رفعت لجنة السياسة النقدية برئاسة محافظة البنك المركزي التركي، حفيظة غاية أركان، اليوم الخميس، سعر الفائدة على الليرة من 30 إلى 35%، في محاولة لامتصاص فائض التضخم وسحب السيولة من الأسواق وتوجيهها إلى المصارف، بهدف تحسين سعر صرف العملة التركية التي سجلت اليوم نحو 18.2 ليرة للدولار، وأكثر من 29.7 مقابل العملة الأوروبية الموحدة.
وعلق المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو، على الزيادة قائلا في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ استمرار رفع سعر الفائدة، مقلق للشارع التركي، وسيؤثر في زيادة تكاليف الإنتاج المحلي، وبالتالي الصادرات التي تعتمد عليها بلاده، كقطاع رئيسي بزيادة نسبة النمو، مضيفاً أنّ "الاستمرار بالنهج التشددي سيؤدي إلى الركود الحتمي".
وتساءل كاتب أوغلو عن جدوى رفع سعر الفائدة المستمر، بينما لا ينعكس على سعر الصرف وأسعار السلع، وتزداد نسبة التضخم، موضحاً أنه "لا يمكن انتظار نتائج طويلة الأمد، لأن التأثير سيطاول الإنتاج والتشغيل والصادرات بعد أن انعكس التضخم على معيشة المواطنين، إثر رفع نسبة الضرائب وأسعار المحروقات".
ويعتبر المحلل التركي أنّ "الحكومة والبنك المركزي يطبقان سياسة الغرب ومطالبه، وقد تنعكس هذه السياسة بعد فترة طويلة على سعر العملة والتضخم، ولكن ستكون تركيا قد خسرت قوتها الإنتاجية وصادراتها التي تتطلع إلى وصولها إلى 300 مليار دولار هذا العام".
ويحذر مراقبون أتراك من نسف السياسة الجديدة لما يرونه نجاحات حققتها تركيا، إن على مستوى النمو، فبلغت ثاني أعلى نسبة بمجموعة العشرين، أو الإنتاج والصادرات التي بلغت 254 مليار دولار العام الماضي.
لكن في المقابل، تجد السياسة الجديدة قبولاً بأوساط تركيا واسعة، خصوصاً بعد استعادة البنك المركزي للاحتياطي الأجنبي الذي تعدى 115 مليار دولار، بحسب وزير المال محمد شيمشك، الذي أكد خلال تصريحات سابقة أنّ الحكومة ستركز خلال الفترة المقبلة على إعطاء الأولوية للاستثمار والتوظيف والإنتاج والتصدير، في مسعاها للحفاظ على نمو اقتصادي مرتفع مستدام.
وكان محللون قد توقعوا، صباح اليوم الخميس، أن يرفع البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 500 نقطة أساس (5%)، في وقت تتفاقم ضغوط التضخم نتيجة تداعيات العدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين في قطاع غزة، مع تزايد الضغوط لتهدئة التضخم الذي من المتوقع أن يقترب من 70% بحلول نهاية العام.
وزاد البنك المركزي تكاليف الاقتراض بشكل حاد منذ إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان في مايو/ أيار الماضي، كجزء من الجهود الرامية إلى إنهاء سنوات من السياسات غير التقليدية التي أُلقي اللوم عليها في تخويف المستثمرين الأجانب والتسبب في سلسلة من أزمات العملة. وفي عهد المحافظة حفيظة غاية أركان، التي عُيِّنَت في يونيو/ حزيران، رفع البنك أسعار الفائدة بنحو 22 نقطة مئوية.
ومع ذلك، يعتقد العديد من المتداولين أنّ تركيا لم تكن جريئة بما يكفي في تحولها، وتحتاج إلى التصرف بشكل أسرع إذا أرادت جذب المزيد من الاستثمار إلى أسواق سنداتها.
وقال بعض صنّاع السياسات، بمن فيهم وزير المالية شيمشك، إنّ المستثمرين يجب أن يركزوا على أسعار الفائدة على الودائع مقارنة بالتضخم المتوقع. ويدفع متوسط الودائع التي تصل مدتها إلى 3 أشهر الآن إلى ما يقرب من 45%، فيما يتوقع البنك المركزي تباطؤ نمو الأسعار السنوي إلى 33% بحلول نهاية عام 2024.
وقال شيمشك هذا الشهر: "السياسة النقدية أكثر صرامة مما يوحي به المعدل الرئيسي"، مشيراً أيضاً إلى التدابير التنظيمية للحد من نمو الائتمان.
وقد تكون الزيادة المقرة اليوم الخميس الأخيرة قبل إجراء الانتخابات المحلية في مارس/ آذار، فيما يحاول أردوغان، الذي دافع منذ فترة طويلة عن الفوائد الاقتصادية لأسعار الفائدة المنخفضة، استعادة المدن التي تسيطر عليها المعارضة مثل إسطنبول وأنقرة، وقد يكون متردداً في مواصلة تشديد السياسة مع اقتراب الانتخابات.
ويقول محللو "بلومبيرغ إيكونوميكس": "نتوقع أن يُبقي البنك المركزي التركي سعر الفائدة الرئيسي عند 35% في الفترة التي تسبق الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في مارس، حيث نعتقد أن صناع السياسات سيكونون حذرين من تأثير التشديد النقدي في النشاط والتوظيف. ومع ذلك، بعد التصويت، نتوقع رفع الرافعة الرئيسية إلى 40%. ومع الارتفاع الأخير في أسعار النفط وضعف العملة الذي يزيد من الضغوط التضخمية، فإننا نرى أن المخاطر التي تهدد هذه التوقعات تميل نحو الاتجاه الصعودي".
ومع ذلك، فإن العدوان الإسرائيلي المستمر قد يؤدي إلى تفاقم الضغوط التضخمية على كبار مستوردي الطاقة مثل تركيا، ما قد يجبر البنك المركزي التركي على تقديم بعض الزيادات في أسعار الفائدة التي ربما حدثت بعد الانتخابات، وفقاً لـ"دويتشه بنك" الألماني.
ويرى اقتصاديون في "دويتشه بنك"، من بينهم يجيت أوناي، أن تركيا ستزيد معدل إعادة الشراء لمدة أسبوع واحد إلى 40% بحلول نهاية 2023، بسبب "المخاطر الجيوسياسية المتزايدة وتأثيرها المحتمل في التضخم وميزان المدفوعات في تركيا".
ويتوقع الاقتصاديان في "مورغان ستانلي"، هاندي كوجوك وألينا سليوسارتشوك، أن يصل المعدل إلى ذروته عند 40%، لكن بحلول إبريل/ نيسان فقط.
أما البعض الآخر، فيبدو أكثر تشاؤماً. إذ يشكك "تيباف"، وهو مركز أبحاث مقره أنقرة يضم محافظي بنوك مركزية سابقين، في قدرة لجنة السياسة النقدية على تحقيق توقعاتها البالغة 33% بحلول العام المقبل، ما لم ترفع سعر الفائدة إلى 40% "على الأقل" هذا الشهر.
تقرير التضخم التركي على الطريق
ومن المقرر أن تقدم محافظة البنك المركزي تقريرها النهائي عن التضخم لهذا العام في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وستتلقى أيضاً أسئلة من الصحافيين والاقتصاديين.
وجاء في محضر اجتماع السياسة الشهر الماضي، أن تدهور سلوك التسعير في الأشهر الأخيرة يعني أن التضخم في نهاية العام سيكون قريباً من الحد الأعلى لتوقعات البنك المركزي والبالغ 62%.
ومع ذلك، يتوقع بعض الاقتصاديين تحركاً أقل تشدداً هذا الأسبوع، إذ يترقب "باركليز" و"إتش إس بي سي" زيادة في أسعار الفائدة بمقدار 250 نقطة أساس فقط.
وكتبت الخبيرة الاقتصادية في "إتش إس بي سي" المقيمة في لندن ميليس ميتينر، أنه "في الوقت الحالي، لا نعتقد برفع أسعار الفائدة بشكل إضافي في الربع الرابع أو في العام 2024"، لكنها أضافت أنه "إذا استمر تراجع التضخم بشكل مخيب للآمال، فقد ينتهي الأمر بالبنك المركزي إلى بذل المزيد من الجهود".