رفع العديد من البنوك التجارية في مختلف المدن الليبية، سقف السحب النقدي الشهري، في ظل توافر السيولة في الآونة الأخيرة. لكن خبراء ربطوا استمرار الانفراجة بضرورة إطلاق السلطة الجديدة في البلاد إصلاحات تحقق الاستقرار الاقتصادي.
وتراجعت ظاهرة الطوابير الطويلة أمام مقارّ فروع البنوك، بسبب الإعلانات المتوالية لفروع البنوك عن توافر السيولة وزيادة سقف السحب الشهري في بعض البنوك إلى 10 آلاف دينار ليبي.
وتوقع عضو لجنة تعديل سعر الصرف التابعة للبنك المركزي، مصباح العكاري، في تصريحات صحافية الشهر الماضي، بدء توافر السيولة بسبب سماح البنك المركزي للمصارف التجارية ببيع النقد الأجنبي وفق قرار تعديل سعر صرف الدينار، حيث ساهمت عملية بيع النقد الأجنبي في تراكم مبالغ كبيرة لدى البنوك بسبب الإيداعات.
وفي بيانات سابقة أكد البنك المركزي أن الودائع أحد أهم مصادر السيولة النقدية لدى البنوك التجارية، إذ تشكل "نسبة قد تتجاوز 80% من إجمالي خصوم البنوك"، لكن بسبب تردي الوضع الأمني وانعدام الثقة أحجم عدد كبير من الزبائن عن الإيداع.
لكن ارتباط توافر السيولة ببيع النقد وزيادة حجم الإيداعات في البنوك ليس إلا "حلاً مؤقتاً"، بحسب الأكاديمي والخبير الاقتصادي الليبي علي محيسن، الذي رأى أن قرار تعديل سعر الصرف الجديد جاء بفعل ضغوط سياسية داخلية وخارجية في إطار المطالبة بتوحيد المؤسسات السيادية، ومنها البنك المركزي. وقال إن "محافظ البنك المركزي ظل يمانع لسنوات توحيد مجلس إدارة البنك الذي سنّ هذا القرار، وقبوله باجتماع المجلس جاء وفقاً لتغيرات دفعت بها ضغوط سياسية أخيراً".
وعبّر محيسن، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، عن مخاوفه من إمكانية تغير الظروف السياسي التي تضغط باتجاه توحيد فرعي البنك المركزي، إذ "لا توجد ضمانات سياسية حتى الآن للقبول بالسلطة الموحدة الجديدة، وبالتالي قرار توحيد سعر الصرف لا يزال مهدداً".
وقرر البنك المركزي، منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تعديل قيمة الدينار الليبي "مقابل وحدات حقوق السحب الخاصة لتصل إلى 0.1555 وحدة، أي ما يعادل 4.48 دنانير للدولار الواحد"، وحدد سريان هذا السعر على أغراض واستعمالات النقد الأجنبي الحكومية والتجارية والشخصية، اعتباراً من الثالث من يناير الماضي.
ولفت محيسن إلى أن بوادر عراقيل للقرار ظهرت أخيراً، ويمكن أن تشكل تحدياً لنجاح السلطة الجديدة، منها الخلافات العميقة حول إيرادات بيع النقد الأجنبي التي فضل البنك المركزي توجيهها لإطفاء الدين العام، فيما ذهبت السلطة التنفيذية إلى الضغط لإنفاقها في موازنتها الحكومية، دونما حل للخلاف، حيث يضاف إلى التركة الاقتصادية الثقيلة التي تنتظر السلطة الجديدة وشاغلي المناصب السيادية الجدد، ومنهم محافظ البنك المركزي المقبل.
وفيما أشار محيسن الى إمكانية أن تذهب السلطة الجديدة نحو تجميد القرار إلى حين حلحلة الخلاف القائم على موارد بيع العملة الاجنبية، ما يعني توقف تدفق الإيداعات في البنوك وبالتالي عودة شح السيولة، سأل الهادي السنوسي، مواطن من طرابلس يعبّر عن الآلاف مثله: "ماذا استفيد من قرارات رفع سقف السحب حتى ولو كانت لألف دينار؟ فراتبي 860 ديناراً فقط".
وتابع السنوسي حديثه لــ"العربي الجديد" بالقول إن أوضاعه قبل قرار تعديل سعر الصرف كانت أفضل، مستفيداً من البطاقة المصرفية في تدبير احتياجاته، "لكن الآن ورغم أنني أحصل على راتبي كاملاً وبسهولة، بت أنفقه كاملاً في أقل من أسبوع بسبب الارتفاع اللافت للأسعار بعد قرار رفع سعر الدولار الرسمي".
ورغم تقليص البنك المركزي للفارق بين السعر الرسمي والسعر الموازي للدينار في السوق السوداء، لا يرى محيسن أي أثر للقرار على انخفاض الأسعار، وأكد أن أسعار السلع المتصلة بمعيشة المواطن لا تزال مرتفعة، بل زاد غلاء الكثير منها، ما يعني أن السوق وأصحاب رؤوس الأموال الكبير سيبتلعون مجدداً أي كمية من السيولة توفرها البنوك وتعود الأزمة مجدداً.
وطالب محيسن السلطة الجديدة بالعمل على الحد من آثار الضغوط السياسية في مفاوضات المسار الاقتصادي برعاية الأمم المتحدة الذي شكلت توصياته منطلقاً لقرار ما عرف بحزمة الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة.
وأقرّ الباحث في البرنامج الوطني لتعزيز الشفافية والحوكمة وتفعيل الرقابة الحكومي، عبد المجيد الرحيبي، ببعض إيجابيات قرار تعديل الصرف،كالحد من حجم الفساد عبر تقليل حجم ازدواجية سعر صرف الدولار ، حيث كان يحصل التجار على العملة الأجنبية بالسعر الرسمي المخفض ويباع في السوق الموازية بسعر مرتفع. كذا، حقق بيع النقد الأجنبي إيرادات من المتوقع أن تصل إلى 16 مليار دولار، ما عوّض بشكل كبير توقف الإيرادات النفطية.