تجويع اليمنيين سلاح المتصارعين: تفخيخ الغذاء والتنقل

24 أكتوبر 2021
سوق للخضروات في مدينة تعز التي تتعرض لحصار الحوثيين (فرانس برس)
+ الخط -

تتسبب أطراف الحرب في اليمن في تعميق أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، فقد دأبوا في الفترة الأخيرة على استغلال الحصار كأداة رئيسية في الصراع، ما يفاقم معاناة اليمنيين، حيث أضحى غذاؤهم وتنقلهم في مرمى الاستهداف، بعد أن طاولت شظايا المتناحرين معظم قطاعات الإنتاج وفرص العمل على مدار السنوات الست الماضية.

ويفرض الحوثيون حصاراً على مديرية العبدية جنوب مأرب شمال شرق صنعاء، فيما يضيقون الخناق على الخدمات العامة في مديريات ومناطق أخرى، إضافة إلى الحصار المفروض على تعز من الجهة الشرقية، بينما يفرض التحالف الداعم للحكومة الشرعية في المقابل حصاراً على المنافذ البرية والبحرية والجوية لليمن، كما وضعت الحكومة نقاط تفتيش بالتعاون مع التحالف على السفن المحملة بالوقود والشاحنات التجارية وخطوط النقل البرية.

في الأثناء، برزت أدوات الحرب من متفجرات ألغام مضادة للأفراد تتم زراعتها في الحقول وعلى طول الطرق في كثير من الأحيان دون وجود علامات، كسلاح في الحرب التي تحمل اليمنيون وزرها من جوع وفقر وبطالة تطاول معظم سكان البلاد.

وتتهم الحكومة اليمنية الحوثيين بفرض حصار دام لمدة شهر لمنطقة العبدية، ومنعت دخول الغذاء والدواء والمياه وغيرها من الاحتياجات الأساسية للمواطنين، إلى جانب القصف المتواصل على المدنيين والقرى السكنية والحقول الزراعية والخدمات العامة في المديرية بالصواريخ والأسلحة الثقيلة والمتوسطة.

ونددت الأمم المتحدة أخيراً بحصار الحوثيين للعبدية، التي يقطنها نحو 35 ألف شخص، ودعت إلى ضمان حماية المدنيين وتوفير ممر آمن للخروج من مناطق الصراع، في الوقت الذي تتواصل فيه المعارك الضارية، بما في ذلك في محافظات مأرب (شمال شرق صنعاء) وشبوة (وسط الجزء الجنوبي لليمن).

يقول المزارع في مأرب ناجي سنان لـ"العربي الجديد"، إن كثيرا من القذائف والصواريخ أصابت مزارعهم أكثر من مرة وعطلت بعض الخدمات التي يستخدمونها مثل مضخات المياه، فيما أعاقت الألغام التي يتم وضعها بصورة عشوائية في الطرقات عملية تنقل المواطنين والعمال والمزارعين بين منازلهم وأماكن عملهم ومزارعهم، بالأخص في المناطق الواقعة في نقاط تماس المواجهات العسكرية، إضافة إلى نقل وتوزيع المنتجات والسلع والمحاصيل من مواقع الإنتاج والمزارع إلى الأسواق.

وإلى جانب القصف وتبعات الحرب الأخرى، تسببت الألغام بشكل كبير في تجويع شريحة سكانية واسعة في اليمن، خصوصاً في المناطق التي دارت فيها المعارك، بالأخص في البيضاء (جنوب شرق صنعاء) ومأرب ومناطق الساحل الغربي مثل المخا وذوباب غربي تعز، كما أعاقت الوصول إلى البنية التحتية الحضرية والمنازل والمراعي ومصادر المياه.

ويعتمد الكثير من الناس في مختلف المناطق اليمنية على الزراعة والرعي وصيد الأسماك كمصدر للدخل والغذاء، إذ حدت الألغام الأرضية التي يُتهم الحوثيون بدرجة رئيسية بزراعتها من قدرة المجتمعات المحلية على مواصلة هذه الأنشطة، وتركت الكثيرين منهم بدون مصادر رئيسية لكسب الرزق.

ووفق سكان محليين ورصد لجهات ومنظمات مدنية، فقد شهدت هذه المناطق وغيرها زرع الألغام على نطاق واسع في المناطق الزراعية، وأماكن الاحتطاب، وأراضي الرعي ومصادر المياه، مما أدى إلى منع وصول المدنيين إلى منازلهم ومزارعهم، وتسبب في نزوح الكثير وفقدانهم الكارثي لسبل عيشهم والأعيان التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة.

في حين، دمرت الغارات الجوية وقذائف المدفعية طوال سنوات الحرب العديد من المرافق الخدمية في محافظات مأرب (شمال شرق صنعاء) وصعدة وحجة (شمال غرب العاصمة) مثل مشاريع المياه ومزارع الحبوب والفاكهة وقوارب الصيادين في السواحل الغربية لليمن.

ويشير تقرير حديث لمنظمات يمنية ودولية، إلى أن جميع أطراف الحرب في اليمن استخدموا التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، إذ أعاق سلوكهم بشكل كبير وصول المدنيين إلى الغذاء والماء، وقد قاموا بذلك بالرغم من علمهم الواسع بالوضع الإنساني المزري في اليمن، حيث كان الناس، بمن فيهم الأطفال، يموتون من الجوع.

ووثق التقرير، الذي اطلعت عليه "العربي الجديد"، تحقيقات ميدانية استمرت لمدة عام، كيف حرمت أطراف النزاع المدنيين من المواد الضرورية لبقائهم على قيد الحياة، لافتا إلى أن الأسلوب الذي تم به تنفيذ الهجمات يشير إلى القصد في تدمير مصادر الغذاء مثل المحاصيل في الأراض الزراعية والماشية، وكذلك إعاقة ترميم البنية التحتية وزراعة الأراضي في المستقبل.

ويرى المحلل الاقتصادي، علي جميل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن جميع الأطراف استخدمت سياسة التجويع التي تسببت في معاناة ثلثي السكان في اليمن، فقد تم استهداف الصيادين إما بالقصف أو بالألغام البحرية أو بأزمات الوقود المفتعلة.

وتحظر القوانين الدولية الإنسانية استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، والتي تتضمن مهاجمة أو تدمير موارد السلع التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، مثل المواد الغذائية والمناطق الزراعية المستخدمة لإنتاج المواد الغذائية والمحاصيل والثروة الحيوانية ومنشآت وإمدادات مياه الشرب وأعمال الري.

وترجح تقارير اقتصادية أن القيود المفروضة من قبل جميع الأطراف على عملية التنقل والشحن التجاري والتوزيع بين المدن أثرت بشكل سلبي كذلك على القوة الشرائية للسكان، وبالتالي وصولهم إلى الغذاء والماء.

ويشمل ذلك قيام الحكومة اليمنية بنقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن في عام 2016، وتلاها امتناعه عن دفع رواتب مئات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية، وقيام الحوثيين في المقابل بحظر التعامل بالأوراق النقدية الجديدة التي أصدرها البنك المركزي في عدن، وفرض جبايات باهظة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.

ويدعو الباحث الاقتصادي منير القواس في حديث مع "العربي الجديد"، إلى ضرورة معاقبة الأطراف التي تسببت في حرمان الناس من مصادر أعمالهم، ودمرت كل سبل العيش التي كانوا يقتاتون منها، إما بالحصار على المنافذ البرية والبحرية والجوية وحصار المدن كما يحدث لمدينة تعز، أو باستهداف أهم القطاعات المشغلة للأيدي العاملة في اليمن مثل الزراعة والصيد.

ومع إطالة أمد الحرب وتوسع حجم الخسائر، أضحت تكلفة انتشال البلاد من هذه الوضعية باهظة ومعقدة، إذ لا تلوح في الأفق نهاية للصراع.

المساهمون