تركيا ما بعد إعادة انتخاب أردوغان

29 مايو 2023
غلاء المشكلة تصدر اهتمامات الناخبين الاتراك/الأناضول
+ الخط -

دعونا نتفق على عدة أمور تتعلق بالمشهد التركي في فترة ما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أبرزها، أنه رغم معاناة الأتراك الشديدة من تضخم قياسي، وغلاء فاحش، وتهاوٍ في سعر صرف الليرة، وزيادة أعباء المعيشة، إلا أنهم اختاروا أردوغان لقيادة البلاد لخمس سنوات مقبلة، كما دعموا تحالف "العدالة والتنمية" في البرلمان.

وأن هذا الاختيار قد يعني ضمنا موافقة الأتراك على النموذج الاقتصادي غير التقليدي الذي يطبقه أردوغان منذ سنوات ويخالف اتجاهات الدول والبنوك المركزية العالمية في معالجة أزمة التضخم عبر تطبيق سياسة التشدد النقدي ورفع سعر الفائدة على العملات الرئيسية حول العالم.

وأن الأتراك لا يعارضون نموذج الرجل القائم على الاهتمام بزيادة معدل النمو الاقتصادي على حساب مكافحة التضخم، والإصرار على خفض سعر الفائدة لأهداف عدة منها تشجيع الاستثمار وخلق وظائف وفرص عمل جديدة، واحداث قفزة في الصادرات الخارجية والحد من الواردات، وأن هذه الأهداف تساهم في النهاية في مكافحة التضخم.

أردوغان أفلت من مصيدة صندوق النقد الدولي والدائنين الدوليين، فالحرب الغربية الشرسة كان أحد أبرز أهدافها دفع الرجل نحو الوقوع في المصيدة

ودعونا نتفق ثانيا على أن أردوغان أفلت من مصيدة صندوق النقد الدولي والدائنين الدوليين، فالحرب الغربية الشرسة التي قادتها دول وبنوك استثمار عالمية كبرى ومضاربون دوليون كان أحد أبرز أهدافها دفع الرئيس التركي نحو الوقوع في تلك المصيدة، والخضوع لشروط وإملاءات الصندوق.

وهو ما كان يمكن أن يطيح بالرجل في الانتخابات الأخيرة، ويضعه في حرج شديد مع الناخب في حال الاستجابة، خاصة وأنه تفاخر لسنوات بسداد ديون الصندوق كاملة، ورفض أكثر من مرة عروض بمنحه قروض ضخمة للتغلب على أزمة الليرة.

ودعونا نتفق ثالثا على أن جزءا مما ينشر في الإعلام الدولي عن الاقتصاد التركي يحمل مبالغة شديدة خاصة تلك التقارير التي تتحدث عن شخ العملة ونفاد الدولار والذهب من الأسواق، وتهاوي الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي، وضخامة الديون الخارجية، وعدم قدرة البلاد على سداد أعباء تلك الديون.

لكن في المقابل تتجاهل تلك التقارير وغيرها من المستثمرين والمؤسسات المالية نشر أي بيانات تتعلق بكثافة النقد الأجنبي المتدفق على تركيا من أنشطة حيوية.

فإيرادات الصادرات وحدها تجاوزت 254 مليار دولار في عام 2022، كما تمكنت صادرات تركيا من استعادة أسواق حيوية في الفترة الماضية منها السعودية والإمارات ومصر والعراق، بل وتوقيع اتفاقات شراكة مع بعض هذه الدول.

ورفعت تركيا من صادراتها لروسيا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقب نشوب حرب أوكرانيا واندلاع أزمتي التضخم وسلاسل التوريد. وتسعى الدولة التركية للتحول إلى مركز عالمي لتصدير الطاقة سواء من روسيا أو دول الخليج والعراق وإيران، كما تسعى لأن تكون مركزا تجاريا عالميا يربط بين أسواق أسيا وأوروبا.

تتجاهل تقارير غربية وبعض المستثمرين والمؤسسات المالية نشر أي بيانات تتعلق بكثافة النقد الأجنبي المتدفق على تركيا من أنشطة حيوية

وعلى مستوى التدفقات النقدية الأخرى فقد تجاوزت عائدات السياحة 46 مليار دولار في العام 2022 بنسبة زيادة 46%، وتجاوزت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أول 10 أشهر من العام الماضي 10.3 مليارات دولار.

واستثمر صندوق الثروة السيادي النرويجي، أكبر صندوق في العالم، 1.217 مليار دولار في الشركات التركية خلال 2022، وهناك مليارات الدولارات الأخرى التي تتدفق من أنشطة أخرى منها العقارات وتحويلات المغتربين وغيرها.

لكن في المقابل فإن الأتراك يعانون من غلاء كبير في كل شيء، أسعار السلع، ايجار السكن، فواتير الكهرباء والمياه والغاز وغيرها من نفقات وتكلفة المعيشة.

ولذا فإن أردوغان مطالب وبشكل سريع بوضع حد للتضخم الجامح، وإعادة الهيبة لليرة مثلما فعل بعد العام 2002، والحيلولة دون حدوث عجز ضخم في الموازنة العامة في ظل الاستحقاقات التي وعد بها ومنها زيادة الرواتب بنسبة 45%، ومنح قروض بلا فائدة لملايين الشباب، وإنجاز مشروع قناة إسطنبول، وتدشين عدد من المحطات النووية لأغراض الطاقة، ومعالجة كارثة الزلزال والذي قدرت خسائرها بنحو 100 مليار دولار، والحد من استخدام المال السياسي والاحتياطي الأجنبي في الدفاع عن الليرة.

إعادة انتخاب أردوغان لفترة جديدة لن تضع حداً للحرب الخارجية الشرسة على الاقتصاد التركي وعملته ومناخ الاستثمار به

في كل الأحوال، فإن إعادة انتخاب أردوغان لفترة جديدة لن تضع حداً للحرب الخارجية الشرسة على الاقتصاد التركي وعملته ومناخ الاستثمار به.

بل وربما تزيد الضغوط خاصة مع حرص تركيا على تطبيق سياسة الاستقلال السياسي والاقتصادي، وموقف تركيا المحايد من أزمة أوكرانيا، ورفضها المشاركة في العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، والإصرار على تطبيق النموذج الاقتصادي غير التقليدي والذي يرفضه الغرب وفي المقدمة الولايات المتحدة.

المساهمون