممارسات تمارس في القطاع الخاص، حيث أظهرت الدراسة أن مهن القطاع الخاص المعنية أكثر بالفساد الصغير هي أصحاب المؤسسات بـ 40 في المائة، والفلاحون 41 في المائة، والإطارات (الكوادر الوظيفية) المتوسطة في القطاع الخاص بـ32 في المائة.
في المقابل، يقول الخبير المالي خالد النوري، إن تقاسم الفقر بين الموظفين في القطاع الحكومي بمعدل أجور لا يتجاوز 450 دولاراً يقود بالضرورة إلى إنتاج منظومة فساد ورشى بصدد التحول إلى ممارسة عامة في تونس.
ويشير النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن الموظف ذا الأجر الضعيف هو الأكثر عرضة للارتشاء، غير أن هذه الممارسة يمكن أن تنسحب على موظفين يصنّفون من ذوي الرواتب المرتفعة، حسب قوله.
واعتبر المتحدث أن تونس تعيش طفرة في الارتشاء وتصاعد مناطق اللاقانون صلب هياكل حكومية، بسبب غياب الشفافية المالية، وعدم إمكانية ولوج المواطنين للخدمات العامة، مؤكداً أن ضعف الرواتب حلقة مهمة في منظومة محبوكة تدفع إلى تصاعد ظواهر الفساد بمختلف مستوياته.

وأشار النوري أيضاً إلى أن قطاعات بعينها أصبحت موصومة بالفساد، ومنها الأمن والصحة والجمارك، وهي قطاعات لا يتجاوز فيها معدل الأجور 400 دولار.
وكشفت الدراسة حول الفساد الصغير أن القطاع الأمني في المرتبة الأولى للرشوة والفساد بـ50 في المائة يليه القطاع الصحي بـ20 في المائة، ثم الجماعات المحلية أي البلدية والمعتمدية والولاية بـ 14 في المائة، فيما بلغت نسب الرشوة والفساد في المؤسسات العمومية بمختلف أنواعها 10 في المائة.
كما أشارت الدراسة إلى أن 49 في المائة من عمليات الرشوة كانت المبادرة فيها من الموظف الحكومي، مقابل 26 في المائة للمواطن، بينما تتراوح نسب الرشى المدفوعة ما بين 20 ديناراً و10 آلاف دينار.
وغيّرت الأزمة المعيشية في تونس السلوك العام للمواطنين الذين يلجؤون إلى البحث عن مصادر دخل إضافية، سواء عبر السوق السوداء، أو الرشوة، حيث تقدر منظمة إرشاد المستهلك حاجيات أسرة تونسية تتكون من 4 أفراد تعيش في العاصمة، دون اعتبار الإيجار، بمبلغ قدره 3448 ديناراً، وهو رقم نشره موقع "نامبيو" العالمي، نسخة عام 2020 لمؤشر كلفة العيش.
وقال رئيس المنظمة لطفي الرياحي مؤخراً في تصريحات إعلامية إن نفقات الموظفين أصبحت تتجاوز دخولهم، مؤكداً أن راتباً شهرياً بقيمة 1500 دينار لا يكفي أسبوعين فقط.

المساهمون