تحذيرات ساويرس ومخاطر الاستثمار في مصر

08 مايو 2023
رجل الأعمال المصري سميح ساويرس يحذر
+ الخط -

قبل أيام خرج علينا رجل الأعمال البارز سميح ساويرس بتصريحات أثارت جدلاً واسعاً في الفضاءات والصحف ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث أعلن التوقف عن بدء مشروعات جديدة في مصر، بسبب ضبابية المشهد، خاصة المتعلق بمؤشرات الاقتصاد الكلي، وأوضاع سوق الصرف، ومستقبل الجنيه مقابل الدولار، وفي المقابل تحدث عن خططه للاستثمار في السعودية والمغرب والإمارات، قائلاً إنّ السعودية تشهد ثورة استثمارية.

كما تحدث ساويرس عن الاختناقات التي يعاني منها الاقتصاد المصري ومناخ الاستثمار قائلاً: "ما حدث خلال العامين الماضيين هو ما أوصلنا إلى الوضع الحالي، اقتصاد مخنوق، لا بيع أو استيراد أو توزيع، وهذا أثّر سلباً في الاقتصاد العام، وعلى حجم القطاع الخاص من الاقتصاد الكلي الذي انخفض من 62% إلى 21% خلال 10 سنوات بحسب بيانات رسمية"، وعلى حد وصفه: "أنا اتخضيت من التدهور الذي حدث".

التحذيرات صادرة عن واحد من أهم رجال الأعمال في مصر، وواحد من أغنى أثرياء المنطقة، وشخص ينتمي إلى أسرة بالغة الثراء لديها استثمارات بمليارات الدولارات

تلك التحذيرات لم تصدر هذه المرة عن حزب سياسي معارض أو قوة وجماعة مناوئة للنظام المصري القائم، أو حتى من شخص غاضب من تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، بل صادرة عن واحد من أهم وأكبر رجال الأعمال في مصر، وواحد من أغنى أثرياء المنطقة بل العالم، وشخص ينتمي إلى أسرة مصرية بالغة الثراء، حيث لديها استثمارات تُقدر بمليارات الدولارات في مختلف دول العالم.

وهنا لا يستطيع أشخاص محسوبون على النظام وصف تصريحات سميح ساويرس بأنها مؤامرة كونية تستهدف الإساءة للاقتصاد المصري، أو أنها صادرة عن جماعات تستهدف الإساءة لسمعة مصر، فالرجل يتحدث اقتصاد وبزنس وإدارة أموال وفوائض مالية وفرص استثمار متاحة، لا سياسة وملفات متعلقة بحقوق الإنسان والرأي والمعتقلين السياسيين.

إذا وضعنا تصريحات ساويرس جنباً إلى جنب مع التطورات الأخيرة المتعلقة بمؤشرات الاقتصاد المصري فإننا قد نكون أمام صورة سوداوية تتطلب تحركاً عاجلاً من الجهات المسؤولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة مع تحذيرات أخرى بشأن الاقتصاد والديون الخارجية صادرة عن مؤسسات مالية عالمية مرموقة، وبنوك استثمار كبرى، ووكالات تقييم، ومراكز بحوث مرموقة.

فقبل أيام قليلة ولأول مرة منذ عام 2013 خفّضت مؤسسة "فيتش" العالمية، تصنيف مصر طويل الأجل إلى "B" بدلاً من "+B" مع نظرة مستقبلية سلبية، على خلفية "متطلبات التمويل الخارجي المرتفعة، وتشديد شروط التمويل الخارجي، وحساسية خطة التمويل الأوسع في مصر تجاه معنويات المستثمرين".

كما تحدّثت المؤسسة عن احتمالية مواجهة مصر صعوبة في تأمين احتياجاتها من القروض والتمويل الخارجي في السنة المالية المقبلة 2023 / 2024، على خلفية زيادة قيمة الديون الخارجية مستحقة السداد إلى 7.2 مليارات دولار خلال تلك السنة مقابل 4.3 مليارات دولار في السنة المالية 2022 / 2023.

تحدّثت مؤسسة فيتش عن احتمالية مواجهة مصر صعوبة في تأمين احتياجاتها من القروض والتمويل الخارجي في السنة المالية المقبلة 2023 / 2024

تصنيف "فيتش" المزعج ليس الأول من نوعه خلال العام الجاري، فقد سبق لوكالة موديز العالمية خفض تصنيف مصر الائتماني إلى "B3" في شهر فبراير/شباط الماضي، كما عدّلت وكالة "ستاندرد أند بورز" قبل أيام النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري إلى سلبية.

وقبل أيام أيضاً كشفت أرقام رسمية عن تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 23% خلال النصف الثاني من العام الماضي، لتصل إلى 12 مليار دولار مقابل 15.6 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام الماضي.

كما تراجعت تلك التحويلات بنسبة 20.9% في الفترة ما بين يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول 2022، لتسجل 6.4 مليارات دولار، مقابل 8.1 مليارات دولار في الفترة نفسها من 2021.

موقف
التحديثات الحية

وهذا التراجع مرشح للاستمرار خلال عام 2023 مع تعويم الجنيه أكثر من مرة، وتوقعات بخفض جديد في قيمة العملة المحلية، واستمرار السوق السوداء للعملة، كما يأتي على خلفية نشاط تجار العملة المتزايد وسط المغتربين المصريين، خاصة العاملين في منطقة الخليج.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد واصل القطاع الخاص غير النفطي في مصر انكماشه للشهر الـ 29 على التوالي في شهر إبريل/ نيسان الماضي، وزاد معدل التضخم الأساسي لمستوى قياسي تجاوز 40% في بعض الشهور مع قفزات الأسعار.

لعل تلك المخاطر تفسّر إعلان صناديق سيادية خليجية وشركات عربية وأجنبية كبرى عن تجميد خطط الاستثمار في مصر، أو ضخ استثمارات في مشاريع قائمة

وشهدت الدولة تقشّفاً في السياسة المالية، ونقصاً في العملة الأجنبية، رغم تحسّن مؤشرات السياحة وقناة السويس والصادرات، والاستثمار الأجنبي المباشر، وارتفاع صافي احتياطيات النقد الأجنبي، وتراجع الواردات، وبالتالي فإن هناك حالة من عدم اليقين بشأن أداء الاقتصاد في المرحلة المقبلة.

ولعل تلك المخاطر وغيرها تفسّر إعلان صناديق سيادية خليجية وشركات عربية وأجنبية كبرى عن تجميد خطط الاستثمار في مصر، أو ضخ استثمارات جديدة في مشاريع وشركات قائمة.

كما تفسر تباطؤ دول الخليج في ضخ نحو أكثر من 14 مليار دولار من الاستثمارات والتمويل جرى الوعد بضخها في شرايين الاقتصاد المصري في إطار الاتفاق الأخير بين مصر وصندوق النقد الدولي والذي تم بموجبه منحها قرض بقيمة 3 مليارات دولار.

المساهمون