تركيا: وعود زيادة الحد الأدنى للأجور تصطدم بتوجهات لرفع الفائدة وتراجع الليرة

13 يونيو 2023
مخاوف من زيادة سعر الفائدة على قطاع الأعمال التركي (Getty)
+ الخط -

تواجه الحكومة التركية الجديدة معضلة الوفاء بوعد رفع الحد الأدنى للأجور في البلاد بنسبة 45%، اعتبارًا من يوليو/ تموز المقبل وسط ضغوط مالية وتوقعات بتشديد السياسة النقدية ورفع سعر الفائدة لمواجهة تهاوي الليرة.

وتنبع المعضلة من وجود توقعات قوية بزيادة العائد على الليرة من قبل البنك المركزي، وكون الرفع ينعكس سلبا على الأسواق وسوق العمل وكلفة الأموال والقروض، إذ يؤدي إلى الركود وارتفاع البطالة وتراجع معدل النمو، وهو ما يضغط على أصحاب الأعمال والمستثمرين الذين يجب أن يلتزموا بقرار رفع الحد الأدنى للأجور.

من جانب آخر، يضغط العمال ليس فقط من أجل الوفاء بوعود رفع الحد الأدنى للأجور، بل بزيادة النسبة المعلنة من قبل الحكومة وسط تهاوي الليرة وتراجعها بنحو 20% منذ الإعلان عن الزيادة، وهو ما يعني واقعيا ابتلاع نسبة كبيرة من زيادة الأجور.

تذهب التوقعات إلى رفع الحد الأدنى للرواتب والأجور بتركيا، إلى أكثر من النسبة التي حددها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الشهر الماضي، خلال الانتخابات الرئاسية، خاصة مع تراجع سعر صرف الليرة إلى نحو 23.6 ليرة للدولار أمس، مما أثر على القدرة الشرائية للأتراك وخفض من وزن قيمة الأجور بواقع استمرار غلاء الأسعار.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مايو/أيار الماضي، زيادة أجور العمالة الحكومية في تركيا بنسبة 45% بداية من شهر يوليو/تموز المقبل، حيث سيرتفع أدنى راتب للعمالة الحكومية إلى 15 ألف ليرة.

وتراجعت الليرة إلى مستوى قياسي جديد، أمس الإثنين، مع ترقب المستثمرين لمؤشرات بشأن تحركات السياسة النقدية بعد تعيين رئيسة جديدة للبنك المركزي من المتوقع أن ترفع أسعار الفائدة.

وهبطت الليرة 1.3% عند 23.65 مقابل الدولار بعدما سجلت أدنى مستوى لها عند 23.77 مقابل الدولار خلال ليل أول من أمس. وفقدت العملة أكثر من 21 بالمائة من قيمتها هذا العام.

اجتماعات لجنة رفع الأجور

من المقرر أن تبدأ اليوم الثلاثاء أول اجتماعات اللجنة المكلفة بدراسة رفع الحد الأدنى للأجور بحضور وزير المالية والخزانة الجديد، محمد شيمشك، ووزير العمل والضمان الاجتماعي إلى جانب تمثيل عن الطبقة العاملة والاتحاد التركي لنقابات أرباب العمل، لبحث مقترحات رفع الحد الأدنى البالغ 8.506 آلاف ليرة.

وقال محمد شيمشك عقب توليه مهام منصبه، إن أولوية الحكومة التركية ستكون ضمان الاستقرار المالي، من خلال تعزيز الجودة والقدرة المؤسسية لمواجهة التحديات العالمية والجيوسياسية.

وتبلغ التكلفة الإجمالية للحد الأدنى للأجور على صاحب العمل حاليا قبل الرفع المقرر في يوليو القادم، نحو 11759.4 ليرة للعامل، مقسمة على 1008 ليرات من هذا الحد الأدنى الإجمالي للأجور و1551.24 ليرات لقسط الضمان الاجتماعي و200.16 ليرة لصندوق التأمين ضد البطالة لصاحب العمل.

يرى المحلل التركي، مدير معهد إسطنبول للفكر، باكير أتاجان، أن نسبة الزيادة في الأجور التي وعد بها أردوغان في مايو الماضي يجب أن يتم رفعها، لأن سعر الصرف تراجع من 19.5 ليرة تقريبا للدولار وقت الإعلان عن الزيادة إلى نحو 23.57 ليرة للدولار بداية الأسبوع الجاري.

وأضاف أن تراجع الليرة أثر على القيمة الشرائية لأجر العمال الذين يتقاضون الحد الأدنى "عسكر أجريت".

وحسب الأرقام الرسمية، فإن 38% من 16 مليوناً و687 ألف موظف، أي ما يقرب من 6 ملايين و300 ألف، يتقاضون الحد الأدنى للأجور في تركيا.

ويضيف أتاجان لـ"العربي الجديد" أن تحسين دخول من يتقاضى الحد الأدنى وهم نحو 40% من العمالة التركية مهمة الحكومة الجديدة، بصرف النظر عن رأي أرباب العمل الذين يتوقع الخبير التركي معارضتهم لرفع الحد الأدنى إلى 13 ألف ليرة. ويتوقع مع الاجتماعات الأربعة قبل إعلان الزيادة مطلع الشهر المقبل، الاستقرار على قرار ورفع الحد الأدنى من 8.5 آلاف إلى 12 ألف ليرة تركية.

وشهد العام الماضي ومطلع العام الجاري ثلاث زيادات للأجور بتركيا، إذ لم يزد الحد الأدنى للأجور في ديسمبر/كانون الأول 2021 عن 2826 ليرة قبل رفعه في يناير/كانون الثاني 2022 إلى 4253 ليرة، ومن ثم رفعه في يوليو /تموز العام الماضي إلى 5500 ليرة قبل الرفع مطلع العام الجاري إلى 8500 ليرة والوعد الشهر المقبل بزيادة توازي نسبة التضخم.

يذكر أن نسبة التضخم السنوي تراجعت إلى 39.59% في مايو/أيار، في حين ارتفعت أسعار المستهلكين 0.04% عن الشهر السابق.

تراجع التضخم وارتفاع البطالة

وأظهرت بيانات رسمية، أمس الإثنين، أن معدل البطالة في تركيا ارتفع 0.1 نقطة على أساس شهري إلى 10.2% في إبريل/نيسان، بينما ارتفعت نسبة الاستغلال غير التام للقوى العاملة المعدلة موسميا 1.7 نقطة إلى 23.8%.

وقال معهد الإحصاء التركي إن المسح شمل جميع أنحاء البلاد في إبريل، بعدما استبعد خلال الشهرين الماضيين بعض المناطق التي ضربها زلزال فبراير/شباط.

كما يتزامن رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بالدولة "موظفي الخدمة المدنية" مطلع يوليو/تموز المقبل، مع رفع الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص، إذ أعلن أردوغان، رفع الحد الأدنى لرواتب موظفي الخدمة المدنية في بلاده إلى نحو 22 ألف ليرة.

وشدّد أردوغان خلال كلمته بالعاصمة أنقرة قبيل الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، على أن زيادة رواتب الموظفين ستبلغ 45%، ما ينعكس بشكل تلقائي على رواتب المتقاعدين، وأنه كلف الوزير المعني باستكمال الإجراءات اللازمة حتى يوليو.

توقعات رفع الفائدة

على مستوى السياسة النقدية، قال بنك "جيه.بي مورغان" الاستثماري الأميركي، أمس الإثنين، إنه يتوقع أن يرفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة إلى 25% من 8.5% حالياً في اجتماعه يوم 22 يونيو/حزيران، وأضاف أن ذلك قد يأتي مع توقعات بزيادات أقل مستقبلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

واجتماع 22 يونيو هو أول اجتماع مقرر بشأن السياسة النقدية منذ تعيين حفيظة غاية أركان في رئاسة البنك المركزي يوم الجمعة.

وقال نيكولاي ألكسندرو تشايدسكويتش، الخبير لدى البنك الأميركي، في مذكرة للعملاء: "نُبقي على توقعنا لسعر الفائدة عند 30% في نهاية العام، مع وجود احتمالات صعودية".

وأكد البنك الاستثماري، وفقاً لوكالة "رويترز"، توقعاته بدخول البلاد في حالة ركود في النصف الثاني من العام، نتيجة تشديد شروط الائتمان.

وأضاف: "نتوقع ركودا في النصف الثاني من 2023 على خلفية تشديد شروط الائتمان".

وتعمل الحكومة التركية الجديدة على أولويتين، الأولى تتمثل في لجم التضخم عبر رفع سعر الفائدة وحماية العملة المحلية من مزيد من التهاوي، وتحقيق الرفاه الاجتماعي عبر رفع معدلات النمو وتوفير فرص العمل.
 

المساهمون