أصبح الأتراك يدققون في أسعار كل مشترياتهم مع تجاوز سعر الصرف، اليوم الخميس، عتبة 11 ليرة للدولار الواحد للمرة الأولى في تاريخ العملة الوطنية، لتشهد الليرة تراجعاً في قيمتها بمقدار الثلث مقابل الدولار منذ مطلع العام.
في سوق إيمنونو الشهير قرب البازار الكبير في إسطنبول، تسحب نعيمة دفتر ملاحظاتها لتدون الأسعار الجديدة التي تتغير من يوم إلى آخر في ظل التراجع المستمر لسعر صرف الليرة التركية، وتقول هذه المتقاعدة: "أكتب الأسعار وأحسب كل شيء".
ويحذر الاقتصاديون من أن التراجع لن يتوقف في ظل الخيارات المالية غير التقليدية للرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يعارض أي زيادة في أسعار الفائدة رغم تسارع التضخم الذي بلغ نحو 20% على مدى عام.
وخفّض البنك المركزي سعر الفائدة مرة أخرى الخميس بمقدار نقطة واحدة، ليصير 15%، ما سبب على الفور تراجعاً جديداً في سعر صرف الليرة.
تقول نعيمة: "لم يعد بإمكاني شراء ما أريد، عندما أذهب إلى السوق تتغير الأسعار من يوم إلى آخر". وتضيف أنه في الأيام الخوالي كان بإمكانها بسهولة قضاء إجازة مع عائلتها، لكن "كل ذلك انتهى، الآن نكاد لا نلبي احتياجاتنا".
الرواتب في مهب الريح
وقام عبد الله جيسي وزوجته، وهما متقاعدان، برحلة طويلة بالسيارة إلى بازار إمينونو على أمل التوفير.
ويشكو الرجل البالغ 75 عاماً، مشيراً إلى حقيبة التسوق التي تمسك بها زوجته: "لم نشتر شيئاً تقريباً وأنفقنا 120 ليرة (11 دولاراً تقريباً)".
يضيف آسفاً وهو يشير إلى البقالة: "نحتاج إلى الكثير من الأشياء الأخرى من هنا... لديهم سلامي وسجق، أحبها، لكني لم أعد قادراً على تحمل تكاليفها.. رواتبنا صارت في مهب الريح".
بدورها، تقول زوجته خديجة: "نشتري بكميات قليلة، نصف كيلوغرام بدل الكيلوغرام".
وترتفع الأسعار في تركيا منذ الصيف الماضي. وقد ألقى الرئيس أردوغان المسؤولية على المتاجر الكبرى، لكن الحد الأدنى الصافي للأجور يبلغ 2825 ليرة، أي 224 يورو بسعر الصرف الحالي. ويرى مراقبون أنه صار من المستحيل إعالة عائلة بهذا المبلغ في المدن الكبرى.
وصار سعر رغيف الخبز 2.5 ليرة، وكيلوغرام اللحم المفروم المستهلك على نطاق واسع 90 ليرة، وتجاوز سعر 5 لترات من الزيت 100 ليرة.
وبلغ معدل البطالة الرسمي في البلد، الذي يعد 83 مليون نسمة، 11.5% في سبتمبر/ أيلول، مع الإشارة إلى أن العديد من الأتراك يعملون في قطاعي البناء والزراعة غير المنظمين.
في البازار ينادي الباعة بأن "لا زيادة" في الأسعار بمحالهم. وجاءت فيريا لشراء معطف لزوجها بسعر مناسب على ما تأمل، لأنها لم تستطع الذهاب إلى مراكز التسوق المنتشرة في أنحاء المدينة.
وتقول متسائلة: "معاشي التقاعدي يبلغ 2600 ليرة (200 يورو). كيف تتوقعون مني أن أدفع 1600 ليرة (120 يورو) ثمن معطف؟... لا أعرف إن كنتُ سأجد شيئاً بسعر معقول هنا".
على جسر غلطة، الذي يمتد على منطقة القرن الذهبي، ألقى حفظ الله كانباي صنارة الصيد أثناء انتظاره لتولي عمله سائق حافلة صغيرة. بالنسبة له، السياسات الحالية تثري الأغنياء فقط وتفقر الفقراء. ويقول: "لا تسألني ما هو الحل. سأقول لك بوضوح: لا أتوقع أي شيء من السياسيين أياً كانوا".
ويضيف حفظ الله: "لا تسألني إذا كان ما زال لدي أمل، لقد فقدته، لا أرى أي بارقة". ويوضح أنه تخلى حتى عن النزهات مع أطفاله في عطلات نهاية الأسبوع، "لم يعد ذلك ممكناً، علينا أن نعيش بأن نحسب كل شيء، هذا هو وضعنا الآن".
(فرانس برس)