تشدّد المصارف يدفع التونسيين لـ"القروض السوداء"

06 ابريل 2023
المعيشة الصعبة تدفع المواطنين نحو الاقتراض لتلبية احتياجاتهم (الأناضول)
+ الخط -

يشكو عملاء المصارف التونسية من القيود المشددة على القروض وتباطؤ دراسة الملفات والمغالاة في طلب الضمانات، ما يزيد من إرهاق الباحثين عن المال ويدفع بعضهم نحو البحث عن التمويلات في وجهات أخرى، من بينها المرابون (السوق السوداء)، الذين ينشطون في ظل هذه الأوضاع.
وفي تونس يكون العاملون في القطاع الحكومي الأوفر حظا في الحصول على القروض، حيث يعد الاستقرار الوظيفي في القطاع العام ضمانة مهمة للاقتراض بينما تطالب المصارف العاملين في القطاع الخاص بتقديم لائحة من الوثائق التي تثبت قدرتهم على سداد القروض المطلوبة.
وقال عملاء في شهادات جمعتها "العربي الجديد"، إنهم انتظروا بمعدل شهرين للحصول على إجابات بشأن مطالب القروض التي تقدموا بها لمصارفهم، معتبرين أن المؤسسات المالية في تونس تعتمد سياسات متخلفة في التعامل معهم مقارنة بالدول المتقدمة.
ويطالب أصحاب الشهادات بضرورة وضع أنظمة معلوماتية متطورة في دراسة الملفات وفق معايير توفر فرص التكافؤ في الاقتراض بين العاملين في القطاعين الحكومي والخاص، تجنبا لذهاب الباحثين عن التمويلات نحو السوق الموازية للاقتراض التي يسيطر عليها مرابون.
وتزيد الأزمة الاقتصادية في تونس حاجة الأفراد والمؤسسات إلى التمويلات البنكية بينما تستنزف حاجة الدولة إلى السيولة جهد القطاع، ما تسبب في تآكل أمواله الذاتية بنسبة 110 بالمائة، وفق بيانات ذكرها تقرير وكالة "موديز" في فبراير/ شباط الماضي.

وكانت وكالة "موديز" للتصنيف المالي قد خفضت التصنيف الائتماني للودائع طويلة المدى لعدد من البنوك التونسية إلى درجة المخاطر CAA2 مع آفاق سلبية، معللةً التصنيف المنخفض بتعرض البنوك لمخاطر إعادة التمويل على المدى القصير من طرف البنك المركزي التونسي، على اعتبار أن قيمة إعادة التمويل ارتفعت لتصل إلى 14 مليار دينار، أي ما يعادل 4.5 مليارات دولار في يناير/ كانون الثاني 2023 مقارنةً بديسمبر/ كانون الأول 2022، حيث كانت عند حدود 8 مليارات دينار، أي زهاء 2.6 مليار دولار.

ويقول مدير عام السياسات النقدية السابق بالبنك المركزي التونسي، محمد سويلم، إن الوظيفة الأساسية للجهاز البنكي هي توفير التمويلات والسيولة اللازمة للأفراد والمؤسسات، مؤكدا أن التحرّي في ملفات القروض أمر مطلوب لتجنّب تصاعد قائم الديون غير المستخلصة، أي المتعثرة والرديئة والمشكوك في تحصيلها.
وأكد سويلم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على التفاضلية التي يحظى بها العاملون في القطاع الحكومي في الحصول على التمويلات البنكية مقارنة بالعاملين في القطاع الخاص، ولا سيما العاملين منهم في الشركات المتوسطة والصغرى.
ويعتبر المتحدث أن التحري في ملفات طالبي القروض والتثبت من قدرتهم على السداد أمر مستحب تجنّبا لمخاطر التعثر التي تزج بالبنوك والمقترضين في دوائر التقاضي.
في المقابل، أكد أن منشورا للبنك المركزي التونسي يحدد مدة دراسة ملفات القروض في أجل لا يتجاوز الأسبوعين أو ثلاثة على أقصى تقدير، مشيرا إلى أن المعايير في دراسة المطالب تختلف حسب الحالات ولا يمكن سحبها على جميع العملاء.
كما يعتبر المدير العام السابق للسياسات النقدية بالبنك المركزي التونسي أن مخاطر الإقراض في تونس لا تزال في مستويات عالية مقارنة بدول أخرى في المحيط المغاربي والمتوسطي، حيث تقدر نسبة القروض المتعثرة بـ13 بالمائة في تونس مقارنة بنسبة لا تتجاوز 4 بالمائة في فرنسا و6 بالمائة في المغرب.
ويكشف آخر تقرير سنوي للبنك المركزي التونسي أن القروض غير المستخلصة للأفراد زاد خلال سنة 2021 بنسبة 9.8 بالمائة مقارنة بسنة 2020.

مخاطر الإقراض في تونس لا تزال في مستويات عالية مقارنة بدول أخرى في المحيط المغاربي والمتوسطي


ويبلغ حجم القروض التي حصل عليها الأفراد ولم يتم خلاصها، وفق المصدر ذاته، 1.215 مليار دينار من مجموع القروض المقدرة بـ26.8 مليار دينار.
يعتبر توفير الحاجيات التمويلية للأفراد والمؤسسات من أبرز الرهانات المطروحة على الجهاز المصرفي في تونس المنهك بتوفير التمويلات اللازمة لفائدة الموازنة.
ويقول الخبير المصرفي خالد النوري إن جزءاً من عملاء البنوك التونسية يتعرضون للإقصاء الممنهج من دائرة التمويل لدفعهم نحو أشكال تمويلية أخرى توفر الأموال بنسب فائدة تصل إلى أكثر من 32 بالمائة، على غرار مؤسسات التمويل الصغير.
وأكد النوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المحرومين من التمويلات البنكية يدفع بهم نحو شركات الإيجار المالي التي توفر قروضا بنسبة فائدة 15.5 بالمائة، وهي النسبة الأعلى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحسب البيانات المفصح عنها في المواقع الرسمية للبنوك المركزية في المنطقة، بحسب قوله.
وأشار الخبير البنكي في سياق متصل إلى أن مؤسسات التمويل الصغرى والإيجار المالي، هي فروع من الجهاز المصرفي التي تتقاسم "كعكة" إقراض الأفراد والمؤسسات بشكل ريعي في غياب شروط التنافسية.

وأضاف "المبعدون من التمويلات البنكية يتحوّلون إلى هدف سهل لمؤسسات القروض التي تحدد نسب فائدة عالية بالإضافة إلى السوق السوداء أو شبكة المرابين الذين يتركزون في محافظات ورثت هذه التقاليد من أسر عملت سابقا في القطاع المصرفي".
وتكبل الديون المصرفية نحو 60% من الأسر التي تخصص 43% من أجورها لسداد القروض، حسب بيانات حديثة صادرة عن المعهد الوطني للاستهلاك.
وأخيرا أطلقت منظمات مدنية تونسية حملة ضد ما وصفته بـ"كارتل المصارف"، بهدف كبح أسعار الفائدة المرتفعة والعمولات المتصاعدة التي تزيد من أعباء المقترضين، بينما تشهد البلاد أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية.
وتراهن المنظمات على تشكيل جبهة ضغط شعبية من أجل إجبار البنوك على تغيير سياساتها تجاه العملاء، وإعادة دورها في تمويل الاقتصاد والأفراد بدلاً من مراكمة الأرباح والإيرادات المغالى فيها.
ويضم الجهاز المصرفي التونسي 24 مصرفاً، من بينها 6 مصارف تستحوذ على 70 بالمائة من السوق.
ويقول رئيس منظمة "آلارت" التي تقود الحملة الوطنية ضد "الكارتل البنكي" لؤي الشابي إن المجتمع المدني مطالب بتشكيل جبهة مضادة لقوة الجهاز المصرفي، بهدف فرض سياسات جديدة تمكن العملاء التونسيين بمختلف شرائحهم من النفاذ إلى قروض بنكية وتمويلات بطريقة سلسة وكلفة أقل.
ويقول رئيس منظمة "آلارت": "من حق عملاء البنوك النفاذ إلى خطوط تمويل ميسّرة وبشروط سهلة واضحة دون إقصاء"، مشيرا إلى أن الجهاز المصرفي لا يبذل أي مجهود لتحقيق العدالة في النفاذ للتمويلات بالنسبة لشريحة مهمة من التونسيين الذي يتحملون مجبرين أي سياسات مالية تفرض عليهم.
وأضاف أن تشابك العلاقات بين العائلات النافذة اقتصادياً والمالكة للبنوك، أو الممثلة في مجالس إدارة المصارف الأكثر ربحاً، يؤهلها لتوجيه السياسة المصرفية لصالحها على حساب العملاء من مودعين ومقترضين ومستثمرين، مضيفا أن غياب المنافسة في القطاع المصرفي أدى إلى وضعية مضرة بالأفراد والاقتصاد.

المساهمون