تأخير صرف الرواتب يشعل غضب التونسيين: عجز الخزينة

01 فبراير 2022
مظاهرة سابقة لأساتذة المدارس الثانوية احتجاجاً على ضعف الأجور (الأناضول)
+ الخط -

يسري الغضب في صفوف موظفي القطاع الحكومي التونسي، بسبب تأخر قياسي في صرف رواتب لنحو 700 ألف شخص لم يتمكنوا من تحصيل أجور شهر يناير/ كانون الثاني في مواعيدها، وسط دعوات من النقابات العمالية للتحرك من أجل إجبار الحكومة على الالتزام بالبرنامج الزمني لتنزيل أو صرف  المرتبات وعدم تحميل الموظفين تبعات التأخير.
وحتى أمس، انتظر موظفو قطاع التعليم بمختلف مستوياته (التعليم الابتدائي والثانوي والعالي)، الأجر الذي كان يفترض أن يصل إلى حساباتهم البنكية يوم 26 من الشهر ذاته على أقصى تقدير.
ووفق الروزنامة العادية (البرنامج الزمني) تتولى الحكومة صرف رواتب الموظفين في الفترة المتراوحة ما بين 18 و26 من كل شهر، غير أن الضائقة المالية تسببت في الأشهر الماضية في تخلف دوري في عملية التنزيل لتبلغ مداها هذا الشهر مع تسجيل تأخير فاق الثمانية أيام.
ويبدأ الشهر لأغراض احتساب الراتب في تونس يوم 16 من الشهر وينتهي في 15 من الشهر الذي يليه، ويصرف بعد 3 أيام (18 من كل شهر).

عجز الخزينة
وتحتاج حكومة تونس إلى ما بين 1.6 و1.8 مليار دينار (الدولار = نحو 2.9 دينار) شهريا لصرف رواتب العاملين في القطاع الحكومي، غير أن تراجع الإيرادات في حساب الخزينة وتأخر توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي جعلا حساب الخزينة في عجز متواصل، ما يجعل التزام الدولة بتعهداتها المالية في مهب التأخير.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأبلغ عدد من المدرسين والعاملين في سلك التعليم والكليات "العربي الجديد" عدم تلقيهم رواتبهم من إلى غاية آخر يوم في الشهر، فيما تبدأ دورة الإنفاق بالنسبة لهم بسداد القروض والإيجارات وباقي الالتزامات الأسرية منذ يوم 22 من كل شهر.
وللتعبير عن غضبهم نظم موظفون في عدد من الدوائر الحكومية وقفات احتجاجية أمام مقرات العمل، مطالبين الحكومة بتقديم توضيحات عن أسباب تأخر تنزيل الأجور ومدى قدرتها على توفيرها للأشهر القادمة.
ويقول أستاذ بمرحلة التعليم الثانوي، حافظ الجويني، إن يناير هو الشهر السادس في سجل التأخير في صرف رواتب موظفين عموميين، مؤكدا أن الحكومة لا تنزّل الجرايات (الأجور) في موعدها منذ شهر يوليو/ تموز الماضي.

مدرس لـ"العربي الجديد": القلق والغضب يسيطران على شريحة كبيرة من موظفي الدولة الذين يواجهون صعوبات مالية كبيرة بسبب الغلاء والتضخم وعدم القدرة على مجابهة سيل المصاريف

وأكد الجويني في حديثه لـ"العربي الجديد" أن القلق والغضب يسيطران على شريحة كبيرة من موظفي الدولة الذين يواجهون صعوبات مالية كبيرة بسبب الغلاء والتضخم وعدم القدرة على مجابهة سيل المصاريف.
وأضاف أنه بسبب التأخير يتحمّل الموظفون تداعيات الغرامات التي توظفها البنوك على الأرصدة "الخالية"، حيث تقتطع أقساط القروض من الرصيد السلبي مع توظيف فوائد تزيد من إثقال كواهل المودعين.
وأفاد المتحدث أن الموظفين يتابعون على مجموعاتهم المغلقة على شبكات التواصل الاجتماعي أنباء "الشهرية" (المرتب)، حيث ينشر الموظفون من وزارات مختلفة مستجدات تنزيل الرواتب التي تحوّلت إلى حدث مهم في حياتهم، منتقدا صمت الحكومة إزاء ما وصفه بالتنكيل المالي بـ700 ألف موظف وأسرهم.

وأشار الجويني أيضا إلى أن الحكومة تعطي الأولية في صرف الرواتب إلى الوزارات السيادية وهي الدفاع والداخلية والمالية والعدل، فيما يصنف موظفو قطاع التعليم بمختلف مستوياته في أسفل الترتيب، ما يفسر عدم تقاضيهم لمستحقاتهم إلى غاية 31 يناير، وهي سابقة لم يتعرّض لها منذ دخوله للوظيفة قبل 25 عاما، وفق تأكيده.
وقال: "أظن أنه أصبح ضروريا أن أعدّل روزنامة التزامي الإنفاقي على وقع الظروف المالية الجديدة للدولة".

سابقة خطيرة
ومن جانبه، قال عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي، إقبال العزابي، إن نحو ثلث العاملين في القطاع الحكومي لم يتلقوا أجورهم في سابقة خطيرة.
وأكد العزابي أن المنتمين لقطاع التعليم يقدر بنحو 230 ألفا من مجموع نحو 700 ألف موظف يعملون في الدوائر الحكومية، مشيرا إلى أن التأخير في تنزيل أجورهم يؤثر على التزامات حياتية مهمة.

مسؤول نقابي لـ"العربي الجديد": السلطة لا تحترم موظفيها حيث لم تكلف نفسها حتى إصدار مجرد بيان لإعلام الموظفين بالتأخير في صرف الرواتب

وأضاف المسؤول النقابي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن السلطة لا تحترم موظفيها حيث لم تكلف الوزارة نفسها حتى إصدار مجرد بيان لإعلام الموظفين بالتأخير، مؤكدا أن النقابة لن تسمح مجددا بتكرار التأخير.
ورجح أن تذهب النقابات في تحركات احتجاجية مستقبلا في حال تكرر التأخير، لافتا إلى أن أشكال الاحتجاج ستحدد داخل الأطر النقابية، سيما وأن الرواتب ليست منة من أحد وهو أجر يتقاضاه الموظف مقابل عمل يقدمه طيلة شهر كامل
وتساءل العزابي: "هل يعقل أن يعمل الموظف لمدة شهر وعشرة أيام دون راتب"، فيما تحمّل البنوك الموظفين تبعات التأخير بفرض عمولات مشطة على سحب أقساط القروض من الحسابات السلبية.

حقيقة الوضع المالي
في وقت سابق طالب الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، حكومة نجلاء بودن، بالخروج إلى الرأي العام ومكاشفة التونسيين بحقيقة الوضع المالي للبلاد، مشيرا إلى أن السلطات تدرس إمكانية خفض أجور التونسيين بنسبة 10 بالمائة بغاية التحكم في كتلة الأجور.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وقال الطبوبي إن الوضع المالي في البلاد خطير جدا، وإن الوضع الصعب قد يستمر لخمس سنوات قادمة، مؤكدا أن ما تتحدث عنه السلطات خلف الأبواب المغلقة ليس هو ذاته ما يروج حول سلامة الوضع الاقتصادي والتوازنات المالية في العلن.
وبسبب عدم القدرة على توفير السيولة الكافية لصرف الرواتب، رجّح خبراء اقتصاد أن تضطر الحكومة إلى طباعة الأوراق المالية منبهين من تداعيات ذلك على التضخم.
وتوقّع وزير المالية السابق والخبير المالي سليم بسباس، أن تظل الضغوط على المالية العمومية قائمة إذا لم تتمكن تونس من تعبئة الموارد اللازمة المرسمة بالموازنة.
وأفاد بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد" أن صرف الرواتب من أهم الالتزامات المالية للدولة بكلفة أكثر من 20 مليار دينار سنويا، مشيرا إلى أن الحكومة تلجأ إلى الحلول الداخلية لتوفير السيولة الكافية، سواء عبر التدخل المباشر للبنك المركزي بضخ السيولة أو إعادة تمويل البنوك بشراء أذون الخزينة قصيرة ومتوسطة المدى التي تطرحها الحكومة.
وأشار وزير المالية السابق إلى تداعيات سلبية لخلق كتلة نقدية مركزية عبر الحلول المالية التي تعتمدها الحكومة دون خلق ثروة وزيادة الإنتاج، مرجحا أن تسبب هذه الحلول ضغوطا تضخمية تزيد في صعوبات المعيشة.

ويرى بسباس أنه لا حلول لتونس لتفادي تفاقم الأزمة المالية والاجتماعية خارج اتفاق صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن كل مؤسسات القروض الدولية تنتظر الضور الأخضر من الصندوق من أجل التحرك لمساعدة تونس ماليا، غير أن الغموض لا يزال يكتنف المفاوضات بشأن هذا القرض الذي قد ينعكس تأخره على قدرة البلاد على سداد ديونها وصرف الرواتب وفق تأكيده.

الحكومة تنفي طبع النقود
لكن المديرة العامة للعامة للتصرف في الدين العمومي بوزارة المالية، كوثر بوباية، نفت تصريحات بعض الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين بأن البنك المركزي التونسي استعمل طباعة الأوراق لتغطية رواتب شهر يناير 2022.
وتكشف البيانات الواردة في نشرة "تونس للمقاصة" - الإيداع المركزي للأوراق المالية - الصادرة في 27 يناير 2022 إعداد مزاد سندات الخزينة قصيرة الأجل (26 أسبوعًا) الذي مكن الخزينة العامة من جمع 651 مليون دينار بمتوسط سعر فائدة بـ6.78 بالمائة من البنوك المحلية.

تفاوض تونس صندوق النقد من أجل اتفاق مالي جديد للحصول على ما لا يقل عن 4 مليارات دولار، لتوفير تمويلات لموازنة 2022

وفسّر الخبير المالي معز حديدان، في تصريحات إعلامية التغيير الحاصل على مستوى حساب الخزينة لدى البنك المركزي خلال شهر يناير بتحويل القرض الجزائري إلى الدينار، مما وفر زهاء 300 مليون دينار وتوظيف جزء من إيداعات الادخار بالبريد صلب الخزينة وصولا إلى إصدار رقاع خزينة.
وطالب صندوق النقد الدولي الحكومة التونسية بإجراء إصلاحات عميقة تشمل القطاع العام. وقال ممثل صندوق النقد في تونس جيروم فاشي إن هذا البلد الذي يسعى للحصول على مصادر تمويل دولية شهد بعد بداية جائحة كوفيد-19 ركودا غير مسبوق منذ استقلاله.

وتفاوض تونس صندوق النقد من أجل اتفاق مالي جديد للحصول على ما لا يقل عن 4 مليارات دولار، لتوفير تمويلات لموازنة العام الجاري 2022، فيما بلغت ديون تونس 102.1 مليار دينار (35.5 مليار دولار)، وهو رقم قياسي لم تسجله البلاد من قبل.

المساهمون