تدعم تحويلات التونسيين بالخارج سياسات البنك المركزي التونسي في تثبيت قيمة الدينار المحفوف بمخاطر الهبوط نتيجة تصاعد عجز الميزان الجاري. ومنذ بداية العام الحالي حوّل التونسيون في المهجر ما يزيد عن 6 مليارات دينار (1.9 مليار دولار) إلى حسابات بنكية في بلادهم بزيادة قدرت بنحو 16.5 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2021.
وزادت تحويلات المغتربين من بداية يناير/كانون الثاني وإلى نهاية أغسطس/آب الماضي بـ858 مليون دينار، حسب آخر مؤشرات البنك المركزي التونسي.
وتمثّل تحويلات التونسيين في المهجر عنصر إسناد لرصيد العملة الأجنبية لدى البنك المركزي الذي يواصل الاحتكام إلى مخزون نقد أجنبي بقيمة 23.4 مليار دينار، أي ما يعادل 7.5 مليارات دولار.
وتفوقت تحويلات التونسيين بالخارج على الكثير من مصادر الإيرادات في تونس من العملة الصعبة، رغم الظروف العالمية التي تتسم بالركود الاقتصادي وارتفاع التضخم، وما خلفته جائحة كوفيد 19 من انعكاسات سلبية على الحركة التجارية.
ويؤكد وزير المالية السابق والخبير المالي سليم بسباس أهمية تحويلات التونسيين في الخارج لدعم رصيد العملة الصعبة، مؤكداً أنها تحولت خلال السنوات الثلاثة الماضية إلى أول مصدر للنقد الأجنبي، متفوقة على قطاع السياحة الذي تراجعت مساهمته.
ويشرح بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد" أن رصيد العملة الصعبة لدى البنك المركزي التونسي يبقى مطمئناً للمتعاملين الاقتصاديين ويحول دون الطلب المكثف على النقد الأجنبي، وذلك بفضل قدرته على تغطية أكثر من 110 أيام من الواردات، وعدم النزول إلى مرحلة الخطر التي تكون فيها احتياطات النقد دون 60 يوم توريد.
ويفيد في سياق متصل، أن المحافظة على قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية مرتبطة بمدى قدرة البلاد على تعبئة موارد خارجية، مؤكداً أن ارتفاع عجز الميزان التجاري إلى نحو 12 مليار دينار يشكل عامل ضغط كبير على قيمة العملة.
ويشير أيضاً إلى أن عجز الميزان التجاري أصبح يمثل نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة جداً، مرجحاً أن يضطر البنك المركزي إلى استعمال رصيد العملة الصعبة خلال الربع الأخير من السنة الحالية، في ظل تأخر الاتفاق المالي مع صندوق النقد الدولي.
ويتوقع بسباس أن يؤدي تصرّف البنك المركزي في رصيد العملة إلى انزلاق سعر الدينار مقابل الدولار واليورو، وخسارة العملة المحلية جزءاً من قيمتها قبل نهاية العام الحالي، في غياب إيرادات كافية من العملة الصعبة.
ويشير وزير المالية السابق إلى أن سياسة التعويم المؤطر للدينار التي يمارسها البنك المركزي التونسي منذ ثلاث سنوات لا يمكنها أن تستمر طويلاً إزاء المخاطر التي تحيط برصيد العملة، ومن أهمها نقص التمويلات الخارجية.
عملياً، يواصل الدينار التونسي صموده النسبي أمام العملات الأجنبية رغم الأزمة الاقتصادية وضغوط المالية العمومية على احتياطي النقد الأجنبي، مستفيداً من السياسة التقييدية للبنك المركزي الذي يتمسك بقرار الاستقلالية وعدم الانخراط في التمويل المباشر للموازنة. وبحسب أحدث مؤشرات البنك المركزي التونسي على موقعه الرسمي، فإن دولاراً واحداً يعادل 3.236 دنانير.
وحذّر البنك المركزي التونسي في أكثر من مناسبة من الضغوط التضخمية التي تعكس تفاقم العجز التجاري، إثر اجتماع استثنائي درس فيه تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد التونسي.
وفي وقت سابق، قال مدير عام ديوان التونسيين بالخارج محمد المنصوري لوسائل إعلام محلية إن تحويلات التونسيين بالخارج مكّنت من تغطية خدمات الدين الخارجي. كذلك كشفت إحصائيات نشرها ديوان التونسيين بالخارج بداية سبتمبر/ أيلول، أن قيمة الاستثمارات التي صرح بها التونسيون المقيمون بالخارج خلال سنة 2021 بلغت حوالي 163 مليون دينار، أي ما يعادل 4 في المائة من جملة الاستثمارات المصرح عنها في تونس خلال الفترة ذاتها.
وبلغ عدد المشاريع المصرح عنها من قبل تونسيين يقيمون بالخارج، خلال السنة الماضية، 2292 مشروعاً في قطاع الخدمات بقيمة 149.5 مليون دينار، أي بنسبة 14 في المائة من جملة الاستثمارات المصرح عنها في القطاع، فيما قدر عدد المشاريع في القطاع الصناعي بـ50 مشروعاً بقيمة 10.27 ملايين دينار.