تحديات اقتصادية واجتماعية تنتظر الرئيس الجزائري في ولايته الجديدة

13 سبتمبر 2024
الشارع يترقب حلولاً جذرية لأزماته المعيشية (إريك لافورج/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **التحديات الاقتصادية والاجتماعية للرئيس تبون**: يواجه الرئيس تبون تحديات كبيرة في ولايته الثانية، منها الاعتماد المفرط على إيرادات النفط، وعدم استغلال القطاعات غير النفطية بالكامل، والعجز المالي الكبير.

- **الولاية الأولى للرئيس تبون**: بدأت بأزمة اقتصادية حادة بسبب جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط، لكن تحسنت الأوضاع المالية لاحقاً بفضل ارتفاع إيرادات النفط والغاز.

- **الإصلاحات المطلوبة في الولاية الثانية**: تشمل تنويع الاقتصاد، تسريع مشاريع التعدين، تحسين المنظومة المصرفية وسوق العمل، وإصلاح القطاع العمومي التجاري والصناعي.

تبرز جملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتظر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي فاز بولاية ثانية لخمس سنوات، في ظل استمرار تبعية اقتصاد البلد العربي لإيرادات النفط بشكل مفرط، رغم خطط حكومية لدفع القطاعات غير النفطية وتنويع الاقتصاد، وحتمية إطلاق جيل ثان من الإصلاحات.

وحصل تبون، وفق النتائج المؤقتة التي أعلنت عنها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، على نحو 95 بالمائة من أصوات الناخبين في الرئاسيات المسبقة التي جرت في 7 سبتمبر/أيلول، وسط جدل حاد بشأن نسبة المشاركة الحقيقية، بعد تشكيك المرشحين الثلاثة، بمن فيهم الرئيس الفائز، في الأرقام المعلنة.

ولعل أهم ما ميز الولاية الأولى للرئيس الجزائري هو أنها انقسمت إلى مرحلتين، انتقل فيها اقتصاد البلاد من النقيض إلى النقيض.
 

الولاية الأولى

استهل تبون ولايته الأولى بأزمة اقتصادية غير مسبوقة ارتبطت بانتشار جائحة كورونا (كوفيد-19)، هوت بإيرادات البلاد من النقد الأجنبي، جراء انهيار أسعار النفط والغاز، مصدر دخل البلاد الرئيسي.

وسجل نمو الاقتصاد الجزائري سنة 2020 قيماً سالبة، مع توقف نشاطات عديد القطاعات، وزادت خلالها نسب البطالة والتضخم.
لكن في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وجدت الجزائر نفسها في بحبوحة مالية وارتفعت معها إيرادات البلاد لتصل إلى 60 مليار دولار عام 2022، وتحوّل البلد العربي إلى رقم صعب في معادلة أمن الطاقة للقارة الأوروبية، خصوصا ما تعلق بالغاز.
وفي خضم ذلك، أطلقت الحكومة خططا لدفع القطاعات غير النفطية، وهو ما مكّن من بلوغ صادرات خارج قطاع المحروقات إلى 7 مليارات دولار في عام 2022، هو الأعلى في تاريخ البلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962، لكنها تراجعت إلى 5 مليارات في العام الماضي.
وحسب متابعين، فإن صادرات الجزائر غير النفطية لا زالت أقل من المأمول، بالنظر للإمكانيات الهائلة المتاحة في عدة قطاعات، على غرار الصناعة والزراعة والمعادن وغيرها.

وخلال العامين الماضيين زاد الإنفاق الحكومي الجزائري بشكل لافت، وسجلت الموازنة العامة مستويات تاريخية غير مسبوقة، بعد أن بلغت 99 و112 مليار دولار تواليا، لكن بعجز تاريخي فاق 42 مليار دولار.
واعتمدت الجزائر لأول مرة في تاريخها منحة للعاطلين بقيمة 13 ألف دينار، قبل رفعها إلى 15 ألفا، ومن المنتظر أن تصل إلى 20 ألف دينار (نحو 150 دولارا شهريا)، في إطار وعود تبون خلال الحملة الانتخابية للرئاسيات الأخيرة، ويستفيد منها حاليا نحو مليوني عاطل.

كما تنتظر الخزينة العمومية مستويات إنفاق مرتفعة، بالنظر إلى برنامج سكني ضخم سيتم إطلاقه خلال العهدة الثانية لتبون، موجه للطبقات المتوسطة في إطار ما يسمى بسكنات "عدل"، التي سجل فيها أكثر من 1.3 مليون مواطن، لكن العدد مرشح لأن يتقلص بعد إجراء عمليات التدقيق لتحديد المستفيدين الذين تتوفر فيهم الشروط.

تحديات اقتصادية واجتماعية

في هذا السياق، يعتقد الخبير الاقتصادي الجزائري محفوظ كاوبي، أن الرئيس عبد المجيد تبون الذي أعيد انتخابه لولاية جديدة تنتظره فعلا تحديات اقتصادية واجتماعية مهمة خلال الخمس سنوات المقبلة.
وأوضح كاوبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه خلال الولاية السابقة للرئيس تبون، جرى هندسة النمو الاقتصادي على أساس تثمين المواد الباطنية وتحويلها إلى رأسمال، من أجل الاستثمار في 6 أو 7 قطاعات حددها قانون الاستثمار، والتي تحظى بأولوية الدولة.
وتتمثل هذه القطاعات في الفلاحة والصناعات الغذائية، والفولاذ والحديد والصلب والصناعة الميكانيكية، والصناعة الصيدلانية، والصناعة البتروكيماوية، والمؤسسات الناشئة والتكنولوجيا المتقدمة، والطاقات المتجددة.
ولفت إلى أن هذه الميادين حظيت بأولوية ودعم من الدولة، خلال العهدة الأولى للرئيس تبون، لكن السؤال المطروح ما هو المنتظر في الولاية الجديدة؟

واعتبر كاوبي أن المنتظر هو إعطاء مضمون فعلي وتحويل الأهداف المعلنة إلى ملموسة، وعدم البقاء في منطق النوايا التي لا تتضمن بعدا عمليا حقيقيا، من خلال البدء في تنويع حقيقي للاقتصاد وعدم البقاء تابعين للقطاعات الاستخراجية والنفطية خصوصا.
ومن التحديات، يشرح كاوبي، المشاريع الكبرى التي تم إطلاقها في الولاية الأولى لتبون في قطاع التعدين (المناجم) على غرار غار جبيلات والفوسفات وغيرها، والتي يجب أن تمر بالسرعة القصوى وتتضمن مقاربة اقتصادية يجعل منها مشاريع تنافسية.
الأمر الثاني الذي لا بد منه في المرحلة القادمة هو الدخول في شراكات مع شركات مهمة على المستوى العالمي في القطاعات المذكورة، لأن الجزائر تحتاج إلى تحسين تمكّنها وتحكّمها في تقنيات الإنتاج والتسيير، ما يقود حتما نحو اقتصاد إنتاجي وتنافسي، حسب الخبير الاقتصادي.

توحيد سعر صرف الدينار

شدد كاوبي على أن من التحديات التي تنتظر تبون في ولايته الجديدة، ما يتعلق بإعادة النظر في منظومة سعر الصرف للعملة الجزائرية، بالنظر للفارق الكبير بين السوق الرسمية لدى البنوك والموازية (السوداء).
وقال في هذا الصدد: "في حالة توحيد الأسعار سنذهب إلى منطق تصالح الأسواق، لأنه لا يمكن أن نتصور تنويع اقتصاد وطني وإقامة صناعة تنافسية في مختلف المجالات واستقطاب فعلي للاستثمار الأجنبي إلا إذا وحّدنا سعر صرف الدينار".
وحاليا، يبلغ سعر صرف الدولار لدى البنوك 134 دينارا، مقابل 220 دينارا في السوق السوداء. أما اليورو فيقدر بـ144 دينارا رسميا، و241 في التعاملات الموازية.
وعلق قائلا: "حاليا منظومة الصرف تجعل السعر المتعلق برأس المال يتضمن ازدواجية أسعار، وهذا أمر يؤثر على استقطاب الاستثمار الأجنبي وتنافسية الأسعار".
وسيكون على السلطات أيضا إعادة النظر في المنظومة المصرفية باعتبارها ضرورية، من خلال إصلاحات جدية، بتفعيل السوق التنافسية وجعل الإدارة جهازا في خدمة الاقتصاد وليس لتوزيع الريع، حسب الخبير الاقتصادي.
واعتبر أنه من الضروري إعادة النظر في سوق العمل ومنطق الرواتب، وجعله متوافقا مع مردودية العمل وليس مع الرواتب الاسمية.
 

جيل ثان من الإصلاحات

وعرّج كاوبي على ما وصفها بإصلاحات الجيل الثاني، التي تمس القطاع العمومي التجاري والصناعي، وضرورة التوجه إلى خصخصة التسيير أو فتح رأس المال، حتى لا يبقى هذا القطاع عبئا على الخزينة العمومية.
وعلى مدار عقود، التهمت شركات صناعية حكومية في الجزائر مليارات الدولارات في عدة قطاعات، على غرار الميكانيكا والأجهزة الكهرومنزلية وغيرها، في إطار خطط حكومية لإعادة بعث نشاطها، لكنها بقيت تراوح مكانها وكانت النتائج أقل بكثير من المأمول.
وتطرّق كاوبي إلى الإصلاحات المطلوبة في الشق الاجتماعي، الذي ينتج عنه أثر كبير على الموازنة العامة للبلاد، معتبرا أنه لا يمكن الاستمرار في زيادة الميزانية العمومية بالشكل الحالي، خاصة أن أسعار البترول مؤهلة لأن تدخل في منحى تنازلي في السنوات القادمة أو على الأقل الأشهر القادمة.
ووفقه، فإن الحكومة مطالبة بتبنّي مقاربة جديدة تجعل موازنة الدولة وسيلة ثانوية لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وجعل الأسواق الوسيلة الأساسية لمعالجة الاختلالات من خلال مقاربة اقتصادية فعالة.

المساهمون