زادت التوقعات بتبوء تركيا مراكز متقدمة على خارطة الذهب العالمي، بحجم احتياطات يقدر بـ567.9 طنا، بعد الاكتشافات الجديدة التي بدأت ارتداداتها تنعكس على الليرة التركية، التي تحسنت بعد إعلان الخبر، من 7.854 الأسبوع الماضي إلى 7.642 اليوم الأربعاء.
وكانت تركيا أعلنت أمس الأول، عن اكتشاف احتياطيات من الذهب يقدر سعرها بنحو 6 مليارات دولار "نحو 3.6 ملايين أونصة"، بحسب مدير تعاونيات الائتمان الزراعي التركية رئيس مجلس إدارة شركة "غوبراطاش" فخر الدين بويراز.
ويضيف بويراز خلال تصريحات أن كميات الذهب، التي اكتشفت في منجم للذهب بقضاء سوغوت بولاية بيلاجيك شمال غرب تركيا، تحوي كثافة ذهب مرتفعة بالتربة، موضحاً أن متوسط كثافة الذهب في الطن الواحد من الأتربة عالميا يتراوح بين 2-3 في المائة، لكن الكثافة في منجم سوغوت، تصل في الطن الواحد من الأتربة إلى 8.6 في المائة، وفي بعض المناطق ترتفع النسبة إلى ما بين 12-14 في المائة.
ويقول المستثمر بقطاع الذهب سامر صنوفي لـ"العربي الجديد" إن كثافة الذهب ضمن الأتربة بالمنجم، وفق ما أعلنت الشركة المستثمرة، عال جدا ومشجع على الاستثمار، لأن نسبة 8 أو 10% تجعل تكاليف الاستخراج منخفضة وبالتالي الأرباح مرتفعة للشركة المستثمرة وتزيد من حصة الدولة.
ويشير صنوفي من إسطنبول إلى أن هذه الاكتشافات ستنعكس على السوق التركية، سواء الذهب أو العملة، وربما على حجم احتياطي الذهب بالمصرف المركزي، على حسب بنود العقد الاستثماري بين الدولة وشركة غورباطاش التي حلت مكان الشركة القديمة "كوزا للذهب" التي قيل إنها أخلت بشروط العقد.
ويبيّن المتخصص صنوفي أن تركيا فضلاً عن الاحتياطيات الكبيرة التي تملكها، يمتاز الذهب فيها بالمرتبة الثانية عالمياً، بعد الإيطالي، لجهة الطراز والصياغة والمنافسة، بل وأجور شغل الذهب التركي أقل من الإيطالي ما يمنحه تنافسية أكبر، والذهب المطلوب داخل تركيا من عيار 18 قيراطا للقطع الصغيرة و22 قيراطا للكبيرة. لكن تركيا تشتغل وفق متطلبات السوق، فهي تصدر للمنطقة العربية قطعا من عيار 21 قيراطاً وللأسواق العالمية 18 قيراطاً " إضافة إلى الذهب الصافي بالسبائك مثلاً عيار 24 قيراطاً، وتزداد نسبة الخلائط المعدنية كلما انخفض العيار".
ويشير رجل الأعمال صنوفي إلى أنه "يبدو أن مناجم منطقة سوغوت واعدة" والأهم أن نسبة الذهب بالتربة مرتفعة جداً، وهذا كشفته " مبدئياً" الدراسات والعينة، وسيتم الفصل بعد بدء الاستخراج، لأن تردد شركة "كوزا" التي فازت بالمناقصة قديماً، موضع تساؤل ستجيب عليه الأيام.
ويربط تاجر الذهب في إسطنبول، نور الأتاسي خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" الآمال وزيادة كمية الذهب بالأسواق وبالمصرف المركزي، نتيجة الاستخراج التي قالت الشركة إنها تحتاج لعامين. لكن ذلك لا يلغي الأثر المباشر الذي رأيناه على السوق وسعر الليرة تحديداً".
ويبين الأتاسي أن الطلب العالمي على الذهب، يزداد بهذه الفترة، بسبب تفشي وباء كورونا وشلل التجارة وتذبذب أسعار العملات، ففي حين كان سعر الأونصة عالمياً بنحو 1400 دولار قبل كورونا، نراها اليوم بنحو 1850 دولاراً والتوقعات بارتفاعات جديدة.
ويقدر تاجر الذهب الأتاسي أن كلفة استخراج الأونصة عالمياً بين 700 و800 دولار، ولكن مع ما قيل من كثافة المعدن الثمين بالتربة بمنجم" سوغوت" تنخفض التكلفة وتزيد الأرباح، وذلك بعد ايقاف عقد الشركة السابقة بقرار قضائي وتأسيس "غورباطاش" كشركة خاصة تتولى تنفيذ العقد.
وكان المصرف المركزي التركي قد عزز صدارته خلال عام 2020 من حيث الأعلى شراءً للذهب للعام الثاني على التوالي، إذ حسب بيانات مجلس الذهب العالمي، زاد المركزي التركي احتياطياته من الذهب عن طريق عمليات الشراء مباشرة بمقدار 451.4 طنا خلال الفترة من مايو/أيار 2017 حتى أكتوبر/تشرين الأول 2020، ما يعادل مشتريات المركزي خلال هذه الفترة (3 سنوات ونصف) 79.5% من إجمالي احتياطيات الذهب المملوكة حالياً.
وتحتل تركيا المركز الـ12 عالمياً بقائمة أكبر البنوك المركزية حيازة للذهب، بحجم احتياطات تقدر بـ567.9 طنا، تعادل 44.8% من إجمالي الأصول الاحتياطية لدى البنك المركزي اليوم، بعد أن تراجعت عن أعلى احتياطي ذهب في آب/أغسطس الماضي، وقت بلغ الاحتياطي 606.6 أطنان، ما نسبته 48.6% من إجمالي الاحتياطيات الأجنبية.
ويقول أستاذ المالية بجامعة باشاك، فراس شعبو إنه لا يمكن اعتبار مبلغ 6 مليارات دولار سيبدل من اقتصاد ناتجه المحلي نحو 800 مليار، ولكن في الآن نفسه، يمكن لهذه الاكتشافات أن تغير من نمط الاقتصاد التركي برمته. بمعنى، تركيا اليوم بدأت باكتشاف واستخراج الموارد، فبعد النفط والغاز، ها نحن أمام ذهب "بيلاجيك" بعد ذهب"ديار بكر" ما يعني اقتصادا جديدا وتشغيل عمالة ودورة رأسمال وآمالا كبيرة.
وحول أثر اكتشافات الذهب على الليرة التركية، يضيف الأكاديمي شعبو لـ"العربي الجديد" أثرت الأنباء ايجاباً على سوق الصرف، ووجدنا مزيدا من الارتياح والتحسن بالليرة التي ارتفع سعرها خلال الأيام الثلاثة الماضية من نحو 7.8 إلى 7.6 ليرات مقابل الدولار، مرجحاً مزيدا من التحسن خلال نهاية هذا العام "لولا الإغلاقات الجديدة وعودة الشلل للسياحة والمطارات لتحسنت الليرة أكثر".
ويرى شعبو أن الأهم باكتشافات الذهب والغاز والنفط، أنها تنعكس على اتخاذ قرارات مفصلية كتخفيض سعر الفائدة، كما أن الموارد تنعكس على الأسواق وثقة المستثمرين والمدخرين بالليرة.
وشهد الذهب إقبالاً كبيراً باعتباره أحد الملاذات الآمنة وقت الأزمات ومخزونا للقيمة، وسط تصاعد حدة التداعيات الاقتصادية المصاحبة لتفشي فيروس كورونا.
وتحولت البنوك المركزية خلال أغسطس/آب الماضي من مشترية إلى بائعة صافية، لأول مرة منذ نحو عام ونصف.