على الرغم من تنامي أسعار النفط والتضخم المتزايد في تركيا، قال وزير الخزانة والمالية التركي نور الدين نباتي إن التضخم سيبدأ في الانخفاض مع بداية فصل الصيف، وذلك خلال كلمة له في معرض العقارات الدولي بفرنسا.
يأتي ذلك في ظل استمرار الاضطراب العالمي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا الذي يقود العالم إلى وضع اقتصادي متأزم وسط توقعات متشائمة، خاصة مع تصاعد معدلات التضخم عالميا بالإضافة إلى وجود تداعيات وباء كورونا التي ما زالت تلازم الأسواق.
وبالنظر إلى الداخل التركي فإن أسعار الوقود تسير في مسار صعودي يوماً بعد يوم، وقلما يتردد على مسامع الناس خبر تراجع أسعار الوقود خاصة مع وصول أسعار النفط إلى 115 دولاراً للبرميل.
وينعكس تزايد أسعار الوقود على أسعار النقل، وبالتالي ترتفع أسعار السلع الغذائية يومياً.
ورأى أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير في إسطنبول فراس شعبو أن التضخم في تركيا متجه إلى الصعود وليس الهبوط، حيث إن الواقع الاقتصادي يقول عكس ما يتحدث به وزير المالية، فالوضع العالمي يعيش حالة تضخم كبيرة من ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية وحالة الهلع الموجودة بالأسواق.
ووصل التضخم في أميركا في فبراير/ شباط الماضي إلى 7.9% لأول مرة منذ 40 عامًا، كذلك بلغ مؤشر أسعار المستهلك في أوروبا نحو 5.9%.
وأضاف شعبو، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أنه من الطبيعي وجود حالة تضخمية بتركيا كونها جزء من العالم، مشيرا إلى أن نسبة التضخم في تركيا كبيرة، فالأسعار أصبحت أعلى من تغيرات سعر الصرف بأشواط.
وتابع: "عندما كان سعر صرف الليرة 18 أمام الدولار الواحد لم تصل الأسعار إلى ما وصلت إليه اليوم، وهذا مؤشر غير صحي إطلاقا، فارتفاع الأسعار مع بقاء سعر الصرف ثابتا يعني أن سعر الصرف نوعا ما ليس حرا".
ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار بنحو 7.2 في المائة، حيث هبط من 13.8 ليرة إلى 14.8 ليرة مقابل الدولار.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلك (التضخم) في تركيا بنسبة 4.81 بالمئة في شباط/ فبراير الماضي، على أساس شهري، ليبلغ 54.44 بالمئة على أساس سنوي، وفق بيانات هيئة الإحصاء التركية.
واتجهت بعض البنوك المركزية حول العالم إلى رفع سعر الفائدة في محاولة لكبح التضخم، إلا أن شعبو يعتقد أن البنك المركزي التركي لن يغير من سياسته تجاه سعر الفائدة على الأقل خلال الفترة القادمة حتى يتضح إلى أين سوف تتجه الحرب من حيث التهدئة أو التصعيد.
وأوضح أستاذ المالية أن الوضع الآن في تركيا لا يتحمل أي رفع سعر فائدة، خاصة في ظل الضغوط التضخمية الهائلة واقتراب الدولار من سعر صرف 15 ليرة، ما ينذر بموجة ارتفاع أسعار جديدة، وبالتالي يمكن القول إن حديث وزارة المالية تفاؤلي بالدرجة الأولى.
ورفع البنك الفدرالي الأميركي سعر الفائدة، في 16 مارس/آذار الجاري، بمقدار ربع نقطة مئوية، لأول مرة منذ أواخر 2018، ليرتفع نطاق أسعار الفائدة من صفر – 0.25 في المائة إلى 0.25 – 0.5 في المائة، على أن يقوم برفعها مرات أخرى خلال الفترة القادمة.
الأمر الذي يستنزف الموارد الدولارية في البلدان النامية والناشئة مثل تركيا، نتيجة هروب الأموال الساخنة التي تملأ أسواقها إلى السوق الأميركي بحثا عن مكاسب أكبر ومخاطر أقل، ما يؤدي إلى مزيد من الضغط على الليرة التركية.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي أحمد مصبح، لـ"العربي الجديد"، إنه "في ظل استمرار الغزو الروسي واتباع أميركا سياسة رفع الفائدة واستمرار أزمة التوريد، كيف يمكن الحديث عن انخفاض التضخم بتركيا مع حلول الصيف المقبل؟".
ولفت مصبح، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن المنطق الذي يستند وزير المالية التركي إليه في الصيف القادم هو زيادة التدفقات النقدية الأجنبية من السياحة والتجارة، الأمر الذي ينعكس إيجابا نتيجة زيادة الطلب على الليرة ويرفع حجم العملات الأجنبية الواردة، وبالتالي تحسين رصيد الاحتياطيات الأجنبية وعليه تتحسن الليرة ومن ثم تنخفض الأسعار.
ويعتقد مصبح أن التسليم لهذا السيناريو الذي يستند إليه وزير المالية لن يكون سهلا لأسباب عدة، منها أن هذا الطرح يمكن أن يكون منطقيا في الظروف الطبيعية في ما لو أن معدلات التضخم تحوم حول 15 إلى 20 في المائة وليس عند 55 في المائة.
وأشار إلى أنه إذا استمرت الحرب حتى الصيف القادم، فإن ذلك يعني حرمان السياحة التركية على الأقل من 5 ملايين سائح، الأمر الذي سيشكل ضربة قوية لموسم السياحة في البلاد.
وتوقع تراجع نسبة السياحة الروسية والأوكرانية خلال الفترة القادمة، ما سيؤثر سلبا على قطاع السياحة في تركيا التي استقطبت في 2021 نحو 4.7 ملايين سائح روسي و2.1 مليون سائح أوكراني، أي نحو 27.34 في المائة من إجمالي 24.7 مليون سائح أجنبي وصلوا على مدار العام.
واختتم مصبح بأن المعطيات على الصعيدين الداخلي والخارجي صعبة، فالحرب الروسية الأوكرانية والارتفاع العالمي لأسعار مواد الغذاء والطاقة تعاني منهما تركيا بشكل كبير وهي عوامل خارجة عن إرادة الحكومة، لذلك سيكون طرح فكرة خفض التضخم إلى خانة الآحاد غير واقعي.