تدهور الصناعة السودانية: أزمات ورسوم تغلق 24% من المنشآت

24 ابريل 2021
الإغلاق يطاول مصانع مواد البناء (عصام الحاج/ فرانس برس)
+ الخط -

أغلقت عشرات المصانع السودانية أبوابها في السنوات القليلة الماضية، وسط إغراق السوق المحلية بالسلع والمنتجات المستوردة بموازاة ارتفاع تكلفة الإنتاج الداخلي. وأقر وزير الصناعة إبراهيم الشيخ، في تصريح صحافي أخيراً، بأن الصناعة في البلاد تعيش واقعاً مريراً نتيجة عدم استقرار التيار الكهربائي وتزايد الرسوم والجبايات، ما رفع تكلفة الإنتاج وأضعف القدرة على المنافسة.

وكشفت دراسة لاتحاد الغرف الصناعية في البلاد عن إغلاق 24 في المائة من المنشآت الصناعية من إجمالي 3 آلاف و110 منشآت، مبينة توقف حوالي 27 في المائة من أنشطة قطاع الغزل والنسيج، و21 في المائة في قطاع الكيماويات و19 في المائة في قطاع المدابغ والمنتجات الجلدية، و31.6 في المائة في المنتجات الورقية والطباعة والنشر، و26 في المائة في مواد البناء والتشييد و28 في المائة من مصانع المواد الغذائية.

وكانت وزارة المالية حررت أسعار الوقود ورفعت يدها عن الدعم، كما عملت على تعويم سعر الجنيه ليصل الدولار إلى حوالي 380 جنيهاً. وقال المدير التنفيذي لاتحاد الغرف الصناعية أحمد عبيد، خلال ورشة مختصة عقدت في الخرطوم، إن عدد الرسوم التي تدفعها المصانع تعتبر كبيرة. في حين عددت مصادر "العربي الجديد" أسباب أزمة الصناعة، حيث تتوزع ما بين الرسوم وأزمة الطاقة ونقص التمويل المصرفي وغياب قانون تنمية الصناعة، إضافة إلى تداخل الاختصاصات القومية والولائية.

وشرحت أن مشكلات الكهرباء والبنى التحتية بصورة عامة أثقلت كاهل المصانع، حيث يتم فرض 19 رسماً وضريبة تمثل نسبة 45 في المائة من تكلفة العملية الإنتاجية، "وهذا بالطبع يطرد المستثمرين، ويعرقل أي نوايا استثمارية مستقبلية".

وشرح الأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية عباس علي السيد، لـ"العربي الجديد"، أن الرسوم والضرائب التي تفرض على القطاع لا تقابلها خدمات تفيد الصناعة. ولفت إلى أن هيئة المواصفات والمقاييس اعتمدت لائحة لتحصيل الرسوم بحجة تفتيش المصانع، تقوم على أثرها بفرض فاتورة على كل مصنع تراوح ما بين 15 و20 مليون جنيه.

بدوره، قال المحلل الاقتصادي الفاتح عثمان، لـ"العربي الجديد" إن الصناعة المحلية في السودان تعتمد بمعظمها على الاستيراد، حيث تتوزع ما بين مصانع تعبئة، أو تحتاج إلى مواد أولية مستوردة، كون سلاسل الإنتاج غير مترابطة. وأشار إلى أن المنتجات الصناعية السودانية تعتبر قليلة مقارنة بالمستوردة، في حين أن مستقبل هذا القطاع يعتمد بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للحكومة، والتي تعتبر إلى الآن غير مؤاتية لنهضة الصناعة. ولفت إلى التضييق على المستثمرين والدور السلبي الذي تلعبه أجهزة الحكومة الجبائية التي تحارب الإنتاج والصادرات وتشجع على الاستهلاك والاستيراد. وأكد عجز الحكومة عن إصلاح الموانئ والنقل بالسكك الحديدية، بالإضافة إلى عدم توفير الكهرباء بطريقة منتظمة.

واعتبر أن هذه أمور كافية لإزهاق روح الصناعة وقتلها تماماً. وأضاف عثمان أن البلاد تحتاج إلى تفكير نهضوي على مستوى القيادة السياسية لتنظيم كل سياسات الحكومة لصالح تطوير القطاعات الإنتاجية، ومنها الصناعة، ومن دون هذا التخطيط العلمي لن تتحسن مؤشرات الاقتصاد.

وأكد وزير الدولة الأسبق في وزارة الصناعة عبدو داوود ضرورة تنظيم آليات الجباية، إذ إن بعض السياسات المالية، خاصة المتعلقة بالضرائب والرسوم، تحتاج الى تنسيق على كافة المستويات. وأضاف أن التشريعات الصناعية تحتاج إلى مراجعة، مع تحديد تبعية القطاع الصناعي إلى السلطات المحلية أو القومية أو الاتحادية.

وأقر داوود بوجود تحديات فنية تواجه العمالة الماهرة، "إذ إننا ما زلنا نستقدم العمالة من الخارج". ودعا إلى تشجيع الشراكة بين الاستثمار الأجنبي والمحلي لإحلال الواردات وزيادة الصادرات. وأكدت مصادر "العربي الجديد" أن واقع الصناعة السودانية غير مرض، حيث تشير إحصائية رسمية من وزارة الصناعة إلى أن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز 22 في المائة، وهي تعتبر ضعيفة مقارنة بالقطاعات الأخرى.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وشرحت المصادر أنه هناك نقاط ضعف ذاتية تتمثل في أن السجل القانوني لمعظم المنشآت الصناعية يشير إلى أنها شركات ذات مسؤولية محدودة بدلاً من أن تكون شركات مساهمة عامة، ما يقلل من فرض نمو هذه المنشآت. ورغم دخول استثمارات خارجية في المجال الصناعي السوداني، إلا أن الإحصائيات تؤكد أن حجم المكون المحلي يبقى ضعيفا في المشروعات الاستثمارية.

ولفتت المصادر إلى أهمية مراجعة التشريعات الصناعية، بحيث يمكن أن تكون داعمة لتطوير القطاع وتحصينه من الإغراق وزيادة قدراته التنافسية، والسيطرة على أي نوع من الاحتكار. حيث أكد مختصون أن تكلفة الإنتاج في السودان عالية نتيجة للمعوقات التي تواجه الأسواق السودانية، أبرزها إغراقها بالسلع المستوردة، داعين إلى ضرورة تغيير السياسات وتوفير البنى التحتية والطاقة المحركة لتنمية القطاع. 

المساهمون