إصابة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزوجته ميلانيا بفيروس كوفيد 19، تجلب مجموعة مذهلة من الاحتمالات للولايات المتحدة الأميركية والأسواق المالية العالمية. إنه نوع من الأحداث التي تسبب عدم اليقين والتي يمكن أن تعمل مثل لكمة في الخاصرة.
لكن في هذه الحالة، كان العديد من المستثمرين في الأسهم في حالة انحناء دفاعي. في تداولات العقود الآجلة، كان الطلب قوياً على عمليات التحوط للحماية من نوبات التقلب المفاجئة التي تصيب الأسواق أخيراً بسبب عوامل متعددة، منها الأزمة النفطية وأيضاً تداعيات كورونا على الأسواق، إضافة إلى ما لمح إليه ترامب من إمكانية رفض قبول الخسارة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو احتمال عززه في مناظرة ليلة الثلاثاء الماضي مع منافسه الديمقراطي جو بايدن.
هذه التحوطات المسبقة ربما خففت من تأثير إصابة ترامب، وفقاً لتقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ"، حيث استعادت الأسهم الكثير من خسائرها المبكرة يوم الجمعة، إلا أنها لا تزال تشير إلى مستوى عالٍ من القلق بشأن ما يمكن أن يشكل أزمة دستورية بين يوم الانتخابات في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني ويوم التنصيب في يناير/ كانون الثاني.
يقول مايكل أرون، كبير استراتيجيي الاستثمار في صندوق "أس بي دي آر" الأميركي: "أصبح نطاق اختلاف النتائج في الانتخابات أوسع بكثير، وتزايدت احتمالات وقوع أحداث كانت مستبعدة، قد تقلب الأسواق".
يمكن ملاحظة هذا القلق بسهولة في عقود VIX (مؤشر التقلب) الآجلة، وهي طريقة للمراهنة على التقلبات تميل إلى العمل كنوع من بوليصة التأمين ضد الخسائر في مؤشر S&P 500 (يضم أسهم أكبر 500 شركة مالية أميركية).
كان نشاط التحوط ضد التقلبات الضخمة بالقرب من الانتخابات مرئيًا طوال العام في هذه العقود. في حين أن هذا ليس غريبًا جدًا، فمن الواضح أنه مع اقتراب شهر نوفمبر، تزداد المخاوف.
عادة، ترتفع أسعار عقود VIX لأنها تغطي التواريخ في المستقبل. عند مراقبة الرسم البياني كان المنحنى صاعدا بلطف قبل إصابة ترامب بالفيروس، الآن، يشير المنحنى إلى شيء آخر، المستثمرون قلقون بشكل متزايد بشأن شهرين ونصف من الانتخابات وصولاً إلى التنصيب، لذا فهم يدفعون أكثر مقابل حماية أنفسهم خلال تلك الفترة. العقود الآجلة لشهر نوفمبر، المصممة للحماية من التقلبات المتوقعة حتى أواخر ديسمبر، هي الأغلى.
وخلال التعمق قليلاً في الأرقام، يتبين، وفق "بلومبيرغ"، أن الخيارات التي تحمي من انخفاض بنسبة 10 في المائة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة تواجه تقلبا ضمنيا قدره 32.2 اعتبارًا من 30 سبتمبر/ أيلول. وهذا مرتفع نسبيًا. يقارن بتقلب اقترب من رقم 35 في عام 2008، عندما طغت الأزمة المالية العالمية على الانتخابات.
يشرح أرون عن تأثيرات الانتخابات الرئاسية: "هذه مخاطر معروفة، ومع ذلك، أعتقد أن السوق سيستمر في مواجهة هذا النوع من نوبات التقلب، ويمكن استمرار الطلب على أصول الملاذ الآمن مثل سندات الخزانة والذهب والين حتى انتهاء الانتخابات".
يعتقد العديد من المحللين أن إصابة ترامب قد تدفع الكونغرس أخيرًا إلى الموافقة على حزمة تحفيز إضافية. لا يزال آخرون يقولون إنه قد يجدد أيضًا المخاوف بشأن الفيروس الذي قد يعيق إعادة الافتتاح ويزيد من الضرر بالاقتصاد.
يقول يوسف عباسي، استراتيجي السوق العالمية في "ستونيكس": "هذا يجعل فرصة ظهور الموجة الثانية تبدو أكثر مصداقية. إذا سيكون هناك حاجة للمزيد من التحفيز".
كما إن كيفية تأرجح مرض ترامب في الانتخابات هي أيضًا ورقة جامحة. في حين أنه من الممكن أن يثير تعاطف بعض الناخبين، يعتقد الكثيرون أن الانتخابات ستكون نوعًا من الاستفتاء على كيفية تعامله مع الوباء.
إن الإصابة بالمرض نفسه لا تلغي أنه يوجد ما يقرب من 210 آلاف وفاة خلال قيادته البلاد. بالنسبة لجيمس ماكدونالد، الرئيس التنفيذي لشركة "هيركوليز أنفستمنت"، فإن احتمال فرض ضرائب أعلى وعناصر أخرى في منصة بايدن قد يتسبب في بدء المستثمرين المؤسسيين في الخروج من الأصول ذات المخاطر العالية والتحوط ضد المزيد من التقلبات. يعتقد آخرون أن فوز بايدن واكتساح الديمقراطيين للكونغرس سيكونان النتيجة الأكثر تفاؤلاً لأنها ستنتج قانون تحفيز.
مع تقدم بايدن في معظم استطلاعات الرأي، قد يستمر السوق في تحقيق نصر أكثر مدوية للديمقراطي، مما يقلل من فرصة إجراء انتخابات متنازع على نتائجها، وبالتالي، خطر اندلاع المزيد من الاضطرابات في السوق، وفقًا لكريستوفر سمارت، كبير الاستراتيجيين العالميين ورئيس معهد بارينغز الذي يضيف: "بعد قولي هذا، نحن في منطقة مجهولة حقًا، لدينا على الأقل خمس فترات من التخبط من الآن وحتى يوم الانتخابات".
عملياً تتزايد التساؤلات يومياً الآن، هل سيساعد مرض الرئيس ترامب على النمو الاقتصادي من خلال كسر المأزق في الكونغرس بشأن التحفيز؟ أم أنه سيضر بالاقتصاد من خلال زيادة المخاوف من الفيروس وإبطاء إعادة الافتتاح؟ ينقسم المتنبئون، قائلين إن النتيجة تعتمد جزئيًا على مدى سوء حالة ترامب.
وأفاد مكتب إحصاءات العمل في 2 أكتوبر/ تشرين الأول أن الولايات المتحدة أضافت 661 ألف وظيفة في سبتمبر. هذا رقم تاريخي قوي ولكنه أقل من الزيادات الحادة البالغة 4.8 ملايين وظيفة في يونيو/ حزيران، و1.8 مليون في يوليو/ تموز، و1.5 مليون في أغسطس/ آب. حتى الآن، استعادت الولايات المتحدة ما يقرب من نصف الوظائف المفقودة من الإغلاق الربيعي للاقتصاد.
ستستغرق استعادة ما تبقى منها وقتًا أطول وستعتمد على سرعة إعادة فتح الحكومات والشركات، والتي بدورها ستتأثر بمسار الوباء. ويمثل انتهاء إجراءات الإغاثة من فيروس كورونا عقبة كبيرة أمام التعافي، بما في ذلك تعويضات البطالة التكميلية. في 2 أكتوبر، قالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في مقابلة تلفزيونية إنها متفائلة بإبرام صفقة حول التحفيز.
وفي إشارة إلى مرض ترامب، قالت: "هذا النوع من التغييرات يغير الديناميكية". ويقول ستيفن ستانلي، كبير الاقتصاديين في "آمهرست بياربونت سيكيوريتيس" إن الاقتصاد الأميركي لن يغلق مرة أخرى بالطريقة التي كان عليها في الربيع حتى لو كان هناك ارتفاع كبير في حالات كورونا أو موجة من القلق بشأن ترامب.
ويشرح أن ولايات مثل أريزونا وتكساس وفلوريدا، التي تضررت في وقت متأخر، تمكنت من تجنب أسوأ حالات الركود.
ويقول إن "الإجراءات المستهدفة" مثل إغلاق الحانات، والحد من سعة المطاعم الداخلية، وفرض ارتداء الأقنعة "يمكن أن يكون لها تأثير كبير" في مكافحة الفيروس.
الولايات التي أغلقت، مثل نيويورك ونيوجيرسي وماساتشوستس وكاليفورنيا، عانت من خسائر وظيفية أكبر بكثير منذ فبراير/ شباط من الولايات التي اتخذت إجراءات محدودة، كما يقول جاد ليفانون، نائب رئيس أسواق العمل في كونفرنس بورد، وهي مجموعة بحثية.
يضيف أن قرارات الحكومة بشأن كيفية التعامل مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا سيكون لها تأثير كبير في الأشهر المقبلة.